المساطيح تشتاق الى تين الجنوب


باتت زراعة التين وصناعته في طريق الزوال بعد ان كانت هذه الزراعة تغطي مساحات كبيرة من قرى النبطية والجنوب ومعظم القرى اللبنانية، وتساهم في دعم الاقتصاد الريفي، إن لناحية الاعتماد عليها كغذاء، او لناحية تجفيف ثمارها والاتجار بها داخل لبنان وخارجه.

وقد تعرضت زراعة شجر التين إلى الضمور مرتين المرة الأولى بعد انتشار زراعة التبغ، والثانية بعد انتشار "الروح المدنية" والتخلي عن الزراعة.

وقد تميز التين العاملي (جبل عامل) بنكهة خاصة جعلت له شهرة واسعة في الداخل والخارج، وخاصة عندما ازدهرت تجارة التين مع مصر لعقود طويلة من الزمن. وكانت العائلات في النبطية تحضر لموسم التين ابتداءً من شهر أيار/مايو حيث يبدأ التيانون (من يضمن موسم التين من أصحاب الكروم) بضمان كروم التين، ثم يبدأ الإعداد لموسم القطاف ابتداء من منتصف حزيران/يونيو تقريباً حيث تنشأ الخيم وتعد المساطيح. والمسطاح مساحة دائرية أو مستطيلة حسب وضع الأرض يتم تسييجها بالأشواك حيث تفرش بأنواع من العشب وخاصة الفاقوع والشيح والوزال وسواها. وعندما ينضج التين تبدأ عملية القطاف من منتصف شهر تموز/يوليو تقريباً إلى بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر.

و يروي قاسم قديح ان صناعة وتجفيف التين في موسم الصيف، كانت تعتبر مردوداً مهماً جداً لبعض العائلات التي تنتظر الموسم وتقصد القرى والبلدات لضمان التين. فبعض عائلات النبطية كانت تضمن بساتين التين في منطقة مرجعيون، دبين، الخيام والقليعة.

وأذكر من التجار الناشطين العاملين بتجارة التين المجفف الذي كان يجمع في هذه التلال الخيرة، حسين حجازي، رشيد الحاج علي، ومحمود صباح اللبعاوي.

وعن عملية التصنيع والتوضيب يقول قديح: بعد قطف الثمر الناضج تماماً تفتح الثمرة لتصبح بشكل زهرة، ثم تفرش على نبات بري يسمى الفاقوع، سيقانه طويلة وأوراقه صغيرة وقليلة ما يسمح بمرور الهواء بين التين لتجفيفه بسهولة. وهذا النبات موجود بكثرة في البرية لمدة شهرين تقريباً. وإذا تم التجفيف على غير نبات الفاقوع يتعرض التين للعفن.

وبعد الانتهاء من عملية التجفيف يوضع التين في القفة المصنوعة من سعف النخيل، وكان وزن القفة يتراوح بعد تعبئتها ما بين الـ 4 و 7 كيلوغرامات.

وكانت عملية مقايضة التين بأنواع أخرى من المنتجات كالحبوب أو البيض أو الجوز أو الماشية تتم بين المزارعين او ببيعه في السوق الداخلي المحلي حيث كان يعتبر التين مؤونة الجنوبي حيث تصنع منه المربيات، وكان يصدّر إلى المناطق اللبنانية الأخرى وخاصة إلى شمال لبنان,كما كانت تصدر منه كميات كبيرة الى الخارج لاسيما إلى مصر.

و يذكر محمد فقيه (من مواليد 1939) انه منذ طفولته كان يذهب مع أهله إلى "التتين" وذلك بهدف الكسب لتغطية بعض النفقات السنوية. ويعتبر أن كروم التين على وعيه كانت تمتد على جانبي طريق النبطية إلى آخر عقبة الدوير. ثم كان لزراعة التبغ التي بدأت في الأربعينات ونشطت بعد ذلك، أن دفعت أصحاب كروم التين إلى اقتلاع أشجار التين واستبدالها بزراعة التبغ حيث بدأ التبغ يعطي دخلاً أفضل من زراعة التين.

ومع هذا تلوح في الأفق بارقة أمل في إعادة زراعة كروم التين، ولكن ليس في منطقة التل وجوارها وإنما في منطقة الريحان، حيث قام (ابراهيم أبو ملحم) ابو فارس وهو من المزارعين الناشطين والعاملين في مجال البيئة بتشجيع المزارعين اصحاب الكروم في منطقة الريحان على إعادة زراعة الكروم اليابسة التي ورثوها عن آبائهم بأشجار جديدة. ويبدو أن حملة أبو فارس قد أعطت ثمارها، إذ تم إلى الآن إعادة غرس نحو الف نصبة من أشجار التين.

تين مجفف
تين مجفف


تعليقات: