مصدر أرباح بمليارات الليرات غير خاضع لمراقبة أو مساءلة.
يبدو الدخول الى عالم المصارف في لبنان، من باب العمولات التي تتقاضاها، أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. الحصول على معلومة دقيقة حول هذا الموضوع ليس متاحاً للساعين إلى ذلك، والعمولات المصرفية غابة من المتاهات التي ترهق كاهل العميل من دون أن يدري... لماذا عليه أن يدفع هذه العمولة؟ ولماذا ليس له الحق في رفضها؟
يتندّر موظف سابق في أحد المصارف بحادثة يرويها عن مديره. يقول «رأى مدير المصرف يوماً ضرورة رفع الأرباح من العمولات إلى نحو ثمانية ملايين دولار أميركي، فأضاف خدمة بسيطة على عمليات العملاء، وحصل على مراده خلال شهرين فقط».
لا تعلن المصارف في لبنان إيراداتها الصافية من العمولات المحصلة، بل تكتفي بمقارنة تطور هذه الإيرادات أو تراجعها بين سنة وأخرى، والمفارقة في الموضوع أن حجم العمولة على الخدمة نفسها يختلف بشكل كبير بين مصرف وآخر، وأحياناً يتم إيجاد بعض الخدمات غير المبررة لتحصيل العمولات.
الخدمة واحدة والعمولات متفاوتة
ارتفع صافي حجم العمولات التي تتقاضاها المصارف في لبنان من عملائها 261 مليار ليرة خلال الفترة الممتدة من عام 2002 حتى عام 2005. لكن يبقى من الصعب تقدير إيرادات المصارف من العمولات على كل خدمة. إذ يستطيع المصرف خفضها أو زيادتها من دون محاسبة، وهذا ما يشدد عليه أحد أعضاء جمعية مصارف لبنان بالإشارة إلى أن «لجنة الشروط والاستثمار المصرفي في الجمعية تصدر تعاميم حول سقف العمولة التي يجب اعتمادها لكنها لا تلزم المصارف بها».
من المفارقات غير المفهومة في موضوع العمولات المصرفية التفاوت الكبير في هذه العمولات بين مصرف وآخر على الخدمة نفسها. ففتح ملف اقتراض في بنك الاعتماد اللبناني، مثلاً، لا يستلزم دفع عمولة وكذلك الحصول على كشف الحساب، بينما تراوح العمولة على فتح ملف اقتراض لعميل ائتمان في بنك بيروت والبلاد العربية ما بين 100 و300 دولار أميركي ويتقاضى المصرف ثلاثة آلاف ليرة على كشف الحساب الذي يصدره دورياً.
لا عمولة في بنك عودة ساردار على عملية فتح حساب جديد، بينما يدفع العميل 15 ألف ليرة للحصول على كشف الحساب الذي يصدره المصرف سنوياً، و15 ألف ليرة عن كل كشف يطلبه.
في بنك لبنان والمهجر تتطلب دراسة ملف الإقراض عمولة تراوح بين 90 و100 ألف ليرة لبنانية، إذا كان الحساب بين خمسة ملايين ليرة وستة ملايين ليرة حتى لو لم يُوافق على طلب القرض. أما في بنك سوسيتيه جنرال، فعمولة فتح ملف قرض للأفراد تبلغ 125 دولاراً أميركياً، وللشركات الكبيرة 600 دولار أميركي، والمتوسطة 415 دولاراً أميركياً، والصغيرة 200 دولار أميركي، ويأخذ المصرف عمولة عند قبول الطلب، أما كشف الحساب فهو مجاني.
عمولات الشيكات
بالنسبة إلى الشيكات فالحال مغايرة، إذ لا تستلزم عملية تحويل شيك على سبيل المثال من بنك عودة الى مصرف لبنان عمولة على عملاء المصرف. أما إذا جاءت حوالة الشيك من شخص يتعامل مع مصرف آخر، فيأخذ المصرف عمولة تبلغ خمسة دولارات أميركية، ودولار واحد عند تحصيل الشيك، وإذا ارتجع ترتفع العمولة خمسة دولارات إضافية.
تبلغ عمولة إصدار الشيك بالليرة في بنك بيروت والبلاد العربية خمسة آلاف ليرة، وبالعملة الأجنبية أربعة دولارات أميركية. وعلى الشيك المرتجع بالليرة خمسة آلاف ليرة، وبالعملات الأجنبية خمسة دولارات أميركية، بينما تبلغ عمولة تحصيل الشيك بالليرة ألف ليرة، ودولاراً أميركياً واحداً على الشيك المحرر بالعملة الأجنبية. وعمولة الحوالات الصادرة بالليرة خمسة آلاف ليرة، وبالأجنبي عشرة دولارات أميركية.
في بنك الاعتماد اللبناني تبلغ عمولة تحصيل شيك من مصرف لبنان دولاراً أميركياً واحداً، وهي نفسها على الشيكات الآتية من مصارف أخرى، فيما تبلغ عمولة صرف شيك من فرع ثان للمصرف نفسه واحداً في الألف من قيمة الشيك. وعمولة تحصيل شيكات بالليرة والعملات الأجنبية بالمقاصة خمسة دولارات أميركية، والعمولة نفسها إذا كان مرتجعاً.
تبلغ عمولة الشيك في بنك لبنان والمهجر دولاراً أميركياً واحداً، وألف ليرة على الشيك المحرر بالليرة اللبنانية، أما إذا ارتجع الشيك فعمولته تصبح خمسة دولارات أميركية. أما في مصرف سوسيتيه جنرال فعمولة تحصيل الشيك دولار أميركي واحد، و15 دولاراً أميركياً على المرتجع.
الصراف الآلي وفخ العمولات
يشير تقرير صادر عن جمعية المصارف حول وسائل الدفع، الى ارتفاع عدد بطاقات الدفع والائتمان المتداولة في لبنان الى 1217056 بطاقة نهاية شباط 2006، في مقابل 1197407 بطاقة نهاية شباط 2005.
ترتبط المصارف اللبنانية بشركات تشغّل شبكات متعددة لآلات الصراف الآلي وترتفع العمولات التي تتقاضاها المصارف والشركات على سحب الأموال بشكل تدريجي ضمن الشبكة نفسها، لتصبح في أوجها على عملاء المصارف من خارج الشبكة.
اللافت في الأمر أن غالبية العملاء لا يعرفون ما هي المصارف المنضوية ضمن الشبكة التي ينتمي إليها مصرفهم، فيقعوا في فخ العمولة المرتفعة. وإن معظم المصارف لا تضع على صرافها الآلي ملصقاً يعلم العملاء بالمصارف التي لا تلزمهم بعمولة مرتفعة. الأغرب حين يسحب أحد العملاء أموالاً من صراف آلي لا يتبع للمصرف الذي يتعامل معه، فلا تظهر على شاشة الصراف أي إشارة الى قيمة العمولة التي سحبت من حسابه، فما هي العمولات التي تتقاضاها المصارف على هذه الخدمات؟
يتقاضى بنك عودة عمولة على السحب من الصراف الآلي بين ألف ليرة و1250 ليرة من عملاء المصرف وعملاء المصارف من الشبكة نفسها التي ينتمي إليها عودة، فيما ترتفع العمولة الى 10 آلاف ليرة و12 ألفاً إذا كان من خارج الشبكة.
أما بنك بيروت والبلاد العربية فيتقاضى من عملائه وعملاء المصارف في شبكته 1250 ليرة على السحب بالليرة اللبنانية، و85 سنتاً على السحب بالدولار الأميركي، ومن خارج الشبكة ثلاثة دولارات أميركية على السحب بالليرة أو بالدولار الأميركي.
بينما لا يضع بنك الاعتماد اللبناني عمولة على عمليات عملائه فيما تبدأ العمولة على غير العملاء من دولار أميركي واحد وترتفع وفقاً لارتفاع المبلغ المسحوب. ويتقاضى بنك لبنان والمهجر عمولة من غير عملائه والمنتمين الى شبكته 1300 ليرة حداً أدنى، بينما تراوح العمولة في سوسيتيه جنرال على غير العملاء ما بين ثلاثة الى خمسة دولارات أميركية.
الحقوق الضائعة
لا يفصح عملاء المصارف غالباً عن معاناتهم مع موضوع العمولات، ويقول أحدهم «إن الممارسات التي تقوم بها المصارف اللبنانية، تُضبط في أوروبا مثلاً بشكل واضح، ويستطيع المواطن اللجوء الى المحاكم لمطالبة المصارف بتطبيق القانون، أما في لبنان فهذا الأمر شبه مستحيل».
في هذا الإطار تقول مصادر متابعة إن «لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا تُجبر فيه المصارف التجارية وفق قانون النقد والتسليف وقوانين المالية المصرفية على إعلام العملاء بالمعدل الإجمالي للفائدة السنوية في عقود الاقتراض، ومعدل العمولات والمصاريف».
وتفيد المصادر أنه «في أغلب الأحيان تكون قيمة العمولات عملية بحث بين العميل والمصرف، وعادة ما يقوم العملاء بتحديد العمولة قبل البدء بالتعاملات المصرفية، ولكن المصارف في لبنان تلجأ الى الكثير من الخدع لإضافة المصاريف بطرق غير شفافة».
مجرد إشارة «آلة فرم فقط»
رأى وزير المال الأسبق جورج قرم أن المصارف اللبنانية لا تهتم سوى بخدمة العملاء الكبار، في حين أن العشوائية في فرض العمولات تطال بشكل أساسي المودع من الفئة المتوسطة أو المحدودة الدخل. ولفت إلى أن المصارف في جميع دول العالم أصبحت أداة لـ«فرم» المودع، لكن الفرق أنه في الدول المتقدمة توجد طرق للمحاسبة وسقوف ملزمة في العمولات بعكس ما يحصل في لبنان.
ورأى قرم أن المصارف تعتمد على جهل العميل إلى حد بعيد وأن أرباح المصارف الناتجة عن التعامل بعملات متعددة في لبنان ضخمة، إذ إن العميل الواحد يودع حسابات بالليرة والدولار وأحيانا باليورو، ويدفع عمولة على كل عملية تحويل بين حساباته، في حين أن الدول الأخرى غالباً ما تستخدم العملة الوطنية في إيداعات العملاء، لافتاً إلى أن المصارف اللبنانية تربح من موضوع العمولات أكثر من أي بلد آخر.
وأكد قرم أن عدم فرض مصرف لبنان سقفاً للعمولات بهدف زيادة التنافسية تفكير غير منطقي، لأنه على الرغم من العدد الكبير للمصارف العاملة في لبنان، إلا أن العدد الذي يتحكم بالسوق فعلياً لا يتعدى خمسة مصارف.
تعليقات: