رحل مؤسّس القرض الحسن.. وإخبار القوات مكر سيّئ!

الحاج حسين الشامي أبرز مؤسّسي جمعية “القرض الحسن
الحاج حسين الشامي أبرز مؤسّسي جمعية “القرض الحسن


ودّع لبنان أمس، وجنوبه تحديداً، الحاج حسين الشامي أبرز مؤسّسي جمعية “القرض الحسن“، من دون أن ينال أيّ جائزة دنيويّة على تأسيسه “بنك الفقراء” كالبروفيسور محمد يونس( ) مؤسّس بنك “غرامين” في بنغلادش، الذي نال جائزة نوبل؛ ولم يُدبِّج في مدحه رئيسٌ مقالاً كما فعل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بحقّ يونس، وإلا لسَارعَ النائب جورج عقيص وزميله زياد حواط وزملاؤهما من نواب القوات اللبنانية، وقبلهم نائب الهَبَّة التشرينية مارك ضو، وبعدهم الناشط مجد بطرس حرب إلى مدحه، ولقالوا “مجتمعٌ دولي رَغِب وعلينا الرضى”… ولو علم بذلك البروفيسور المالي والاقتصادي (ما غيرو) لما كان بحاجةٍ إلى أن يدعَ عينيه تجحظان في الندوة التلفزيونيّة، وهو في غمرة النقاش حول الانهيار المصرفيّ، ثمّ يقول إن لم نتحدّث عن القرض الحسن فعمَّ نتحدّث؟!

لكن الخبر السعيد أنّ اتفاقاً سعودياً – إيرانياً وُقِّع، والراجح أن المنطقة تتّجه إلى التهدئة وحسن الجوار، والشباب اللبناني الملتزم على الدوام حماسةً ومناصرةً لقضايا عابرة للحدود سيُطلِّق العنصريّة إلى حين، وسيسمو فوق غرائزه، وسيكون الحكيُ من خامة أخرى، ومن مستوى مختلفٍ، فتضمحلّ الحملةُ على الجمعيّة الخيرية (القرض الحسن) التي لم يكن لها ذنبٌ غير أنها تقدّم قروضاً ميسّرة للعامة من النّاس بكفالةِ أبناء الخير والمحسنين من اللبنانيين!

بلغت الحملة على جمعية “القرض الحسن” أوجها مع تقدّم عدد من نواب القوات اللبنانية بإخبارٍ أمام المدّعي العام، وأوكلوا إلى المحامي أنطوان شحادة الادّعاء بأنّ الجمعية تخالفُ “قانون النقد والتسليف” الذي يرعى العمل المصرفيّ في لبنان، بدل أن يذهب النقاشُ والعملُ المُجدي، بصفتهم نواباً في مجلس النواب، إلى تشريعٍ يُعالج فساد مالية الدولة والمصرف المركزي والمصارف اللبنانية عامة. لكن المجلس الكسول بأعضائه على اختلافهم، وبُلبلهم المالي إبراهيم كنعان، عجزوا حتى تاريخه عن اجتراح حلّ أو خريطة طريق إلى الحلّ، وتباروا في الردح مع خصومهم، والمدح لزعمائهم، الذين منهم مَن وَعد بلجم الدولار، وبَعثِ الحياة في الاقتصاد اللبناني، فكفّروا الناس بمن قال “ما خلّونا”، وبمَن زَعَم أنه “فينا، وبدّنا، ونحن قدّها”.


المحامي عجور: القرض الحسن لا تخالف قانون النقد ولا تملك ودائعَها أو تستعملها لحسابها

يؤكّد المحامي خليل عجور لـ”حدث_أونلاين” أن عنوان المصرف لا ينطبق على جمعية القرض الحسن، ويدعو إلى مراجعة “قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي، أي المرسوم 13513/1963، وقانون التجارة البرية الصادر سنة 1942″، حيث جاء في “المادة 121 من قانون النقد والتسليف ما حرفيّته: “تُدعى مصرفاً” المؤسسة التي موضوعها الأساسي أن تستعمل لحسابها الخاص في عمليات التسليف الأموال التي تتلقاها من الجمهور”. وفي المادة 122 من ذات القانون تعريف الأموال المتلقاة من الجمهور بأنها “الودائع وحاصلات القروض”. أما الودائع، فقد أحال قانون النقد والتسليف تعريفها على نصّ المادة 307 من قانون التجارة البرية اللبناني، وفيها ما حرفيّته: “إن المصرف الذي يتلقّى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يُصبح مالكاً له…وتجب الفائدة عند الاقتضاء”.

ثم يتساءل عجور “هل تصبح مؤسسة القرض الحسن مالكة للمال الذي يودعه الجمهور على سبيل الوديعة؟ وهل تترتب الفوائد القانونية على هذه الوديعة تجاه المؤسسة”، فيؤكّد نفياً “أن المؤسّسةَ (القرض ألحسن) لا تُصبح مالكة لهذا المال، ولا تعطي الفائدة على الوديعة، وبالتالي لا يُمكن اعتبار أنّها تتلقى الودائع من الجمهور وتستعمل هذه الودائع لحسابها لخاص في عمليات التسليف، إذ إن التسليف يتم مقابل رهن كميّة من الذهب تفوق أحياناً قيمة السّلفة الممنوحة؛ وبالتالي فإن الودائع التي بحوزة المؤسسة تحكمها قواعد شرعية ودينية، وتختلف عن تلك الودائع التي نصّ عليها قانون التجارة البرية، وبالتالي لا يمكن اعتبارها مصرفاً”.

ويستنتج تالياً أن لا موجب لخضوع الجمعية لقانون النقد والتسليف الذي يُدلي البعض به “باعتبار أن الجمعية لا تمارس عملاً مصرفياً… بل يجب عليها كجمعية خيرية لا تستهدف الربح إنما مساعدة أصحاب الدخل المحدود أن تمسك دفاتر تجارية منظّمة بحسب الأصول، وهي تخضع لرقابة ديوان المحاسبة إذا ارتأى الديوان… وفاقاً لنص المرسوم رقم 13615/1963”.

ويشير عجور إلى أن “المادة 125 من قانون النقد والتسليف قد حظرت على كلّ شخص حقيقيّ أو معنويّ، وليس مصرفاً، أن يتلقّى الودائع بمفهوم المادة 123 منه بما حرفيته “يحظر على كلّ شخص حقيقي أو معنوي لا يمارس المهنة المصرفية أن يتلقى ودائع بمعنى المادة 123″، ليستنتج أن “تلقّي الودائع بغير مفهوم المادة 123 يكون عملاً مشروعاً، ولا يخضع لموجبات قانون النقد والتسليف”.

ويزيد عجور الراغبين في إحقاق الحق مادة قانونيّة أخرى “تأكيداً على اعتراف المصرف المركزيّ وقانون النقد والتسليف بالجمعيات الخيرية التي تعمل في الأموال والادّخار والتسليف ولا تتلقّى الربح”، فيورد “نصّ المادة 166 من قانون النقد والتسليف بحرفيّتها “يُمكن للمصارف أن تتلقّى ودائع ادّخار من أشخاص حقيقيين أو من جمعيات لا تستهدف الربح”، أي إنه يجوز أن يكون هناك جمعيات تمارس وظيفة الادّخار دون نية الربح كحالة جمعية مؤسسة القرض الحسن”.

ويرى عجور على هامش إجابته القانونية أن ثمة “متضرّراً من القرض الحسن يتمثّل في المؤسّسات المالية والمصارف التي تقرض الأموال مقابل فوائد عالية لكون عمليات الإقراض الحاصلة من قبل المصارف تخضع بالدرجة الأولى لإجراءات رهن عقاري معقّدة؛ وبالدرجة الثانية، معدّلات الفوائد التجارية لديهم عالية جدّاً، وترهق المقترض، إضافة إلى أنّ عقد القرض بحدّ ذاته مصنّف في القانون من قبل عقود الإذعان التي تمليها المصارف واضعة شروطها بإرادتها المنفردة”.


إخبار القوات المتهافت تصرّف دعائي!

وفي استعراض للنقاط القانونية المتهافتة لدى في إخبار نواب القوات اللبنانية قال المحامي عجور:

“1 – إن المؤسسة لا تتعاطى أعمال التجارة المنصوص عنها في المادة 6 من قانون التجارة البرية اللبناني ولا تبغي الربح.

2 – إن عملية الإقراض مقابل رهن الذهب ليست عملية حكراً على المصارف وفقاً لقانون النقد والتسليف وقانون التجارة.

3 – إن كفالة أحد أعضاء مجلس الإدارة هي كفالة شخصيّة متعارف عليها في كافة القوانين، لا سيما في قانون الموجبات والعقود اللبناني، وبالتالي ليست بحدّ ذاتها عملاً تجارياً أو مصرفياً.

4 – عملية نقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال حسابات وهمية أمر عار من الصحة لكونها لا تخضع لأيّ عمليات مباشرة مع المصارف، ولا حتى مع مصرف لبنان.

5 – لا علاقة لقانون مكافحة تبييض الأموال بعمليات المؤسّسة لكون مقدّم الإخبار يعترف بأنّ عمليّات القروض تتمّ مقابل رهن ذهب من الجمهور، ومصدر الضمانة معلوم وموجود في جميع بيوت اللبنانيين.

6 – الحديث عن أموال مجهولة المصدر غير واضح لكون المؤسسة تتلقّى مساهمات وحسابات ادّخار من الجمهور”.


د. حمودان: القرض الحسن جمعية تعاضد وتكافل وذات دور تنموي

يرفض مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء المغالطة التي يسوّقها البعض من أصحاب المآرب، ويروّج لها، إذ يؤكّد لـ”حدث_أونلاين” أن “عمل القرض الحسن لا يؤثّر على عمل المصارف، لأن المقارنة غير متاحة بين جمعيّة وشركة، والمهام التي يقوم بها المصرف لا تُشبه مهام جمعية القرض الحسن”.

ويرى أنّه “في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب لبنان، بالإضافة إلى الحصار السياسي والمالي الذي يضرب بيئة المقاومة، فإن التوصيف الأنجع لعمل القرض الحسن هو التعاضد المجتمعيّ في مواجهة الأخطار الخارجية ضمن إطار عمل الجمعية المنظّمة إداريّاً وتقنيّاً لمواجهة هذا الحصار السياسي وغير الإنساني”.

ويشدّد على أن “جمعية القرض الحسن ساهمت تنموياً في تحريك عجلة بعض القطاعات التجارية والإنتاجية من خلال العمل التعاضدي الذي قامت وتقوم به، معزّزة بالثقة المجتمعية التي اكتسبتها”.


هزيمة: معاييرنا واحدة، ومصداقيتنا ضمانة، والمصارف جنت على نفسها

يعرّف الأستاذ علي هزيمة (إعلامي من القرض الحسن) لـ”حدث_أونلاين” الجمعيةَ بأنها “جمعيّة مرخّصة من وزارة الداخلية اللبنانية سنة 1987 بموجب علم وخبر 217/أ.د، وتهدف إلى مساعدة النّاس من خلال منحهم القروض لآجال محدّدة”، “وتأسست في عام 1982، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان وما خلفه من أوضاع اجتماعية واقتصادية مدمّرة”، ثم “اتّسع نشاطها على جميع المستويات، وكذلك رقعة انتشارها على كافة الأراضي اللبنانية، تلبية لزيادة الطلب على خدماتها”.

ويفخر هزيمة بأن “عدد المستفيدين منذ التأسيس لغاية الآن بلغ أكثر من 2.000.000 (مليونَين) مستفيد، فيما فاقت مساهمات الجمعية في الحياة المالية للناس “الـ4 مليارات دولار”.

حول مصادر تمويل الجمعية، يوضح بأنها متنوّعة فهناك:

“حساب المساهمة، ويهدف إلى تشجيع الميسورين على المساهمة مع الجمعية في حلّ بعض المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها طالبو القروض، من سكن وزواج وطبابة وتعليم…”.

حساب الاشتراك للمدّخر والمقترض على السواء، ويهدف إلى تعزيز الروابط وتشجيع المقترض على الادّخار، ولو بمبالغ زهيدة، وحثّ المقترض على المساهمة في عملية إقراض الآخرين، بالإضافة إلى التبرعات من قبل المتموّلين وأهل الخير”.

وإذ يعلن هزيمة أن للجمعية 32 فرعاً (15 في بيروت، 11 في الجنوب، 6 في البقاع)، وأن أكثر من 500 موظّف يعملون في إدارتها، يشرح طريقة العمل والمبادىء الإدارية، وتحديداً المعايير المعتمدة لمنح القروض، فيقول “بإمكان أيّ شخص تقديم أوراقه الثبوتية، وتأمين الضمانة المطلوبة، ثم الحصول على القرض المطلوب في أسرع وقت ممكن، بل معظم القروض تُصرف في نفس اليوم خلال حضور الزبون إلى داخل الفرع”.

ويشدّد هزيمة على أن لا معيار غير الحاجة والضمانة مطلوبٌ لحصول أي شخص على أيّ من خدمات الجمعية.


وما هي الضمانات المحدّدة للحصول على قرض؟

يقول هزيمة: “هي واحدة من ثلاث:

كميّة من الذهب تفوق قيمة القرض المطلوب.

كفالة حساب مساهم أو مشترك مع الجمعية.

كفالة موظف في مؤسّسات متعاقدة مع الجمعية”.

ويرفض هزيمة الربط بين أزمة المصارف وعمل جمعية القرض الحسن، ويقول “تاريخياً، عمر المؤسّسة يبلغ نحو 40 سنة، والمصارف موجودة، ونحن لا نعطي أرباحاً على الودائع. وبالرغم من ذلك تودع الناس أموالها بسبب مصداقيتنا. المصارف هي التي أوصلت نفسها إلى هنا بسبب أدائها وسياساتها”.

بدل أن تُكافأ جمعية القرض الحسن على نجاحها، ومؤسّسوها على إبداعهم ودأبهم، فتُتّخذ مثالاً وقدوة، يشنّ داعمو المصارف والمرابين في لبنان هجمات لا تتوقّف، ويحرّضون لتدمير مؤسّسة خدمة مجتمعها، واستفاد منها أصحاب الحاجات النبيلة من صحة وتعليم وسكن… وينسون أن جهوداً كثيرة بُذلت لبعث العمل التعاوني في لبنان منذ أيام الرئيس فؤاد شهاب، وما زالت تتعثّر، لكن القرض الحسن شبّت على طوق الفشل وسلطة المصرف والتاجر.


المصدر: حدث_أونلاين

تعليقات: