أزمة بنك وادي السيليكون: الخسائر سيحملها المساهمون أولًا

خسائر الأسهم المصرفيّة لم تقتصر على بورصات الولايات المتحدة الأميركيّة (Getty)
خسائر الأسهم المصرفيّة لم تقتصر على بورصات الولايات المتحدة الأميركيّة (Getty)


طوت الولايات المتحدة الأميركيّة سريعًا صفحة بنك وادي السيليكون، في بيان واضح ومشترك صدر عن وزارة الخزانة الأميركيّة والاحتياطي الفيدرالي ومؤسسة تأمين الودائع الفيدراليّة.

البيان لم يضع حدًا للأسئلة حول تداعيات أزمة المصرف على النظام المالي الأميركي، كما لم يضع حدًا للأسئلة حول أثر ما جرى على السياسات النقديّة للاحتياطي الفيدرالي. لكنّه أكّد، وبشكل لا لبس فيه، أن الإدارة الأميركيّة تسير وفق خطّة واضحة حتّى اللحظة: التعامل السريع مع أي فجوة تظهر في ميزانيّات أي مصرف، وتفادي أي أعباء يمكن أن تترتّب على ماليّة الحكومة الفيدراليّة الأميركيّة في المستقبل.


أمّا المعيار الأوّل والأساسي الذي يتبناه كبار قادة الحزبين معًا: الخسائر يحملها المساهمون أولًا.


القرارات الجريئة والسريعة

صدر البيان بعد أقل من 48 ساعة على اتخاذ مؤسسة تأمين الودائع قرار وضع اليد على بنك وادي السيليكون وإقفاله، الذي أتى بدوره بعد أقل من 48 ساعة على ظهور أزمة المصرف.

باختصار، القرارات حاسمة وسريعة، ولا مجال لترك الأمور تنفلت من عقالها. أمّا الملفت للنظر، فهو أن البيان المشترك وضع أطر الحل بشكل كامل، بعد أن جرت مراجعة الميزانيّات بشكل دقيق خلال الساعات التي سبقت صدوره، وهو ما سمح بفهم نوعيّة الخيارات المتاحة وأفق الحلول الممكنة.

وبصورة عامّة، يمكن تلخيص أبرز ما جاء في البيان على النحو التالي:

1- أوصت مؤسسة تأمين الودائع والاحتياطي الفيدرالي بتصفية المصرف، ووافقت وزيرة الخزانة على التوصية بعد استشارة رئيس الجمهوريّة. وعلى هذا الأساس، ستستكمل مؤسسة تأمين الودائع إجراءات وضع اليد على المصرف، وتسديد قيمة الودائع، مقابل تصفية الموجودات المتبقية.

2- لن يتم تحميل الماليّة العامّة، أي أموال دافعي الضرائب -حسب نص البيان- أي خسائر من عمليّة التصفية.

3- جميع الودائع مصانة، حتى تلك التي تتجاوز حد السقف المضمون (250 ألف دولار أميركي)، وبإمكان أصحابها البدء بسحبها منذ بداية هذا الأسبوع (أي يوم أمس، بعد 48 ساعة على وضع اليد على المصرف).

4- لا حماية لاستثمارات المساهمين في المصرف، أي أنّهم سيتحملون –بشكل بديهي- الشريحة الأولى من خسائر التصفية.

5- إدارة المصرف عُزلت، ولم يعد لها أي علاقة بما يجري اليوم.

6- إذا تكبّدت مؤسسة تأمين الودائع أي خسائر خلال عمليّة التصفية، فسيتم تغطية هذه الخسارة من مساهمات المصارف في المؤسسة، تمامًا كما ينص القانون.

7- الإعلان عن إقفال مصرف آخر أصغر حجمًا، هو بنك سيغنيشور، ومعاملته بالطريقة نفسها.

على هذا الأساس، باتت رخصة بنك سيليكون فالي من الماضي، وبات المصرف اليوم رسميًا قيد التصفية. ولعلّ أهم ما في الموضوع هو الالتفات لسرعة وضع خطّة التصفية، بما تشمله الخطّة من ضمان لجميع الودائع، رغم ضخامة حجم ميزانيّة المصرف.

ومن المهم الإشارة إلى أنّ تأمين الودائع بشكل كامل على هذا النحو كان ممكنًا بفضل سببين: أولًا، وضع اليد فورًا على المصرف، قبل تنامي كتلة الخسائر وتجاوزها حجم الرساميل المتوفّرة. وثانيًا، الدروس التي استخلصتها السلطات النقديّة في الولايات المتحدة الأميركيّة بعد أزمة 2008، والتي فرضت ملاءة معيّنة في رساميل المصارف، وفي رساميل مؤسسة تأمين الودائع، للسماح باستيعاب هذا النوع من الصدمات بعد التدخّل المباشر.


مخاوف من التبعات على النظام المالي الأميركي والعالمي

رغم طي صفحة المصرف، وبخطّة محكمة وواضحة، خيّم القلق على البورصات العالميّة، في ظل مخاوف من امتداد الأزمة وحصول انهيارات إضافيّة في مصارف أخرى.

فخلال يوم أمس الإثنين، خسرت المصارف الأميركيّة ما يقارب 90 مليار دولار من قيمتها في سوق الأسهم، لترتفع خسائرها خلال جلسات التداول الثلاث الأخيرة إلى نحو 190 مليار دولار. مع الإشارة إلى أنّ بعض المصارف الأميركيّة تكبّدت خلال جلسات التداول الأخيرة خسائر إستثنائيّة، كحال "فيرست ريبابلك بنك"، الذي خسر أكثر من 60% من قيمة أسهمه خلال الأيّام القليلة الماضية، في إشارة واضحة إلى خشية المستثمرين من مصير هذا المصرف بالتحديد.

خسائر الأسهم المصرفيّة لم تقتصر على بورصات الولايات المتحدة الأميركيّة. إذ خسر المؤشّر الفرعي للقطاع المصرفي في طوكيو ما يقارب 7% من قيمته، فيما خسرت أكبر ثلاث مصارف أستراليّة (NAB, WestPac, ANZ) نحو 2% من قيمة أسهمها. أمّا مؤشّر القطاع المصرفي الأوروبي، فخسر في تداولات يوم أمس الإثنين نحو 5.7% من قيمته، كما خسر سهم "كومرتس بنك" الألماني 12.7% من قيمته، وسهم "كريدي سويس" 9.6%.


تطمينات وإجراءات احترازيّة

رغم كل هذه الخضات التي عاشتها البورصات العالميّة، عاد رئيس وزراء ماليّة منطقة اليورو باسشال دونوهوي يوم أمس لتأكيد عدم وجود أي ترابط من حيث المخاطر بين المصارف الأوروبيّة وبنك سيليكون فالي، متحدّثًا عن "نموذج عمل محدد" أدّى إلى أزمة المصرف الأميركي، بينما "تختلف الصورة بشكل كبير في أوروبا". وأعاد دونوهوي التذكير بأطر عمل بازل التي تم اعتمادها في جميع بنوك الاتحاد الأوروبي، والتي يفترض أن تحيّد المصارف الأوروبيّة عن أزمات يمكن أن تنتج عن نقص في الملاءة أو السيولة.

أمّا في الولايات المتحدة الأميركيّة، فقد حاول الاحتياطي الفيدرالي طمأنة الأسواق بشكل مختلف، عبر توفير رزم تمويليّة خاصّة للمؤسسات الائتمانيّة والمصرفيّة، وفقًا لشروط خاصّة. ومن المفترض أن تسمح هذه الرزم بمساعدة المصارف الصغيرة التي تواجه اليوم ضغطاً كبيراً على السحوبات والتحويلات، بعد الهلع الذي صاحب تعثّر مصرف سيليكون فالي.

في المملكة المتحدة، سارعت السلطات النقديّة إلى تلقّف وضعيّة فرع سليكون فالي في بريطانيا، عبر تأمين شراء هذا الفرع من قبل مصرف HSBC مقابل جنيه استرليني واحد. وبهذه الطريقة، من المفترض أن يتحمّل HSBC إلتزامات سيليكون فالي للمودعين في بريطانيا، مقابل حصوله على جميع الاستثمارات والتوظيفات التي كان يحملها المصرف الأميركي في بريطانيا قبل تعثّره. وبهذه الطريقة، تكون السلطات النقديّة البريطانيّة قد أمّنت تصفيه وضعيّة سيليكون فالي لديها، من دون أن تتكبّد أي خسائر من الأموال العامّة.

تداعيات على سياسات الاحتياطي الفيدرالي النقديّة

أخيرًا، يبقى النقاش في أثر كل ما يجري على مستوى سياسات الاحتياطي الفيدرالي النقديّة. فكما هو معلوم، يتصل جزء أساسي من أسباب مشكلة بنك سيليكون فالي بارتفاع الفوائد الأميركيّة، وما نتج عن هذه الارتفاعات من تدنٍ في قيمة محفظة السندات التي يملكها المصرف، مقابل ارتفاع كلفة الفوائد التي يدفعها للمودعين لديه.

ولهذا السبب، ثمّة الكثير من التحليلات التي تشير إلى أن التطورات الأخيرة قد تحد من مرونة الاحتياطي الفيدرالي، بما يقلّص من حجم القفزات السريعة في معدلات الفوائد المستهدفة من قبله. وفي النتيجة، وبما أنّ رفع الفوائد هو الأداة الأساسيّة التي يحاول من خلالها الاحتياطي الفيدرالي تقليص معدلات التخضّم، قد يؤدّي هذا الأمر إلى خفض مستوى طموحات الفيدرالي الأميركي، بالنسبة إلى معدلات التضخّم المحدودة التي يحاول الوصول إليها. كما سيؤدّي لجم ارتفاعات الفوائد إلى لجم الارتفاعات المتواصلة في قوّة الدولار الأميركي، مقابل العملات الأخرى.

وأخيرًا، وكما هو معلوم، سرعان ما انكب عدد كبير من المشرّعين الأميركيين في الأيام القليلة الماضية إلى طلب معلومات وافية حول ما جرى في مصرف سيليكون فالي، للوقوف عند نوعيّة المخاطر التي أدّت إلى تعثّر المصرف. فكما أشار الرئيس الأميركي يوم أمس، من المفترض أن تؤدّي الأزمة الراهنة إلى وضع قوانين وقواعد مصرفيّة جديدة، لتلافي انهيارات مماثلة في المستقبل، تمامًا كما جرى بعد الأزمة الماليّة عام 2008. وهذا بالضبط ما يفترض أن يتم ترقّبه وتحليله خلال الفترة المقبلة.. إذا لم يتوسّع نطاق الأزمة أكثر.

تعليقات: