الشاحنة التي فجّرت المظليين الفرنسيين قبل 40 عاماً.. لماذا أعيد نبش الملف؟!


دخلت فرنسا على الملف اللبناني ضاربة بقوة، بعدما أعادت تذكير اللبنانيين والعالم بتفجير كتيبة المظليين الفرنسيين في منطقة الجناح في بيروت في 23 تشرين الأول 1983، حيث قتل 54 جندياً، واعتُبر الإستهداف الأبرز لهذه الكتيبة التي كانت تنضوي ضمن القوات المتعددة الجنسية، والتي ضمت آنذاك "المارينز" الأميركي والإيطاليين.

والسؤال "شو عدا ما بدا" بعد أربعين عاماً لتحرّك باريس هذا الملف، وهي على دراية تامة منذ التفجير بمن قام بهذا العمل، كما كانت الحال للأميركيين بعد تفجير مقرّ "المارينز" في محيط مطار بيروت؟

مصادر سياسية مطلعة تشير لـ"النهار"، إلى أن فرنسا طلبت من القضاء اللبناني إستجواب شخصين ثمة شبهات حولهما، بمعنى أنهما مَن أدخلا الشاحنة التي اقتحمت مقر المظليين الفرنسيين في منطقة الجناح، القريبة جداً من الضاحية الجنوبية، ولا سيما أن الطلب الفرنسي أُرفِق بالتذكير بالتعاون القضائي بين البلدين في قضايا كثيرة، في إطار تبادل المعلومات، وتسهيل المهام في كليهما، فيما اللافت، تضيف المصادر، أن هذا العمل الإنتحاري ضد الفرنسيين سقط بمرور الزمن بعد أربعين عاماً بالتمام والكمال على حصول هذه العملية، وفق ما نص عليه القضاء اللبناني.

وتتابع المصادر أنه على رغم مرور الزمن على ذلك الإستهداف، ثمة إصرار فرنسي على معرفة من قام ومن خطّط لهذا العمل، كما تصرّ فرنسا على الإقتصاص من مرتكبي جريمة مرفأ بيروت، حيث يصرّ الرئيس إيمانويل ماكرون على إماطة اللثام عن هذا الإنفجار الذي دمّر نصف بيروت، مشيرة إلى أن تحريك هذه القضية انطلق من خلال الآليات القضائية والقانونية، حتى أن بعض الأسماء والجهات التي نفّذت الهجوم الإنتحاري واردة في التحقيقات، وثمة من هو على بيّنة من كل ما أحاط بالعملية المذكورة، وقد يصار إلى إرسال وفد قضائي ـ قانوني إلى بيروت، ومعه الملفات التي تكوّنت حول تفجير المظليين، ما يؤكد أن المتابعة ليست وليدة ظرف معين، بل هناك توسع في التحقيقات إلى أبعد الحدود، وهو ما لفت الأنظار، إنْ من كبار المسؤولين اللبنانيين، وكل من يتابع هذا المسار، باعتباره ليس غبّ الطلب ويحمل دلالات بالجملة، ويؤسّس لمرحلة جديدة من التعاطي الفرنسي مع لبنان، والذي انحصر في محطات كثيرة بالشقين الفرنكوفوني والثقافي، وخصوصية العلاقة التاريخية بين البلدين.

وتردف المصادر انه من خلال القراءة المتأنية لكبار المطلعين على بواطن الأمور، والموقف الفرنسي من الملف اللبناني، ولا سيما في الآونة الأخيرة، فهم يؤكدون بالملموس أن المسألة لا تنحصر بالشاحنة المفخّخة التي اجتاحت مقرّ المظليين الفرنسيين، حيث اهتزّت العاصمة فجراً في ذلك التاريخ نظراً الى قوة الإنفجار، بغية التدمير الكلي لهذا المقرّ، وهنا، وبفعل الصداقات التي تربط بعض النواب المخضرمين مع مسؤولين فرنسيين، ومنهم من هم من الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس ماكرون وأبرز مستشاريه، فإن باريس بدأت في الآونة الأخيرة تعتمد نهجاً وأداءً جديدين تجاه الوضع اللبناني، وما بعد هذا التحوّل ليس كما قبله، بحسب المصادر، ومردّ ذلك انزعاج الإليزيه واستياؤها من المسؤولين اللبنانيين الذين انقلبوا على التعهدات التي التزموها أمام الرئيس الفرنسي أثناء اجتماعه بهم في قصر الصنوبر يوم زار بيروت مرتين إثر تفجير الرابع من آب، وصولاً إلى عدم السير بالإصلاحات وتعطيل معظم الإستحقاقات الدستورية، ولا سيما الإستحقاق الرئاسي، وهذا ما ورد في التقرير الذي رفعه منسّق مؤتمر باريس وأموال "سيدر" السفير بيار دوكان.

أما الطامة الكبرى، والتي كانت بمثابة "الشعرة التي قصمت ظهر البعير"، وأدّت إلى إعادة فتح ملف تفجير مقرّ المظلّيين، هنا، تجزم المصادر أن هناك أكثر من خلفية ومؤشّر سياسي أدّى إلى هذه الخطوة المفاجئة، وفي رسالة مزدوجة لكل من #إيران و"#حزب الله". فعلى الصعيد الإيراني، يُنقل أن تدهوراً دراماتيكياً حصل على خط العلاقة بين باريس وطهران، رغم السياسة الفرنسية التاريخية، وحيث الخاصرة الفرنسية رخوة إزاء "الشيعية السياسية" منذ كان آية الله الخميني في المنفى الباريسي، ومن هناك غادر إلى إيران على طائرة فرنسية، وقاد الثورة التي أنتجت الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وأزاحت شاه إيران رضا بهلوي، ولكن راهناً، ثمة خلاف كبير بين البلدين بسبب ارسال المسيّرات الإيرانية إلى روسيا، الأمر الذي أدى إلى غضب أوروبي وبشكل خاص فرنسي، وبالتالي، انتفى التواصل الفرنسي مع إيران لحلحلة العقد اللبنانية، بعدما تنامى الخلاف بينهما.

وتختم المصادر بأن الخلاف الفرنسي مع إيران، انسحب على "حزب الله" الحليف العقائدي والأيديولوجي لطهران، وتفرملت زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو إلى الضاحية الجنوبية، حيث شهدت في مرحلة معينة زحمة زيارات لسلفها السفير برنار فوشيه. وعَود على بدء، فإن تحريك ملف تفجير الكتيبة الفرنسية، و"نبش" دفاتر الماضي، إنما هو أكثر من رسالة في هذا التوقيت من تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية، إلى ما يجري لبنانياً. والسؤال: هل ينحصر ذلك في هذا الإطار، أم أن مرحلة جديدة على الأبواب، وتصفية حسابات فرنسية مع إيران و"حزب الله"؟

تعليقات: