انهارت الدولة وفقُر اللبنانيون.. هيا ننتقم من اللاجئين!

89% من أسر اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر المدقع (الأرشيف، لوسي بارسخيان)
89% من أسر اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر المدقع (الأرشيف، لوسي بارسخيان)


قليلون هم المحتجّون أو الممتعضون من الحملة العنصريّة الافتراضيّة، التّي كان في صدارتها تصريحات محافظ بعلبك-الهرمل، بشير خضر، على مدار الأسبوعين الماضيين.. ونقصد بالقليلين هم من غالبًا ومجدّدًا يدافعون عن الشعب السّوري اليتيم والمتشظي في شتات الأرض، لإنسانيتهم المحض، وسط فضاء هائل من التعبئة العنصرية والشحن التحريضي، الافتراضي وعلى أرض الواقع. على غرار ما جُيش من آلاف الحملات العنصريّة وحوادث العنف (التّي من الصعب إحصاؤها) في السنوات الأخيرة، والتّي كرّست نهجًا جديدًا من الخبث وانتهاك الحقوق الملازم لنزوع شعبي نحو تهجير اللاجئ السّوري مجددًا. وما تبعها من حملات أمنيّة وإعلامية وقانونيّة ورسميّة، لتمكين هذه المساعي.

فمنذ عام 2011 ومع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين هربًا من النظام السّوري إلى لبنان، عبر المعابر الشرعية أو خلسةً، وملف اللجوء السّوري يؤرق لبنان الرسمي والشعبي في آنٍ واحد، باستحالته ورقة ابتزاز دائمة للمجتمع الدوليّ وشماعة يمدّها المعنيون عند المساءلة. فيما كان الفيصل في النزاعات المستحدثة بين الأحزاب المتوالفة والمتناحرة على حدٍّ سواء، والطوائف التّي جعلت الاصطفاف الطائفي، أولويّة كما عادتها.


حملات عنصرية

فغداة نشر خضر منذ نحو الأسبوع، تغريدة على تويتر مذيلةً بفيديو له يقول فيه "أنا محافظ وظيفتي هي أعلى وظيفة إدارية بالدولة، إلا أن راتبي أقلّ مما يحصل عليه النازح السّوري في لبنان".. في ردّه على منسق مخيمات "النازحين" في عرسال الذي طالب بزيادة التقديمات "للنازحين" محمّلاً المحافظ مسؤولية أوضاعهم الصعبة ومطالبًا إياه بالعمل على تحسينها.. انهالت على مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات التّي عبّرت عن تضامنها وتشجيعها لكلام أول المسؤولين الإداريين في الدولة اللبنانيّة، الذي بحدّ قولهم أماط اللثام عن أزمة مسكوت عنها منذ سنوات.

لتعود وتتبنى وسائل إعلام عدّة هذه التصريحات، ويُقام على إثرها تداول لمقطع فيديو نشرته جريدة "النهار" يظهر حوار بين لاجئ سوري ورئيس بلدية القاع، بشير مطر، يطلب فيه اللاجئ من رئيس البلدية نقل خيمه الثلاث إلى داخل البلدة، مستطردًا أنّه أنجب من "نسائه الثلاث 16 طفلاً، ولا يعاني مشكلة أمنية في بلاده، ويتقاضى من مفوضية اللاجئين 16 مليون ليرة شهرياً، ويقيم في لبنان لأن بلاده تفتقر الى فرص العمل".

وبالرغم من أن الفيديو يُظهر جليًّا، تحضيرًا مسبقًا له، بين طاقم العمل ورئيس البلدية، إلا أنّه لاقى رواجًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مقرونًا بغضب شعبيّ واسع ضدّ اللاجئين السّوريين، خصوصًا بعدما تبنته قنوات تلفزة مختلفة وصحف إخبارية عدّة، والتّي تناولت الملف من زاوية منحازة مع السّلطة اللبنانية ضدّ اللاجئ الذي "تبجح علانيةً بزيجاته الثلاث والأموال التّي يتلقاها من المفوضية". وقد أدّت التصريحات التّي وصفت بالعنصريّة والمواد الإخبارية المنشورة والمتداولة في الفضاء الاجتماعي اللبناني والتأييد السّياسيّ اللاحق لها، إلى نشوب سجال وتراشق اتهامات بين المؤيدين والمعارضين لها إجمالاً.


واقع اللاجئين في لبنان

وفي حين هيمن مناخ عام ونزعة شعبية لمقارعة اللاجئين الذين يتلقون المساعدات الدوليّة والأموال بالفريش دولار بينما يعجز غالبية اللبنانيين عن تأمين ضروريات العيش، هيمن بالمقابل جوّ من تضليل الحقائق والمبالغة بالأرقام والإحصاءات، الأمر الذي يُفسر الغضب الشعبي الحالي. بينما واقع اللاجئين اليوم بعيد كل البُعد عن الادعاءات التّي يبثها البعض. إذ أن غالبية اللاجئين المتواجدين على الأراضي اللبنانية اليوم مستبعدون من برامج الأمم المتحدة والجمعيات للمساعدة والإغاثة، أو يواجهون صعوبة في الاستحصال على المساعدات الإنسانية منذ حوالى العامين. بسبب عجز البرامج على الحصول على التمويل اللازم، ما أدى إلى تقليصها.

ذلك فضلاً عن قرار مفوضية شؤون اللاجئين بوقف المساعدات النقدية و/أو الغذائية الشهرية عن قرابة 35 ألف أسرة سورية لاجئة في لبنان، بعد إصدارها تقارير عدّة أعربت فيها عن قلقها على أوضاع اللاجئين في لبنان. فيما خلص تقييم أجرته المفوضية منذ قرابة السنتين لأوجه الضعف لعام 2020 حول اللاجئين السوريين إلى أن 89% من أسر اللاجئين السوريين في لبنان كانوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وهو ارتفع من 55% في منتصف عام 2019. هذا فيما وجد العديد من اللاجئين أنفسهم مضطرين لاتباع آليات سلبية من أجل التكيف مثل تخفيض عدد الوجبات، وإخراج أطفالهم من المدارس، وعمالة الأطفال، والمديونية، ومحاولات الهجرة غير الشرعية -بدافع من اليأس- عن طريق البحر إلى قبرص. كما تعرض العديد من اللاجئين للطرد من منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار. هذا الواقع الذي ينطبق على ملف تعليم اللاجئين السّوريين الذي كان محور السّجالات التربوية والتعليمية في غضون السّنة الماضية، من بروز شرط الدمج وصولاً لتعنيف الطلاب اللاجئين في المدارس، ورفض الوزير فضلاً عن الأساتذة والمعلمات تعليمهم أسوةً باللبنانيين، بالرغم من تلقيهم المال اللازم لذلك، وسط التقارير التّي أكدّت أن الأجيال اللاجئة اليوم في خطر الأمية والتسرب الدراسي وعمالة الأطفال. كما أكدّت مصادر في اليونيسف "للمدن".


مسؤولية السّلطة اللبنانية

وبينما كانت حجة المناوئين للجوء السّوري في لبنان هو مزاحمة اللاجئين مواطني لبنان على العمل، والتسبب ببطالتهم، إلا أن حقيقة استغلال السّلطة اللبنانية بسياساتها الاقتصادية الترقيعية لهؤلاء اللاجئين لسنوات بفوارق الأجور والعمالة "الرخيصة" وخصوصاً في القطاعات الأساسية كالزراعة والصناعة، تبرهن أن المسؤولين اليوم يتوارون خلف تضليلهم الإعلامي وخطاباتهم العنصرية لتبرير أزمات اللبنانيين الاقتصادية وهدرهم المال العام ونهبهم للمساعدات الدوليّة، التّي قُدمت للاجئين على مدى سنوات. ذلك وناهيك عن تهربها عن توقيع أي اتفاقية أو معاهدة دوليّة، للاعتراف بهم كلاجئين، معتمدةً تسميتهم بالنازحين، تملصًا من مسؤوليتها.

ففي تحقيق أجرته وكالة "رويترز"، اتهمت الأخيرة، البنوك اللبنانية بابتلاع ما لا يقل عن 250 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية الأممية المخصصة للاجئين في البلاد، منذ قرابة العامين، فيما أكدّ في التحقيق، مسؤول عن المساعدات الأممية، ودبلوماسيان، أن ما يتراوح بين ثلث إلى نصف المساعدات المالية التي قدمتها الأمم المتحدة إلى لبنان "ابتلعتها البنوك منذ بدء الأزمة في 2019". وورد في وثيقة اطلعت عليها "رويترز" أنه بحلول تموز 2020، فقدت نسبة تبلغ 50% من المساعدات المخصصة للبنان في البنوك خلال عمليات التصريف من الدولار إلى الليرة اللبنانية".


تبني الخطاب السّياسيّ

أما المفاجئ في الحملة العنصرية الأخيرة، فكان انضمام الأطراف التّي كانت في السّابق تقارع الخطاب العنصري تجاه اللاجئين، من وسائل إعلام محليّة وآراء قانونية وسياسيّة، لتتبنى خطاب التيار الوطني الحرّ نفسه منذ بداية توافد اللاجئين إلى لبنان. الخطاب الذي اتسم بتطرفه لنبذ كُل ما له علاقة باللاجئين ومحاربتهم وتنغيص تواجدهم في لبنان ومضاعفة نكباتهم. خطاب الكراهية صار تقريباً معمماً على غالبية المجتمع اللبناني، وحتى في أوساط الجماعات التي تجاهر بعدائها للنظام السّوري.

وفيما تقدر الحكومة اللبنانية عدد من تستضيفهم بحوالى مليون ونصف مليون لاجئ، لا يبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سوى نحو 839 ألف لاجئ مسجل حتى تاريخ آذار 2022. وانبثقت الكثير من المخاوف تجاه حقيقة وجود هذه العدد الهائل من اللاجئين، وتبعات هذا اللجوء على البنى التحتية المهترئة من جهة، وخطر التوطين من جهة أخرى. كما سعت السّلطة اللبنانية بكامل أجهزتها السّياسيّة والأمنيّة والإعلاميّة، في حثّ السوريين وتشجيعهم على العودة، مروجةً ومتبنيةً الخطة الروسية المجحفة بحق اللاجئين (وهي عبارة عن خطة أولية للتحضيرات اللوجستية لتأمين العودة للسوريين إلى بلادهم، أُعلنت ما بعد قمّة هلسنكي عام 2018). على خلاف سائر دول اللجوء. وبعد اتضاح فشلها الذريع، عمدت السلطات اللبنانية للعب ورقتها الأخيرة في ابتزاز المجتمع الدوليّ لوضع آليات عاجلة وفورية لإعادة اللاجئين إلى "المناطق المحرّرة والآمنة"، لشحذ المزيد من المال الدولي والمساعدات، فضلاً عن تضييقها على اللاجئين في لبنان، لتحميلهم على العودة "الطوعية" قسرًا.


العودة الطوعية

وفيما تستأنف الحكومة اللبنانية محاولات إعادة جزء من هؤلاء اللاجئين إلى الأراضي السّورية وسط قلق حقوقيّ وامتعاض دوليّ وتبرم المنظمات الدوليّة، التّي أعربت عن توجسها من هذه الخطة، التّي كان قد أطلقها وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين في تموز الماضي لإعادة حوالى 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهرًيا، مستندًا في ذلك إلى أن سوريا أصبحت آمنة إلى حدٍّ كبير بعد أكثر من عقد على نشوب الحرب، لم تتضمن الخطة أي دور للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تصرّ على أن الظروف في سوريا لا تسمح بعودة اللاجئين على نطاق واسع. والتّي أكدّت عليها تقارير منظمة "هيومن رايتس واتش"، التّي أشارت إلى كم الاعتداءات والجرائم التّي يتعرض لها العائدون إلى مقصلة نظام الأسد.

على أي حال، فيما يُحمّل ساسة لبنان وشعبه، مسؤولية انهيار الدولة وفقدان مواردها، للاجئين السّوريين يتناسى هؤلاء المحرضون، أن لدولتهم فضلاً كبيرًا في تهجير السوريين، عبر تدخل أحد أحزابها في الحرب إلى جانب النظام، وهو حزب له كتلته ونفوذه الوازن برلمانيًا وعدد لا يُستهان به وزاريًا، والحليف الأساس لرئيس الجمهورية السّابق. أما بخصوص راتب المحافظ وغيرة بعض اللبنانيين مما يتلقاه اللاجئ، فهذا يُسأل فيه من جعل اللبنانيين يتمنون أن يعاملوا معاملة "نازح" أو "لاجئ".

تعليقات: