إعتاد اللبنانيون "الرزق السايب"، واعتادوا استهتار الدولة بحقوقها وواجباتها، فباتوا لا يثقون بجديدها أياً يكن، ولا يتقبلون برحابة صدر أي إصلاحات تصبّ في مصلحتهم المباشرة أو غير المباشرة. بدورها، لا تفوّت الدولة اللبنانية أي فرصة لإثبات عدم جديتها، وعقم أهليتها لمعالجة مشاكل الناس، والمرض البنيوي المزمن في جسد الإدارة العامة والمؤسسات التابعة.
لم يكن رفع سعر كيلوواط "كهرباء" الدولة قراراً خاطئاً، بل الخطأ التاريخي كان أن توهب الدولة مواطنيها كهرباء بـشبه "بلاش"، وتستمر في ذلك عشرات السنين، من دون أي مراعاة لظروف المالية العامة، والإحتياط بالعملات الصعبة، بما أدى الى تدمير الاقتصاد وفقدان السيولة وانهيار شامل على جميع المستويات.
تصحيح الخطأ في سعر الكيلوواط، جرَّ معه تصحيحا كان يمكن تفاديه وفق الكثير من المطالبات الاقتصادية والشعبية. فبدل التأهيل، ورسم الإشتراك، يكادان يزيدان أحيانا عند صغار المستهلكين والطبقات الشعبية عن قيمة استهلاك #الكهرباء، الأمر الذي ينافي قواعد التكليف الضريبي والمحاسبة العمومية. فالمواطن لا يفيد من كهرباء "الدولة" إلا أربع ساعات فقط، فيما هو مجبر على تسديد رسم وبدل تأهيل عن الساعات الأربع اليتيمة نحو مليون ليرة حتى الآن، قابلة للزيادة كلما ارتفع سعر منصة "صيرفة"، الذي تقوم عليه أسعار الإستهلاك والرسوم الكهربائية.
فوق ذلك، وعلى قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، يسدد المواطنون فاتورة المولّد على دولار السوق، التي تتضمن أيضا رسم اشتراك، لكن المفارقة هي أن المولّد يؤمّن ساعات تغذية تصل الى 20 ساعة يوميا، لذا لا تجوز المقارنة بين الخدمتين والكلفة. هذا "الحمل" الضريبي الجديد حدا بالكثير من الناس الى التوجه نحو "مؤسسة كهرباء لبنان"، و"تصغير" قوة عدّاداتهم الى الحد الأدنى، وبعضهم ألغى اشتراكه كليا بشبكة "الدولة"، فيما تنادى كثيرون الى الإمتناع عن تسديد الفواتير ما لم تبادر مؤسسة الكهرباء إلى إلغاء رسم الإشتراك أو بدل التأهيل، أو كليهما معا...
لا يختلف اثنان على أحقية رفع الرسوم والضرائب لرفد المالية العامة بمزيد من السيولة، بسبب تنامي أرقام الرواتب والأجور، وارتفاع كلفة تشغيل الدولة. لكن واقع الاقتصاد وحاجة الناس الى التخفيف عن كاهلها، يستدعي ربما من المعنيين بملف الكهرباء، النظر بعين الموضوعية الى مطالب الناس حول فاتورة كهرباء "الدولة"، ليس لإزالة غبن أو ظلم مفترض، فالرسوم واجبة، إنما ربما لتقاسم أثقال "الهمّ" مع المواطنين الموجوعين في شتى حاجاتهم.
ولكن لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال #وليد فياض رأي آخر، إذ يصرّ على أن "ما يدفعه المواطن لكهرباء الدولة هو أقل بكثير من فواتير المولدات". ويقول لـ"النهار" عن شكوى المواطنين من الرسوم الثابتة على فواتير الكهرباء مقابل تغذية لا تتجاوز 4 ساعات، إن "التعرفة التي تتقاضاها المؤسسة اليوم تبقى أقل بنحو 50% مقارنة بما يتقاضاه أصحاب المولدات، خصوصا أن تسعيرة الوزارة تبلغ 10 سنتات أميركية لكل كيلوواط عن استهلاك أول 100 كيلوواط بما يراعي أوضاع المستهلكين لأول 100 كيلوواط".
ويدعو فياض المواطنين إلى "تصغير ساعة عدّادهم من أجل التخفيف من أعباء رسوم العدّاد، أو اللجوء إلى تجميد اشتراكهم لمدة سنتين، وهو أمر لا يؤثر سلبا على ايرادات مؤسسة الكهرباء".
توازياً، أكد فياض متابعة مؤسسة الكهرباء تنفيذ خطة الطوارئ الوطنية لنزع التعديات عن الشبكة الكهربائية بمؤازرة من القوى الأمنية والجيش اللبناني حيث يتم العمل على 216 مخرجاً في المناطق اللبنانية، اضافة الى جباية الفواتير عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول وفق سعر صيرفة بلاس 52320 (43600+20%). بيد أن المخاوف الحقيقية تكمن برأيه في تحويل الفواتير لدى المصرف المركزي إلى العملة الأجنبية وفق سعر "صيرفة" الحالي، أي ما يقارب 90 ألف ليرة (75000+20%)، بما يؤدي إلى تكبد المؤسسة خسائر تصل إلى ما يقارب 40% لناحية الفواتير المجباة والمطبوعة على أساس سعر "صيرفة" المتفق عليه مع "المركزي" (52320)، بما سيعوق عملية تأمين المؤسسة ساعات تغذية إضافية.
الى ذلك، يشير فياض الى متابعة وزارة الطاقة لكل الإجراءات "بما يخدم مصلحة اللبنانيين وسط الإمكانات القصوى المتاحة لديها، مع الإبقاء على الإستثمارات في الطاقة الشمسية"، لافتا الى آلية الأمتار المزدوجة "نت ميتر" التي تتيح لمستهلك الطاقة المتجددة مراقبة الكهرباء التي يستهلكها، ما يسمح له بحسمها لاحقاً من قيمة الفاتورة التي تصدرها مؤسسة الكهرباء.
وشدد فياض على أن الهدف "يكمن في التوصل مستقبلاً الى بناء معامل كهربائية تخدم المواطنين وتريحهم من المولدات الخاصة".
* سلوى بعلبكي
المصدر: "النهار"
تعليقات: