عدنان سمور: الشعوب الأصيلة توحدها المعاناة والشعب المفتعل تفككه

بقي الشعب الفلسطيني مقاوماً وطامحاً للتحرير والإستقلال النكبات المتعاقبة ورغم المذابح والسجون والدمار
بقي الشعب الفلسطيني مقاوماً وطامحاً للتحرير والإستقلال النكبات المتعاقبة ورغم المذابح والسجون والدمار


مقدمة:

سأستعرض فيما يلي مجموعة أفكار واستنتاجات مستخلصة مما يكثر اليوم سماعه من القادة والمسؤولين والخبراء الصهاينة عن تخوفهم من ظاهرة بروز بوادر وإشارات واضحة لحصول تفكك اجتماعي ومؤسساتي نتيجة فقدان الثقة بين المستوطنين وبين المؤسسات الأمنية والقيادة السياسية لدرجة تسببت ببعث حالة عامة من القلق الوجودي الذي ينذر بإقتراب وقوع كارثة تفكك الكيان وانحلاله حسب فهمهم للأمور وفيما يلي نبدأ بعرض الإستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذا الواقع:


1- لقد حصل في دول منطقة غرب آسيا سلسلة من عمليات الإستقلال الصورية والشكلية ، وما كان هذا الأمر ليحصل لولا أن القوى الكبرى ذات التاريخ الإستعماري العريق والتي إنتصرت في الحرب العالمية الأولى ، إعتمدت مبدأ تقسيم المنطقة إلى دول حسب أهوائها ومصالحها ، إضافة لإعتمادها عملية تطوير لمفهوم الإستعمار أسمته الإنتداب ، وادعت أنها بهذا المفهوب تكون تساعد وتهيء وتدرب الشعوب المنتَدَبة لتصبح ناضجة وقادرة على حكم نفسها بنفسها بعد انتهاء فترة الإنتداب التحضيرية ، وقد مكن هذا الأسلوب دول الإنتداب من أن تنتج معارك استقلال وهمية يليها تحقق استقلالات شكلية وصورية لهذه البلدان التي بقيت تابعة ولو بأساليب مموهة ومغطاة ومقنَّعة.


2-الشعب الوحيد في المنطقة الذي عجز عن تحقيق حتى إستقلال زائف وشكلي كان الشعب فلسطيني ، وذلك بسبب إتفاق الدول المنتدبة وخاصة المملكة البريطانية المتحدة على تحويل أرض فلسطين إلى مستعمرة غربية في قلب منطقة غرب آسيا ، وكي لا يكون الحضور الغربي مباشراً في هذه المستعمرة المستحدثة تم تجميع الصهاينة بدلاً عنهم من كافة ارجاء المعمورة ونتيجة التركيبة الفكرية والتاريخية للصهاينة ، ونتيجة استعداداتهم تم تحويلهم الى جماعة وظيفية لخدمة المشروع الغربي في منطقة غرب آسيا في بقعة جغرافية فاصلة بين قارتي آسيا وأفريقيا ، وبذلك ارتاح الغرب من وجودهم ومن الأزمات التي يمكن ان يسببوها له ، ولطمأنة هذا الشعب الذي تمَّ تجميعه من كل بلاد العالم ، ضمنت دول الإنتداب الإستعماري تقديم الدعم لهذا الكيان اللقيط والمفتعل في ارض فلسطين ليبقى متفوقاً على كل دول منطقة غرب آسيا وحمته من خلال دعمها له في المحافل الدولية التي اعترفت به ، وتحول الشعب الفلسطيني نتيجة تغطية المجتمع الدولي المحكوم لسلطة الدول المنتصرة في الحربين الكونتين الأولى والثانية الى لاجئين ومشردين ومعذبين ومضطهدين في كل بقاع الأرض.


3- على عكس ما كان متوقعاً بقي الشعب الفلسطيني موحداً ومقاوماً وطامحاً للتحرير والإستقلال الحقيقين رغم الضعف ورغم التضحيات ورغم الخسائر والنكبات المتعاقبة ورغم المذابح والسجون والدمار . وفي ذلك عبرة ودليل واضح على ان اصحاب الحق الأصيلين ونتيجة مرورهم بحالة ضعف مرحلية ما كانت لتحصل لولا تعرضهم لمؤامرات فاقت قدراتهم واستعداداتهم في تلك المرحلة ، وبدل ان يصابوا بالتفكك والتشرذم والإنقسام والإنهيار فقد استمرّوا رغم ضعفهم لمدة خمسة وسبعين عاماً في شحذ همتهم وتطوير أساليب مقاومتهم والبحث عن مصادر بديلة للقوة المؤثرة لاستعادة حقوقهم المسلوبة وحفظ كرامتهم المعتدى عليها ، ولو كانت هذه القوة كامنة في تقديم دمهم وارواحهم وارزاقهم فداءً لقضيتهم المحقة والعادلة.


4- شعوب غرب آسيا المستقلة إستقلالاً زائفاً وشكلياً ، بقيت تبحث عن استقلالها الحقيقي والناجز خاصة عن تأثير وتدخلات قوى الهيمنة والإستعمار المقنع والمموه ، وقد حصل الخرق الأول في الإنتصار على الإستقلال الزائف في الجمهورية الإسلامية في إيران التي انجزت استقلالاً تحدت فيه إرادة القوى المهيمنة على العالم والمتحكمة بمجريات احداثه الكبرى والمصيرية ، وكان لتحقق هذا الإستقلال اثراً هائلاً على منظومة الهيمنة العالمية لدرجة بدر عن هذه المنظومة ردات فعل وحروب ومؤامرات وحروب ناعمة وتركيبية وسيبيرية فتاكة ضد الجمهورية الإسلامية الفتية ، ولكن هذه المنظومة فشلت لتاريخه في استعادة المبادرة وتمكنت إيران من تحقيق نهضة كبرى واكتفاء حقيقيٍ ، كما تمكنت من بناءِ دولة قوية وقادرة على حماية مصالحها واستقلالها ، وقادرة أيضاً على دعم حركات التحرر التي تأثرت بثورتها ونهضتها في المنطقة وعلى رأس هذه الحركات التحررية كانت حركات التحرر الفلسطيني.


5-نتيجة وجود صعوبة في فك إرتهان انظمة دول المنطقة من تدخلات وتأثيرات دول الهيمنة ، نشأ في هذه الدول حركات مقاومة شعبية سعت لحماية مصالح وأمن شعوبها وقد تضامنت هذه الحركات المقاومة مع شعب فلسطين المقاوم والمناضل والمضحي واعتبرته رمزاً لوحدتها وعدالة قضاياها وشكلت بتضامنها معه دعامة قوية لنضاله وحاضنة لبقاء قضيته حية وفاعلة ونابضة ومؤثرة ، وبتراكم الإنجازات وتبادل الخبرات والتعاون بين حركات المقاومة في المنطقة نشأ محور المقاومة والممانعة الذي إمتد من طهران شرقاً إلى شمال افريقيا غرباً وراح هذا المحور رغم الضغوطات والحصار وافتعال الحروب يتوحد ويتعاون ويُفشل مخططات الأعداء ويؤسس لتحقيق استقلال حقيقي لشعوبه تماماً كما حقق شعب ايران قبله وكما يسعى شعب فلسطين ليحقق استقلاله. وهكذا اثبتت المعاناة والضعف والمظلومية لشعب اصيل انها عامل موحِّد ومدعاة لتمتين العلاقات الإجتماعية والوطنية كما انها محفز للوعي والصبر والتحمل وتقبل التضحية على طريق تحقيق الأهداف الكبرى والإستراتيجية .


6-اما الكيان الصهيوني المفتعل فإنه وبعد 75 سنة من خوضه للحروب والمؤامرات وافتعال المجازر والإبادات والتصفيات وبناء جدران الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وجد نفسه يدخل في مرحلة تحللٍ وتفسخٍ وتفككٍ وانعدام للثقة في مستقبله ووجوده ، ولم تكن هذه المرحلة المزرية التي وصل إليها إلا نتيجة لإكتشاف شعوب المنطقة لنقاط ضعفه واكتشافهم لخطته وأهدافه واكتشافهم الأهم كان لخطط واهداف موظِّفيه من منظومة الهيمنة العالمية بقيادة اميركا ، كما أن شعوب المنطقة المقاومة والممانعة نجحت أيضاً في استدراج هذا الكيان المفتعل الى الوقوع في فخ الإستنزاف الطويل الأمد نتيجة المقاومة المستدامة والمتطورة والنامية ، الأمر الذي بات يهدد وجود هذا الكيان ويدب اليأس في قلوب المسؤولين والمستوطنين فيسارعون للعودة من حيث اتوا والباقون في الكيان يتبادلون التهم والتخوين ،في وقت نشأت فيه المقاومة الفلسطينية من رحم الإحتلال الصهيوني لفلسطين ، كما نشأت المقاومة اللبنانية من رحم الإجتياح الصهيوني للبنان ونشأت المقاومة في العراق من رحم العدوان الأميركي المجرم والظالم على شعب العراق المظلوم ونشأت المقاومة في اليمن من رحم العدوان الأميركي السعودي على الشعب اليمني الأعزل.

وحده النظام السوري من بين الأنظمة العربية إختار الإنضمام الى مسيرة التحرر والإستقلال الحقيقي لشعوب المنطقة ونأمل ان تتبعه تونس الخضراء ، فدفع النظام والشعب السوري ثمناً باهضاً نتيجة خياره الجريء هذا ، ولكن التاريخ سيكتب وسيشهد المستقبل أن الدولة السورية وشعبها الأبي هما شريك فاعل وحقيقي لإيران وشعبها ولشعوب المنطقة الحرة الأبية وخاصة شعب فلسطين القدوة في صناعة الإستقلال الحقيقي والمشرق والمتألق الذي سيضع شعوب منطقتنا في الموقع الذي يليق بها في صناعة المشروع الحضاري اللائق بالإنسان الحر في هذا العالم.


عدنان إبراهيم سمور.

باحث عن الحقيقة.

10/03/2023

تعليقات: