عنف بالغ وصلّ حدّ محاولة القتل (عباس سلمان)
فيما يلفظ قطاع التربية والتعليم في لبنان أنفاسه الأخيرة، متخبطًا في حلقة مفرغة من الأزمات المستفحلة، والتّي تقاعست السّلطات المعنية عن الإتيان بحلول جذريّة لها. بل وسلكت طيلة السّنوات الماضية مسلكًّا ملتويًا للتنصل من مسؤولياتها تجاه طلاب المدراس الرسميّة وأساتذتها والكادر البشري الضخم، الموزّع على امتداد الأراضي اللّبنانيّة... تتطفو على السّطح وبصورة دوريّة أخبار عن حوادث فضائحيّة في أروقة المدراس الرسميّة، من دون أن يُحرك المسؤولون في هذا الإطار ساكنًّا. فبتاريخ اليوم الخميس 16 آذار الجاري، وُثقت حالة إعتداء على الطالب سامي النعيم البالغ من العمر 11 سنة (في الصف السّادس) على يدّ معلمته أمل بردويل (لبنانية، 47 سنة) تمثّل بعنف بالغ وصلّ حدّ محاولة القتل، حسب ما وصفه ذويه.
محاولة قتل
في التفاصيل، أشارت والدة الطفل سامي، دينا النعيم، في حديثها لـ"المدن" إلى أن ابنها تعرض صباحًا لضرب وخنق على يدّ معلمته التّي تُعاني -حسب النعيم- من اضطرابات عصبيّة ظاهرة، ومُلاحظة من قبل الطاقم التعليمي في متوسطية حوش الأمراء الرسمية في قضاء زحلة، وذلك على خلفية طلب ابنها من المعلمة وأثناء الحصّة الدراسيّة الذهاب إلى المرحاض، بعد تعرضه لتوبيخ منها. وقالت: "ابني الذي يُعاني من طرف الربو، وبُعيد توبيخ المعلمة إياه أمام زملائه، أحسّ بحاجة ملّحة للذهاب إلى المرحاض، لتناول دوائه الخاصّ وغسل وجهه، لكن المعملة المذكورة رفضت رفضًا قاطعًا طلبه، وبُعيد إلحاحه المتواصل هرعت المعلمة لضربه أمام زملائه في الصّف وخنقه بيديها الإثنين ما تسبب بوقوعه مغشيًا على الأرض وفاقدًا لوعيّه".
وفيما لفتت الوالدة السّاخطة إلى أن هذا التعنيف الوحشي الذي تعرض له ابنها، ليس الأوّل من نوعه. بل إن المعلمة ذاتها واظبت على أسلوب عنيف وعصبيّ تجاه الطلاب الصغار منذ سنوات. إذ أن إطلاق الشتائم والضرب المبرح من عاداتها التعليميّة. فالسّنة الماضية تهجمت على سامي وبالأسلوب نفسه، وقامت بخنقه حدّ وقوعه على الأرض أيضًا فاقدًا لوعيّه بسبب الاختناق، بعد سلسلة من الشتائم الموجهة له ولأهله. وبالرغم من محاولات الأمّ تدارك الموضوع، والتحقق من ابنها عن حيثياته وسؤال عدد من زملائه والكادر التعليميّ في المدرسة عن الحادثة، التّي تأكدت من صحة ملابساتها لاحقًا، وطلبها من المديرة وضع حدّ لهذه التجاوزات، لم تقمّ المديرة سوى بإجبار المعلمة على توقيع تعهد.
عنف ممنهج
واليوم، وبعد عدّة مواجهات بين المعلمة والأمّ، بعدما طالبت الأخيرة مرارًا من المسؤولين في المدرسة وضع حدّ لهذه المعلمة التّي تُخالف القانون والتّي تنتهج أسلوبًا عنيفًا وعصبيّاً في تعاطيها مع طلاب وأطفال صغار باتوا يخافون منها ولا يجرؤون على إخطار أهاليهم بالاعتداءات المتكررة التّي يواجهونها. والمعلمة أساسًا كانت قد طُردت سابقًا من المدرسة على خلفية ضربها للمدير السّابق... وجدت الأمّ نفسها في معرض تصعيد مواجهتها للمعلمة، وأكدّت لـ"المدن" أنها ستتقدم بشكوى لدى وزارة التّربية ضدّ المعلمة أمل بردويل التّي حاولت قتل ابنها، مؤكدةً تمسكها بأهمية التعليم لأولادها، معتبرةً أنّه أولوية في هذه الظروف التّي أجبرتها قسرًا على تسجليهم في مدرسة رسمية بعد أن كانوا مُسجلين في مدرسة خاصة.
وذكرت الأمّ، أن عدداً من الطلاب إلى جانب ابنها سامي قد تعرضوا لعنف وحشي وتلقي الإهانات والشتائم، عشرات المرات، من قبل هذه المعلمة، التّي لا تولي لواجبها المهنيّ أي اهتمام، بل وتتقاعس بصورة علانيّة عن تأدية مهامها التعليميّة. وتهدد في غالبية الأحيان بأخيها العسكريّ. ولدى سؤال "المدن" عن حالة الطفل النفسيّة بعد الاعتداء الوحشيّ الذي تعرض له اليوم، أجابت الأمّ بتأثر أنّه في حالة صعبة نفسيًّا وتحت صدمة رهيبة، الأمر الذي ينطبق على زملائه الذين وصلوا إلى بيوتهم في حالة من الرعب والخشية، حسب ما أشار ذويهم للوالدة.
الأمر الذي يعيدنا إلى أزمة حقوقية متأصلة في المدراس اللّبنانيّة عامةً وفي المدارس الحكومية بشكلٍ خاص، حيث تتوالى الشهادات والإفادات التّي توثق اعتماد العنف البدني كوسيلة للعقاب عند بعض الأساتذة الرسميين، الأمر المخالف للقانون الذي يحمي الطلاب من الأذى البدني على يدّ معلميهم، والصادر منذ سبعينيات القرن الماضي في لبنان. وفيما أشار تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس وتش" منذ حوالى الأربع سنوات إن الحظر الذي يفرضه لبنان على موظفي المدارس لمنعهم من ضرب الطلاب أو الإساءة إليهم لفظياً أو التسبب لهم بالألم بأي طريقة تحت مسمى التأديب، غالباً ما يتم تجاهله، معربةً عن قلقها من هذه الإشكالية الحقوقية. وبالرغم من القوانين والمراسيم الرسميّة والوزارية في هذا المجال، لا يزال هذا العنف قائمًا ومتغاضى عنه في لبنان.
تعليقات: