العسكريون المتقاعدون بانتفاضة عنيفة مفاجئة.. حاولوا اقتحام السراي

شهدت ساحة رياض الصلح مواجهات عنيفة بين العسكريين المتقاعدين وقوة مكافحة الشغب (مصطفى جمال الدين)
شهدت ساحة رياض الصلح مواجهات عنيفة بين العسكريين المتقاعدين وقوة مكافحة الشغب (مصطفى جمال الدين)


في محصلة الانهيار المطرد والمستمر في سعر صرف الليرة اللّبنانيّة مقابل الدولار الأميركي، في السّوق السّوداء وعلى منصة صيرفة الرسمية، معطوفًا على ارتفاع جنوني في أسعار السّلع والأغذية الأساسيّة، وتقاعس وفشل المعنيين في اجتراح الحلول ولو التخفيفية لهذا الانهيار المستفحل... يتأجج الشّارع اللبناني اليوم، بموظفي القطاع العام منه على وجه التخصيص، ويحتقن غضبًا. هذا الغضب الذي ما لبث أن امتد لتصعيد شعبيّ في ساحات التظاهر الدائمة، قابله عنف عناصر الأجهزة الأمنيّة الذين وقفوا وجهًا لوجه، ندًّا لزملائهم المتقاعدين.

فصباح اليوم الأربعاء 22 آذار الجاري، حوالى السّاعة الحادية عشر، نفذت مجموعات متقاعدي قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، تظاهرة احتجاجية حاشدة، بين ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح وأمام السرايا الحكومي. وهذه التظاهرة التّي دعت إليها روابط وجمعيات ومجموعات المتقاعدين، طوال الأسبوع الفائت، حضرها الآلاف من المتقاعدين وذويهم، من مختلف المناطق اللّبنانيّة، فيما اتسمت بطابع تصعيدي عنيف تجلى تباعًا في المشهد الاحتجاجي اليوم.

تظاهرة مطلبية

ومن جملة المطالب التّي نادت بها المجموعات المختلفة، والتّي اشتملت على تحسين ظروف الطبابة والاستشفاء، المنح الدراسية، مستحقات البنزين، وأخيرًا والذي عدّه المتظاهرون أهم المطالب هو خفض سعر صيرفة إلى 28 ألفاً وخمسمئة ليرة بموجب المراسيم الصادرة، وطرديًا تحسين ظروف معيشتهم المتدهورة مع الانهيار الاقتصادي المستفحل، وما تبعه من مهانة اقتصادية واجتماعية طالت هؤلاء الذين "كرسوا حياتهم المهنية بكاملها لدولتهم"، حسب قولهم.

وفيما استهلت التظاهرة بموكب أغانٍ وأهازيج على امتداد ساحة الشهداء، التّي رُكنت فيها مركبات النقل الضخمة التّي جاءت من أقصى الشمال وصولاً للبقاع والجنوب، تبعها مسيرة حاشدة باتجاه ساحة رياض الصلح، بمواكبة إعلامية محلية ودولية كبيرة، وبحضور النائبة بولا يعقوبيان، التّي سرعان ما غادرت استجابةً لمطالب بعض المجموعات التّي رفضت تواجدها معهم في تظاهرتهم، الأمر الذي سرى على النائبة نجاة عون صليبا، التّي تراجعت عن المشاركة في التظاهرة بعد طردها على يدّ عدد من المتقاعدين، الذين رفضوا رفضًا قاطعًا تواجد السّاسة والرسميين فيما بينهم، باعتبار أن مساندتهم تكمن تحت قبة البرلمان لا في الشارع.

وهذا السّلوك العدائي بحقّ النائبتين استنكره عدد لا يُستهان به من المتظاهرين، الذين نددوا بتصرفات زملائهم "الطائشة" وغير المنطقية، حسب ما أكدّ عدد منهم في حديثه لـ"المدن"، فيما أشار أحد الضباط المتقاعدين قائلاً: "هذا السّلوك ينمّ عن جهل ورجعية مقيتة، فالنائبتان حضرتا للمساندة، والشارع لكل الناس، ليس للمتظاهرين فقط. وإن كانت المطالب تُحقق بهذا السّلوك فإن عطبًا كبيرًا يكون في جوهرها. جئنا اليوم لانتزاع حقوقنا لا لأذية المواطنين وأصحاب النيات الحسنة". هذا القول قابله تبرم أحد السّامعين الذي قال لـ"المدن" بما حرفيته: "تروح تعمل ثورة بمجلس نوابها، مش تعمل عراضات ع ضهرنا". وفيما كان واضحًا وجليًّا التباعد في وجهات النظر بين الحاضرين، أدّى لإشكالات عنيفة وتضارب مستمر فيما بينهم، بينما وقفت المجموعات كلٌ على حدة.

مواجهة مع مكافحة الشغب

وبينما زحف جيش المتظاهرين باتجاه السرايا الحكومي بنيّة اقتحامه، متأججين غضبًا من انتشار الأسلاك الشّائكة والمظاهر الأمنية المتفاقمة، وتغاضي السّلطات عن حقوقهم، كانت عناصر مكافحة الشغب معززةً بفرقة للجيش اللبناني جاهزة لصّدهم، وإجبارهم على التراجع، إلا أن المتظاهرين أصروا على مساعيهم، وتجمهروا لفكّ الأسلاك الشائكة، متجاهلين التهديدات التّي أطلقتها العناصر الأمنية، وقاموا بفكّ الأسلاك التّي انتشرت على طول امتداد السّاحة وعلى المداخل الخارجية للسرايا، واقتحموا المدخل الخارجي الذي انتشرت فيه القوى الأمنية، الذين باغتوا المتظاهرين بعصيهم وأدرعهم الحديدية.

وبعد دقائق من النزاع والتضارب بالأيدي، وبعدما رمى عدد من المتظاهرين الحجارة والعبوات البلاستيكية باتجاه السرايا، ما كان من عناصر مكافحة الشغب، إلا أن انهالوا عليهم بوابل من القنابل المسيلة للدموع، والتّي تقدر بالمئات، لحقها كرّ وفرّ. وفي حين أصابت القنابل عددًا كبيرًا من المتظاهرين بجروح بالغة وحالات اختناق، سُجلت بالمقابل عشرات حالات الاختناق لدى عناصر الجيش، الذين لم يتجهزوا مسبقاً للمسيل الخانق على غرار عناصر الأمن الداخلي، إذ وقع بعض الجنود على الأرض مغشيًا عليهم، فيما نقل حوالى الأربعة منهم إلى سيارات الإسعاف. فضلاً عن طفلين رصدتهما "المدن" في حالة هيسترية من الذعر بسبب تعرضهم للمسيل للدموع.

وفيما استمرت المواجهات حوالى نصف سّاعة، امتدت من المدخل الخارجي للسرايا وصولاً لأطراف ساحة رياض الصلح، وتخللها أمطار من القنابل، اشتدت مظاهر العنف التّي طاولت المتظاهرين فضلاً عن الصحافيين والمصورين، فسُجل إصابة حوالى أربعة أشخاص بجروح بالغة جراء القنابل التّي استقرت في عين أحدهم (العميد جميل داغر، حسب ما تداول عدد من المتظاهرين)، وفي رأس آخر، وفي أقدام الباقيين، ونقلوا إلى سيارات إسعاف الصليب الأحمر التّي كانت حاضرة. وفيما انتهت هذه التظاهرة بهدنة بين الطرفين، بعد سلسلة من تبادل الشتائم والإهانات.


وفد رسمي

وفيما صعد وفد رسمي من المحتجين إلى السرايا الحكومي لنقل مطالبهم، حضر المحامي والمرشح على الانتخابات النيابية السّابقة واصف الحركة، للمساندة والتظاهر معهم، الأمر الذي أدى إلى إثارة خلاف لفظيّ، تطور فيما بعد لاشتباك بالأيدي، دام لحوالى السّاعة بينه وبين عدد من المتقاعدين الذين رفضوا تواجده أسوةً بيعقوبيان وصليبا. وبعد أخذٍ وردّ، واحتدام الإشكال بين زملاء وأصدقاء المحامي والمتقاعدين، لم يغادر الحركة، بل وقف إلى جانب المتظاهرين الآخرين، الذي أكدّوا ترحيبهم بحضوره. وفيما امتدت هذه التظاهرة إلى طول محيط السّاحتين مسببةً ازدحاماً مرورياً، وإغلاق عدد من شوارع العاصمة، وتوافد أعداد إضافية من المتظاهرين المستجيبين لدعوة روابط المودعين وشباب من الحزب الشيوعي.. نزل الوفد الذي صرّح بمجريات حديثه مع الرسميين في السراي الحكومي (يُذكر أن خبرًا مفاده اعتقال 4 متظاهرين والذي تمّ تداوله في السّاحة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي هو خبر عارٍ عن الصحة كما أكدّت مصادر "المدن" الأمنيّة).

وانتهت التظاهرة بدعوة المجموعات الحاضرة للتظاهر مجددًا نهار الإثنين المقبل، متوعدين السّلطة الحاكمة، بتصعيد أعنف من سابقه، إن لم يتم تحقيق مطالبهم. وعليه، غادر بعض المتظاهرين فيما لبث بعضهم في السّاحة وسط استنفار أمنيّ مشدد، حتّى لحظة نشر هذا التقرير.

تعليقات: