محروقاتٌ بأسعار مجحفة: لا رقابة على التخزين ورسوم الجمارك

لا أحد يضبط بيع المحطات كامل مخزونها (علي علوش)
لا أحد يضبط بيع المحطات كامل مخزونها (علي علوش)


تستهلك أسعار المحروقات جزءاً كبيراً من الرواتب والأجور تحت غطاء كلفة النقل. فضلاً عن كونها ركناً أساسياً من كلفة إنتاج السلع والخدمات. ومع انفلات سعر صرف الدولار وتحرّكه المستمر، عجز المستهلكون عن تأمين المبالغ المطلوبة لتغطية كلفة المحروقات، وعجز أصحاب المحطات عن تأمين الدولارات لشراء كميات إضافية لتغطية حجم الطلب وتفادي الإقفال أو طوابير السيارات. وهو ما شهده لبنان مع بداية أزمته وسوء تطبيق سياسة دعم استيراد المحروقات، والتي شابتها نواقص، منها التأكّد من بيع الشركات المستوردة والموزّعة والمحطّات لكامل مخزونها، وعدم تخزينه لبيعه بسعر أعلى مع ارتفاع سعر الدولار.

حاولت وزارة الطاقة ضبط عملية البيع بأسعار مناسبة للمستهلكين، من خلال جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، لكن من دون جدوى. ومع إصرار المحطّات على إصدار تسعيرة يومية، وتزايدت لتصبح مرّتين يومياً، ما زال المستهلكون يعانون من ارتفاع الكلفة وعدم تناسبها مع الأكلاف الفعلية للاستيراد، مع تأمين هامش ربح عادل للمحطّات.


بيع بلا رقابة

يخضع المواطنون بوصفهم مستهلكين، للأسعار المعلنة في محطات المحروقات، سواء كانت مطابقة لجدول تركيب أسعار المحروقات الصادر عن وزارة الطاقة أم لا. فالخوف من الإقفال المفاجىء أو الإعلان عن انتهاء المخزون، جاهز في أي لحظة.

والأسعار المتحركة سريعاً مع حركة الدولار، فيها من الغبن ما يكفي للقول بأن المواطن يؤمِّن دولارات المحطات والمستوردين والموزّعين. ووزارة الطاقة تتجاوب سريعاً مع تعديل الأسعار قبل التأكُّد من بيع المخزون المشترى بالسعر الأدنى. ويعلّل المستوردون والموزّعون وأصحاب المحطات بيع المخزون السابق بالسعر الأعلى، بحاجتهم لإيرادات تتناسب مع السعر الجديد للدولار. وفي المقابل، يرفض المواطنون تلك الزيادة على سعر مخزون قديم، إذ تحرمهم من حقّهم في تحقيق وِفر مكتسَب بفعل وجود بضاعة غير مباعة. أما بيع المخزون القديم بسعر جديد، فيشجّع على التخزين. وبما أن الرقابة غير فعّالة، لا شيء يمنع التخزين الذي لم يعد يتمّ عبر رفض البيع بشكل علني، وإنما بتقليص ساعات العمل على المحطات مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة. وهذه الخطوة توفِّر للشركات والمحطات كلفة طاقة لمولّدات ضخ المحروقات والتزامات أخرى، كما تحفظ جزءاً كبيراً من المخزون.

وفي هذا الإطار، يعتبر المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، أن "المستهلك يؤمّن رأس المال للشركات بعد رفع الأسعار. وهذا المستهلك متروكٌ لقدره وسط قرار من الحكومة بضمان راحة التجّار وإلقاء الأعباء والتبعات والمسؤوليات على الزبون".

ما يحتاجه المواطن وفق ما يقوله بيضون لـ"المدن"، هو بحث عناصر جدول تركيب الأسعار، وهي ثمن البضاعة، حصة شركة التوزيع، أجرة النقل، عمولة صاحب المحطة والرسوم والضرائب المتوجّبة. وبما أن "كلفة البضاعة محددة وفق سعر صرف معيّن للدولار، على المحطات بيعها بالسعر نفسه إلى حين شراء كميات جديدة تُسَعَّر وفق السعر الجديد، لا بيع القديم بسعر الجديد".


الحاجة لليرات أكثر

لا ينسجم رأي وزير الطاقة وليد فيّاض مع رأي بيضون. فالأوّل يعتبر أن "البائع يحتاج إلى ليرات أكثر" للشراء في المرّة المقبلة، في حال ارتفاع سعر الدولار. "فمعظم الكلفة بالدولار، وصاحب المحطة عندما يبيع حتى منتصف النهار، نصف الكمية المشتراة، فهو يحتاج في النصف الثاني إلى مبلغ أكبر من الليرات لشراء الدولار الذي سيشتريه وفق الأسعار الجديدة المرتفعة". ويضع فيّاض المبالغ المضافة في خانة الحفاظ على رأس المال وليس تحقيق أرباح إضافية.

الحاجة إلى الليرات مفهومة ومبرَّرة لكن لا يتحمّل المواطن مسؤوليّتها، بل السلطة الحاكمة والمسؤولة عن تدهور قيمة العملة. لكن المسألة لا تقف عند هذا الحدّ، فالالتزام بجدول تركيب أسعار المحروقات يتضمَّن أرباحاً صافية لأن الأسعار النهائية للمحروقات تتضمّن الرسوم الجمركية، فيما لا تخضع كل الكميات المستوردة للجمارك. إذ بعضها معفيّ من تلك الرسوم بموجب الاتفاقيات الدولية الموقّعة بين لبنان وبعض الدول. أي أن المواطن يدفع رسماً لم تستوفه الدولة.

شكّلت الرسوم قبل الانهيار مادّة دسمة للنقاش، حسمها المجلس الأعلى للجمارك، حين أرسل رئيسه في العام 2017، العميد المتقاعد نزال خليل، كتاباً إلى وزارة الطاقة، يوضح فيه أن جداول تركيب الأسعار الصادرة عنها "ما زالت تتضمّن الرسم الجمركي على المحروقات السائلة بما فيها تلك المستوردة من بلدان يرتبط معها لبنان باتفاقيات تجارية تعفيها منه". مضيفاً أن "الجمارك لا تستوفي أي رسوم جمركية على إرساليات المحروقات السائلة المستوردة من بلدان يرتبط معها لبنان باتفاقيات تجارية".

وقبل ذلك، أي في العام 2015، وَضَعَ ديوان المحاسبة رأياً استشارياً مبنياً على كتاب مرسل في العام السابق، من المجلس الأعلى للجمارك إلى الوزارة، حول الموضوع عينه. وكان رأي الديوان أن الأسعار الموضوعة على مخزون لم يخضع للرسم الجمركي، يعتبر تحميلاً للمستهلك لقيمة لم تدفعها الشركات المستوردة "مع علمها التام بعناصر جدول تركيب الأسعار". وجاء في كتاب الديوان أن "رسوم البنزين المستورد من بلدان معفية من الضرائب، بموجب اتفاقيات بينها وبين لبنان، يستوفيها التجار من خلال تسعيرة وزير الطاقة ويضعهونها في جيوبهم". ويوضح أن "غاية الإعفاء من الرسم الجمركي التي أوجدتها الاتفاقيات الدولية لصالح المواطن لم تتحقق، وإنما حوّلت ربحاً إضافياً لشركات التوزيع. وذلك يقتضي استرداد المبالغ المحصَّلة لمصلحة الإدارة وإعادة استعمالها في ما يعود بالنفع العام، وذلك بموجب أوامر تحصيل تصدر عن وزارة المالية".

علماً أن وزارة الطاقة يمكنها بسهولة تمييز البنزين المعفى من الجمارك وغير المعفى "من خلال جداول الجمارك التي تحدد كميات البنزين المباعة والتي لم يستوفَ عنها الرسم الجمركي".


لا رقابة على جداول الجمارك، ولا تمييز بين المحروقات المعفاة وغير المعفاة. ولا رقابة على بيع مخزون المحطات بالأسعار المناسبة ومنع التخزين والاحتكار. وبذلك، على المواطن أن يدفع بلا تعليق.

تعليقات: