ستجعل المدن أكثر ملاءمة للعمل والعيش (الانترنت)
لا تتوقف اليابان عن الإبداع، فهي دولةٌ تبهر العالم باستمرار بمشاريعها الاستثنائية. إذ ستصبح السيارات الطائرة الكهربائية، التي كانت ذات يوم مادةً في أفلام الخيال العلمي، حقيقةً ملموسة مع تخطيط الحكومة اليابانية لدمج هذه السيارات في قطاع المواصلات وتسيير رحلاتٍ مع ركاب على متنها بحلول عام 2025.
ليس بسيناريو خيالي
تخيل أن تغادر بسيارتك من مبنى سكني قريب من البحر، وتقود لفترة من الوقت إلى مساحةٍ مفتوحة، وعندها تأمر سيارتك الطائرة بالتوجه إلى مكتبٍ في وسط طوكيو على بعد 50 كيلومتراً، فتدور المراوح المتجهة لأسفل والمثبتة في الزوايا الأربع للسيارة بسرعةٍ عالية، وترتفع إلى السماء لتنضم إلى طريقٍ جوي فيه عددٌ لا يُعدّ ولا يُحصى من السيارات التي تطير حولك. لتصل بعدها إلى وجهتك بأقل من 30 دقيقة.
قد يظن البعض أن ما أوردناه آنفاً ليس إلاّ سيناريو خيالي لن نره على أرض الواقع أو لن يتحقق في المدى المنظور. لكنه بفضل التعاون بين الحكومة اليابانية وشركة "سكاي درايف SkyDrive Inc"، وهي شركة يابانية تطور السيارات الطائرة، أصبح حقيقةً ملموسة يمكن الدخول على موقع الشركة الإلكتروني لمشاهدتها عبر فيديو يجمع بين الحركة الحية والمؤثرات البصرية للتسويق لهذا المشروع.
نجحت الشركة، التي تأسست عام 2018، في أول اختبار طيران مأهول في اليابان في العام الذي يليه، وكشفت النقاب في عام 2020 عن طرازها الصغير ذي المقعد الواحد "SD-03" مع قدرة تحليق بسرعة 50 كيلومتراً في الساعة. ولم تتوقف هذه الشركة عن التطوير والاختبار منذ ذلك الحين، متعاونةً مع الحكومة اليابانية في تنفيذ خطتها لاستخدام السيارات الطائرة في معرض"Osaka Kansai Expo" الذي سيُقام في عام 2025، كوسيلة نقلٍ بين مطار "كانساي الدولي" وموقع "إكسبو" الذي يبعد حوالى 30 كيلومتراً.
خطط حكومية
ويقول المهندس توموهيرو فوكوزاوا، الرئيس التنفيذي لشركة "سكاي درايف SkyDrive Inc"، أن شركة "تويوتا" تقدم الدعم الفني لشركته في مشروعها الطموح. ذلك أن قاعدة البحث المستخدمة في الرحلات التجريبية موجودة في المقر الرئيسي لشركة "تويوتا" لصناعة السيارات، بمحافظة أيتشي. كما يتواجد العديد من المهندسين من "تويوتا" في مقر "سكاي درايف". ناهيكَ عن وجود اتفاقية شراكة بين "سكاي درايف" وشركة "سوزوكي" تغطي البحث والتطوير التكنولوجي، وتخطيط أنظمة التصنيع والإنتاج الضخم، وتطوير الأسواق الخارجية، مع التركيز الأولي على الهند، وتعزيز الجهود لتحقيق حيادية الكربون.
يمثل تطوير السيارات الطائرة جزءاً من خطط الحكومة اليابانية لحل مشكلات التنقل من خلال التحليق في السماء. لذا، أنشأت اليابان المجلس العام والخاص لثورة النقل الجوي في عام 2018 بهدف توفير خدمات التاكسي الجوي في المناطق الحضرية، ووسائل النقل الجديدة للجزر والمناطق الجبلية النائية، والنقل في حالات الطوارئ في أوقات الكوارث.
وتجدر الإشارة أن الاهتمام بالسيارات الطائرة لا ينحصر باليابان. إذ تقدّر شركة "مورغان ستانلي"، وهي شركة خدمات مالية أميركية كبرى، أن حجم السوق العالمي المرتبط بالسيارات الطائرة سيكون 1 تريليون دولار بحلول عام 2040. وقد أعلنت شركة "تويوتا" في عام 2020 أنها استثمرت حوالى 390 مليون دولار في شركة "جوبي أفياشين Joby Aviation الأميركية. ولفتّ الرئيس التنفيذي لـ"تويوتا"، أكيو تويودا، الانتباه إلى ذلك عندما أصدر بياناً قال فيه: "لقد كان الإدراك العملي للتنقل الجوي حلماً لنا منذ تأسيسنا". بدورها، استحوذت شركة "جوبي أفياشين" على قسم تطوير سيارات الأجرة الطائرة من شركة "أوبر تكنولوجيز Uber Technologies Inc"، وتخطط لإطلاق "خدمة التنقل الطائر" في الولايات المتحدة العام المقبل.
طرق جوية دائمة
وسعياً للوصول إلى هدفها في الوقت المنشود، ولكون التطبيق العملي للسيارات الطائرة يتطلب عدداً كبيراً من الرحلات التجريبية، تصل أحياناً للآلاف. كشفت الحكومة اليابانية قبل بضعة أيام عن تخطيطها لإنشاء طرق جوية دائمة فوق منطقة ساحلية بمحافظة فوكوشيما هذا الصيف لاختبار السيارات الطائرة. وتضم الخطة ثلاثة طرق: فوق البحر، على طول الساحل، وعلى اليابسة، لربط قاعدة "Fukushima Robot Test Field"، الواقعة في مينامي سوما، بقاعدة Test Field Runway، على بعد 13 كيلومتراً إلى الجنوب في نامي.
من حيث المبدأ، لن تكون مسارات الطيران فوق المناطق المأهولة أو فوق الطرق المزدحمة ومواقع أبراج نقل الطاقة والأسلاك الكهربائية وغيرها من العوائق. وستكون على ارتفاعات تقلّ عن 150 متراً، كما سيتم إنشاء عدد من مواقع الهبوط الاضطراري على طول هذه المسارات.
ونظراً لأنها تقلع وتهبط عمودياً، لا تحتاج السيارات الطائرة إلى مدرجات، ولا تصدر الكثير من الضوضاء. وتستمر الحكومة اليابانية في عملها الدؤوب لحل جميع المشكلات قبل تنفيذ الاستخدام العملي لهذه التكنولوجيا. ومن أولوياتها ضمان سلامة السيارة الطائرة لمنعها من الاصطدام. إذ يتطلب الحفاظ على توازن السيارة عن طريق تحريك مراوح متعددة في الوقت نفسه تقنية تحكم متقدمة، أو ستكون هناك مخاطر اصطدام. وهناك أيضاً احتمال أن تشتعل النيران في البطارية، وهي مصدر الطاقة، وإذا تم إيقاف تشغيل مصدر الطاقة، فستتوقف المراوح عن الدوران. يُضاف إلى ذلك مسألة تهيئة المجتمع لقبول طائرة بحجم سيارة تحلق في السماء.
فوائد السيارات الطائرة
للسيارات الطائرة فوائد عديدة، ويمكن لراكبها أن يتخطى الاختناقات المرورية وزمجرة أبواق السيارات ومنحنيات الطرق. ولأن سرعتها المتوقعة قد تصل إلى 185 كيلومتراً في الساعة، فإنها تقصر المسافات، وبذلك يمكن لمن يقودها الوصول إلى وجهته في غضون دقائقٍ قليلة. وهذا ما يعطي مساحة واسعة للمشاة وللدراجات ما يجعل المدن أكثر ملاءمة للعمل والعيش.
وتُعتبر السيارات الطائرة المؤتمتة بالكامل هي الأكثر موثوقية لأنها تحتاج إلى تزويدها بالمعلومات المحوسبة وحسب. حتى السيارات الطائرة التي تتطلب سائقاً ستظل لديها مجموعة من أنظمة الملاحة الآلية للمساعدة في التحكم في السيارة. يشمل ذلك نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والأقمار الصناعية وأنظمة التحكم عن بعد الأخرى. كل ما يحتاجه السائق هو الدخول وإدخال عنوان الوجهة، وستتولى أنظمة الأتمتة المسؤولية من هناك.
تساهم كل المركبات في التلوث البيئي لأنها تعمل بالبنزين أو أي وقود أحفوري آخر. ويمكن التنبؤ بمعدل الضرر الذي تحدثه ملايين المركبات على الطرقات. وتشمل الغازات والعناصر المنبعثة ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وما إلى ذلك. مع السيارات الطائرة، سيكون هناك حركة مرور أقل على الطرق، وبالتالي توفر استخداماً فعالاً للوقود ومصادر الطاقة.
وبينما يُقدّر الخبراء أن 90 في المئة من حوادث السيارات تعود إلى الأخطاء البشرية، ستعزز أنظمة التشغيل الآلي الخاصة وأجهزة مراقبة السلامة ومراقبة الحركة الجوية للطائرات وتزويدها بتعليماتٍ صريحة حول وقت الإقلاع، ومسار الطيران، وكيفية الهبوط، من كفاءة السيارات الطائرة.
إضافةً إلى ما تقدم، سيلعب ازدياد أعداد السيارات الطائرة دوراً هاماً في تقليص الاستثمارات الحكومية في توسيع الطرقات وإضافة المزيد من الممرات كل عام. وسيحدّ من قطع المزيد من الأخشاب ومدّ الطرق الإسفلتية وما ينتج عن ذلك من تدمير الموائل الحيوية للحياة البرية.
الكلفة والحمولة
بعد الحديث عن فوائد هذه السيارات، لا بد من التنويه بأنها تتطلب معايير فنية توجد بالطائرات والسيارات، وبالتالي فهي مكلفة للغاية في التصنيع والصيانة. كما أنها مبنية على هياكل ومبادئ مختلفة، وبالتالي فإن التصميم الديناميكي الهوائي مكلف للغاية. وبالنسبة للسيارات الطائرة التي تتطلب تحكماً بشرياً، يجب أن يكون الشخص المؤهل لقيادتها حائز على رخصة طيران، وهو أمرٌ مكلفٌ بالطبع.
ونظراً لأن السيارات الطائرة يجب أن تكون خفيفة الوزن حتى تتمكن من الإقلاع عن الأرض من دون استخدام الكثير من الطاقة، فهي مصممة للحمولات المنخفضة. وهذا يعني حمولة شحن صغيرة وعدد ركاب أقل. يمكن أن تتراوح من شخص إلى ستة أشخاص، حسب حجم السيارة الطائرة. وهذا رقم صغير نسبياً عند مقارنته بوسائل النقل العام البري، التي تتسع لعشرات الأشخاص، أو الطائرات التجارية التي تحمل مئات الركاب.
تعليقات: