قيام المحكمة دون توافق داخلي يفتح المجال أمام إفلات القاتل
منذ الدقائق الأولى التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عبّر عدد كبير من السياسيين والإعلاميين عن معرفتهم بالقاتل. وتأسّس حلف سياسي أصبح بعد ذلك ممثّلاً بأكثرية نيابية وحكومية، طالب بتدخّل دولي في محاسبة القتَلة. استجاب مجلس الامن الدولي بإصداره القرار 1595 الذي أُنشئت بموجبه لجنة التحقيق الدولية لكشف هوية القتلة عبر منهجية تحقيق تلتزم معايير العدالة الدولية. لكن الاكثرية النيابية والحلف السياسي الذي تنتمي إليه لم يوليا اهتماماً لمنهجية التحقيق التي بها فقط تُكشف الحقيقة، بل أرادا أن يكون أساس مهمّة التحقيق الدولي هو التأكيد على أن النظام السوري هو الذي اغتال رفيق الحريري. وأعرب العديد من نوّاب الاكثرية النيابية عن تفضيلهم عمل اللجنة برئاسة ديتليف ميليس، الذي كانت تنقصه المهنية والدقّة التي تسمح بإحالة نتائج التحقيقات الى المحكمة (التي يُعمَل على انشائها) كما يُجمع خبراء قانونيون لبنانيون وعرب ودوليون، على عمل اللجنة برئاسة سيرج براميرتس الذي التزم المعايير المهنية عبر التدقيق ببعض الاحتمالات التي تناقض «الحقيقة» التي زعم تحالف الاكثرية معرفتها.
أمس صدر عن مجلس الأمن الدولي قرار يقضي بإنشاء المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. من المفترض أن تكشف المحكمة، بحسب نظامها الداخلي، الحقيقة وتحاسب قتلة الحريري. ولا أحد ينكر أنّ ما قد تتوصّل إليه المحكمة أولى من قيام المحكمة بحدّ ذاتها أي إن قيام المحكمة لا معنى له إذا فشلت في كشف القاتل ومحاسبته. إذاً لا بدّ من إزالة العقبات التي قد تعترض عمل المحكمة عبر خلق المناخ السياسي المناسب لتطبيق الإجراءات القانونية التي تصدر عنها والابتعاد عن الخلط بين المشاكل والصراعات السياسية من جهة ومقتضيات القانون والعدالة من جهة أخرى. التوافق الوطني يؤمّن المناخ المناسب لعمل المحكمة. والعكس صحيح.
إن عدم التنبّه لهذا الأمر يعني تقديم احتمال توظيف المحكمة ذات الطابع الدولي للوصول الى أهداف سياسية واستراتيجية محلية وإقليمية لا تتمحور أساساً حول كشف القتلة الحقيقيين ومحاسبتهم.
لا بدّ من التوقّف عند المشاكل التي سيتعرّض لها عمل المحكمة وأمن البلد عموماً إذا أنشئت المحكمة من دون توافق داخلي لبناني على نظامها الأساسي من جهة ومن دون صيغة يتّفق الأقطاب السياسيون اللبنانيون على أنها دستورية وقانونية من جهة ثانية. إن تلك المشاكل تتلخّص بست نقاط أساسية:
1ـــــ إن إقرار المحكمة بدون توافق داخلي وفي ظلّ التوتّر السياسي والتشنّج المذهبي والطائفي وشبه الفلتان الأمني يثير قلقاً جدّياً على الأمن والاستقرار ويدخل البلد في دائرة الخطر. فليس من المستبعد استغلال جهات خارجية اشتداد التجاذبات الداخلية وعدم قدرة الأجهزة والمؤسسات الامنية على السيطرة بشكل كامل، للقيام بأعمال تزعزع الوضع الامني. فمنذ محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة، توالت الانفجارات والاغتيالات وأعمال الترهيب والتخويف وكان آخرها (حتى موعد كتابة هذا النصّ) في سوق عاليه السياحي، أثبتت القوى الأمنية عجزها عن حماية المواطنين بمن فيهم الوزراء والنواب والسياسيون والاعلاميون. كما أثبتت فشلها في حماية ثُكَنها العسكرية وعناصرها بعد إصابة ثكنة الحلو (مرتين) ومخفر طريق الجديدة وثكنة بربر الخازن وسجن زحلة ومواقع ودوريات عسكرية في الشمال. فكيف يمكنها أن تحمي الناس مع تصاعد التوتّر السياسي الداخلي بعد إقرار المحكمة بدون توافق داخلي عليها؟
2 ـــــ إن إقرار المحكمة دون توافق داخلي يفتح المجال واسعاً أمام التشكيك في مصداقية القرارات والأحكام الصادرة عنها، إذ إن إنشاء الأمم المتّحدة المحكمة بصيغتها الحالية يعدّه الحلف السياسي الذي يشكّل الأكثرية النيابية انتصاراً له وهزيمة لقوى المعارضة. ومن المتوقّع ومن المنطقي ألا تقبل المعارضة بـ«هزيمة» إقرار المحكمة عن طريق الأمم المتّحدة لأنها لم تتمكّن أصلاً من التعبير عن ملاحظاتها على مسودّة نظام المحكمة بسبب تعذّر الأطر الدستورية المناسبة لذلك.
3 ـــــ إن إنشاء المحكمة بموجب قرار دولي وبدون موافقة جزء كبير من المواطنين على صيغتها يوسّع ويعمّق الشرخ بين اللبنانيين، بما يشدّ اهتمام جهات خارجية تسعى الى بلورة دور لها في المنطقة انطلاقاً من لبنان. إذ إن عدم التوافق الداخلي على مسألة وطنية أساسية يوسّع المجال أمام التلاعب الدولي في الشؤون اللبنانية لمصلحة فريق على حساب الفريق الآخر. وفي هذا السياق أثبتت الأشهر الماضية استعداد الحلف السياسي المتمثّل بالاكثرية النيابية والحكومية للقيام بخطوات تساعد على تمديد عدوان خارجي على شعب المقاومة وهو يشكّل جزءاً أساسياً من المجتمع اللبناني وذلك باعتراف الأكثرية. فما الذي يمنع لجوء قوى السلطة الى طلب تدخّل عسكري أجنبي في لبنان كما فعل الرئيس الراحل كميل شمعون وحلفاؤه عام 1958 وخصوصاً أن عدداً من أحفاد شمعون السياسيين هم جزء من تحالف قوى السلطة لا بل إن نهج قوى الاكثرية المعادي لسوريا يشير الى تقارب مع النهج الشمعوني.
4 ـــــ إن إنشاء محكمة ذات طابع دولي أكثرية قضاتها من جنسيات غير لبنانية يؤثّر سلباً على المؤسسات القضائية اللبنانية. فليس في أي دولة في العالم قاضٍ يتقبل بارتياح صيغة تقديم قضاة أجانب على قضاة محليين في قضية وقعت على أراضيها وراح ضحيّتها نائب ورئيس حكومة لبناني. فعدد كبير من القضاة اللبنانيين يتمتعون بمقدار عال من الكفاءة والنزاهة والاستقلالية تخوّلهم ترؤس المحكمة في قضية اغتيال الحريري، إن كانت محلية أو دولية أو ذات طابع دولي وخصوصاً إذا كان مقرّها خارج لبنان. والسؤال الأساسي الذي يُطرح هنا هو لماذا تضمّ معايير اختيار القضاة جنسيتهم ولا تقتصر على النزاهة والكفاءة والاستقلالية؟
5 ـــــ إن إنشاء محكمة ذات طابع دولي في جريمة اغتيال الحريري يثير التساؤل عن سبب عدم قيام محكمة بهذه الاهمية في جرائم اغتيال الشهداء رئيس الجمهورية بشير الجميل ورئيس مجلس الوزراء رشيد كرامي ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي، إضافة إلى قضية اختفاء الإمام موسى الصدر وغيرهم العشرات من الشخصيات اللبنانية التي لم تكن تمثّل بالنسبة إلى اللبنانيين أقلّ مما يمثّله الرئيس الحريري. لا بل لماذا لا تنشأ محكمة بهذه الاهمية لأكثر من مئة ألف لبناني قُتلوا بأيدي الإجرام المحلي والإقليمي والدولي. كأن كل ذلك لا يستحق الاهتمام.
6 ــــ إن إنشاء محكمة ذات طابع دولي في جريمة استهدفت رئيس حكومة لبنانياً حتى دون التحقيق الدولي في الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحقّ اللبنانيين والفلسطينيين عوضاً عن استمرار إسرائيل في خرق قرارات صادرة عن مجلس الأمن، وكذلك الجرائم الأميركية في العراق، يشير الى خلل في نظام العدالة ويثير شكوكاً جدّية.
إن جميع النقاط التي أثيرت تشير إلى بوادر تصاعد الخلافات اللبنانية الداخلية بسبب إقرار المحكمة دولياً دون التوافق عليها. وسيسمح ذلك بتفاقم الامور وربّما بتدهور الوضع الأمني. وستتيح الخلافات بين المواطنين والسياسيين والاحزاب والتيارات المناسبات لإفلات القاتل الحقيقي من المحاسبة عبر اختبائه وراء الشعارات السياسية والمذهبية والوطنية الزائفة أو في زواريب الاشتباكات وخلف الدخان الأسود الذي يتصاعد من مخيّم أو دواليب أو سيارات أو مبانٍ تحترق.
قرار مجلس الأمن رقم 1757 القاضي بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة
أصدر مجلس الأمن، ليل أمس، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، القرار (1757)، المتعلق بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان لمحاكمة المتورّطين باغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم المتصلة، على أن يصبح نافذاً ابتداءً من 10 حزيران المقبل ما لم تقدّم الحكومة إخطاراًً إلى الأمين العام للأمم المتحدة قبل هذا التاريخ
إن مجلس الأمن،
إذ يشير الى جميع قراراته السابقة ذات الصلة، ولا سيما القرارات 1595 (2005) المؤرخ 7 نيسان/أبريل 2005 و 1636 (2005) المؤرخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2005 و1644 (2005) المؤرخ 15 كانون الأول/ ديسمبر 2005، و 1664 (2006) المؤرخ 29 آذار/ مارس 2006 و1748 (2007) المؤرخ 27 آذار/ مارس 2007،
وإذ يؤكد من جديد أنه يدين أشد الإدانة عملية التفجير الإرهابية التي وقعت في 14 شباط/ فبراير 2005، وكذلك جميع الهجمات الأخرى التي وقعت في لبنان منذ تشرين الأول، أكتوبر 2004،
وإذ يكرر تأكيد دعوته الى الاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان،
وإذ يشير الى الرسالة المؤرخة 13 كانون الأول/ ديسمبر 2005 (S/2005/783) الموجهة الى الأمين العام من رئيس وزراء لبنان، والتي يطلب فيها، في جملة أمور، إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية والى طلب مجلس الأمن الى الأمين العام أن يتفاوض مع الحكومة اللبنانية بشأن اتفاق يرمي الى إنشاء هذه المحكمة استناداً الى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية.
وإذ يشير أيضاً الى تقرير الأمين العام عن إنشاء محكمة خاصة للبنان المؤرخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 (S/2006/893) الذي يبلغ عن اختتام المفاوضات والمشاورات التي جرت في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير 2006 وأيلول/ سبتمبر 2006 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك وفي لاهاي وبيروت ين المستشار القانوني للأمم المتحدة وممثلين مأذون لهم من الحكومة اللبنانية، والى الرسالة المؤرخة 21 تشرين الثاني/ نوفمبر (2006 S/2006/911) الموجّهة من رئيسه الى الأمين العام التي يخبره فيها بترحيب أعضاء المجلس باختتام المفاوضات وبارتياحهم للاتفاق المرفق بذلك التقرير،
وإذ يشير الى أنه، وكما هو مبين في رسالته المؤرخة 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، في حال عدم كفاية التبرعات لتنفيذ المحكمة لولايتها، يقوم الأمين العام ومجلس الأمن بالبحث عن وسائل بديلة لتمويل المحكمة،
واذ يشير أيضاً الى أن الاتفاق المبرم بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء محكمة خاصة للبنان قد وقّعته الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة على التوالي في 23 كانون الثاني/ يناير و6 شباط/ فبراير 2007،
وإذ يشير الى الرسالة الموجهة الى الأمين العام للأمم المتحدة من رئيس وزراء لبنان (S/2007281) التي أشار فيها الى أن الأغلبية البرلمانية أعربت عن تأييدها للمحكمة وطلب فيها أن يعرض طلبه بإنشاء المحكمة الخاصة على المجلس على سبيل الاستعجال،
وإدراكاً منه لما يطالب به الشعب اللبناني من تحديد هوية جميع المسؤولين عن التفجير الإرهابي الذي أدى الى مقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وآخرين، وتقديمهم الى العدالة،
وإذ يشيد بالأمين العام على ما يبذله من جهود متواصلة، الى جانب الحكومة اللبنانية، للقيام بالإجراءات الأخيرة من أجل إبرام الاتفاق على النحو المطلوب في رسالة رئيسه المؤرخة 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، وإذ يشير في هذا الصدد، الى الإحاطة التي قدمها المستشار القانوني في 2 أيار/ مايو 2007 والتي لاحظ فيها أن إنشاء المحكمة عن طريق العملية الدستورية يواجه عقبات جدية، لكنه لاحظ أيضاً أن جميع الأطراف المعنية جدّدت تأكيد اتفاقها المبدئي على إنشاء المحكمة،
وإذ يشيد أيضاً بالجهود الذي بذلتها مؤخراً أطراف في المنطقة لتجاوز هذه العقبات،
ورغبة منه في الاستمرار في مساعدة لبنان في البحث عن الحقيقة ومحاسبة جميع المتورطين في هذا العمل الإرهابي على جريمتهم، واذ يؤكد من جديد تصميمه على مساعدة لبنان في جهوده الرامية الى تقديم مرتكبي هذا الاغتيال وغيره من الاغتيالات ومنظميها ورعاتها الى العدالة،
وإذ يؤكد من جديد تصميمه على أن هذا العمل الإرهابي والآثار المترتبة عليه يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين،
1 ـ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويقرر:
(أ) أن يبدأ سريان أحكام الوثيقة المرفقة المتعلقة بإنشاء محكمة خاصة للبنان، بما في ذلك الضميمة الملحقة بها، اعتباراً من 10 حزيران/ يونيو 2007، ما لم تقدم حكومة لبنان قبل ذلك التاريخ إخطاراً بموجب المادة 19 (1) من الوثيقة المرفقة.
(ب) أنه إذا أبلغ الأمين العام أن اتفاق المقرّ لم يبرم على النحو المتوخى في المادة 8 من الوثيقة المرفقة، فإنه يحدد موقع مقر المحكمة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية ويكون ذلك رهناً بإبرام اتفاق مقر بين الأمم المتحدة والدولة التي تستضيف المحكمة،
(ج) أنه إذا أبلغ الأمين العام عن عدم كفاية مساهمات الحكومة اللنبانية لتحمل النفقات المبينة في المادة 5 (ب) من الوثيقة المرفقة، فإنه يجوز له قبول تبرعات من الدول الأعضاء لتغطية أي نقص،
2 ـ يشير الى أنه، عملاً بالمادة 19 (2) من الوثيقة المرفقة، تبدأ المحكمة الخاصة عملها في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع حكومة لبنان، مع مراعاة التقدم المحرز في أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
3 ـ يطلب الى الأمين العام أن يتخذ، بتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الاقتضاء، الإجراءات والتدابير اللازمة لإنشاء المحكمة الخاصة في موعد قريب وأن يقدم تقريراً الى المجلس عن تنفيذ هذا القرار في غضون 90 يوماً وبعد ذلك بشكل دوري،
4 ـ يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي.
تعليقات: