الانتخابات البلدية سراب: التمديد أو العودة إلى زمن الحرب

ثمة اقتراحات لعقد جلسة تشريعية لتأجيل الانتخابات يؤمن نصابها التيار الوطني الحر (خليل حسن)
ثمة اقتراحات لعقد جلسة تشريعية لتأجيل الانتخابات يؤمن نصابها التيار الوطني الحر (خليل حسن)


مع انتهاء ولاية المجالس البلدية المددة في 31 أيار المقبل، يعود لبنان إلى زمن الحرب الأهلية فعلياً، عندما كان القائمقامون يقومون بدور البلديات، أو عندما كانت تستمر البلديات بتصريف الأعمال بقانون مؤجل يقر لاحقاً، فيما المختارون يستمرون بتصريف الأعمال. هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً في حال لم يعقد المجلس النيابي جلسة تشريعية، ويؤجل الانتخابات ويمدد للمجالس البلدية والاختيارية لمدة سنة.


دعوة الهيئات الناخبة

وزير الداخلية بسام المولوي سيدعو الهيئات الناخبة لانتخاب المجلس البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع في الثالث من نسيان. إذ من المفترض أن تجري الانتخابات في هاتين المحافظتين في السابع من أيار. وتباعاً سيتم دعوة الهيئات الناخبة في باقي المحافظات لإجراء الانتخابات قبل نهاية شهر أيار وانتهاء ولاية البلديات. لكن وزير الداخلية يريد من هذا الإجراء رفع المسؤولية عن وزارته فحسب. فهو يعلم أن لا أموال ولا موظفين لإجراء الانتخابات، تقول مصادر مطلعة. حتى أنه لم يجتمع بالمحافظين والقائمقامين لمعرفة مدى استعدادهم لإجراء الانتخابات، تقول مصادر هؤلاء لـ"المدن".

رغم إضراب القطاع العام وعدم حضور الموظفين إلى الإدارات وعدم تجاوب الوزرات المعنية بالانتخابات لدعوات وزارة الداخلية، لتأمين القضاة لتشكيل لجان القيد، ولا وزارة التربية لتأمين موظفين ورؤساء أقلام، ولا وزارة المالية لتأمين كلفة الانتخابات، المولوي ماض في دعوة الهيئات الناخبة. وتقول المصادر إن دعوة الهيئات الناخبة هدفها وضع الجميع أمام مسؤولياتهم. فقد جرت العادة في لبنان أن تكون دعوة الهيئات الناخبة بهدفين: إما إجراء الانتخابات أو فتح الباب لتأجيلها، من خلال الضغط على القوى السياسية لإقرار قانون التمديد للمجالس الحالية.


كلفة الانتخابات

حددت وزارة الداخلية كلفة الانتخابات بـ12 مليون دولار. أمنت الدول المانحة (الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) ثلاثة ملايين دولار، وغطت من خلالها كلفة الحبر السري والعوازل الانتخابية والقرطاسية واللوجستيات. وبقي أمام وزارة الداخلية تأمين المبالغ الأخرى لبدلات الموظفين والقضاة والقوى الأمنية ونقل صناديق الاقتراع وتأمين الكهرباء. لكن مشكلة وزارة الداخلية في دعوة الهيئات الناخبة ليس بأن رسم الترشح للانتخابات هو فقط 500 ألف ليرة، وكان يفترض تعديل القانون لتعديل الرسم، بل أن فتح باب الترشح في 11 نيسان يعني تهافت المواطنين إلى الترشح بأربعة دولارات. وهذا سيكون في وقت لا يوجد موظفون لتلقي طلبات الترشح، وفي وقت جميع المحافظات والقائمقاميات مقفلة، وتسيير شؤون المواطنين فيها يقتصر على يوم عمل واحد في الأسبوع، تقول المصادر.


قضم بدل الأتعاب

ووفق مصادر المحافظين، لم يسأل وزير الداخلية عن التحديات التي سيواجهونها، ولا أخذ برأيهم لمعرفة إمكانياتهم لإجراء الانتخابات. فعندما جرت الانتخابات النيابية كانت هناك صعوبات كبيرة في إجرائها، وكان سعر الدولار نحو 27 ألف ليرة. بينما اليوم سعر الدولار متفلت، في وقت يجب على المحافظين تأمين الكهرباء أقله، قبل الحديث عن الجهاز البشري لإجراء الانتخابات.

وتلفت المصادر إلى أن وزارة الداخلية حددت بدل اتعاب رؤساء الأقلام بنحو ثمانية ملايين ليرة، تسحب على سعر صيرفة. وعندما حدد المبلغ كانت صيرفة بنحو 40 ألفاً، أي بما يعادل 200 دولار لرئيس القلم. لكن ارتفاع سعر صيرفة قضم هذا المبلغ إلى أقل من مئة دولار قبل الذهاب إلى الانتخابات. علماً أن مستحقات الانتخابات النيابية السابقة تأخرت. وعندما قبضها الموظفون كان سعر صرف الدولار قد ارتفع وقضمها. ما دفع الموظفين إلى عدم تسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة.


تبادل أدوار للتمديد

المعوقات على المستوى اللوجستي كبيرة، والقوى السياسية تكابر في تأجيل الانتخابات، التي تحتاج إلى جلسة تشريعية. فالقوى المسيحية ترفض عقد جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وباقي القوى السياسية لا تريد أخذ التمديد على عاتقها منفردة.

وفي التفاصيل، ثمة اقتراح في اللجان النيابية المشتركة قدمه نائب حركة أمل علي حسن خليل لتأمين سلفة بـ1500 مليار لإجراء الانتخابات. ووفق المصادر، هذا الاقتراح يأتي في إطار تبادل الأدوار بين القوى السياسية لتأجيل الانتخابات. فهذا المبلغ المطلوب صرفه على سعر مئة ألف ليرة من مصرف لبنان يساوي 15 مليون دولار، في وقت كلفة الانتخابات التي حددتها الداخلية هي 12 مليون دولار، وتأمّن منها ثلاثة ملايين دولار من الدول المانحة. وبالتالي، الهدف منه القول إن الثنائي الشيعي يريد إجراء الانتخابات، مثلما هي حال القوى المسيحية التي ترفض عقد جلسة تشريعية وتحمل مسؤولية "تطيير الانتخابات".

وتضيف المصادر أن تبادل الأدوار هدفه إطالة موعد عقد جلسة تشريعية لتأجيل الانتخابات إلى موعد يسبق انتهاء ولاية المجالس البلدية، لعدم إبطال القانون في المجلس الدستوري، في حال تقدم عشرة نواب بطعن.


حشر المجلس الدستوري

بمعنى آخر، تبادل الأدوار هدفه حشر المجلس الدستوري. الأخير كرس سوابق في لبنان برفض التمديد لصالح تكريس مبدأ دورية الانتخابات وحق الاقتراع. لكنه يضطر أمام نفاد المهل تبدية مبدأ تسيير المرفق العام. ففي حال تأجلت الجلسة التشريعية وأقر قانون التمديد في موعد يتزامن مع انتهاء ولاية البلديات وبدء مفاعيل التمديد باستمرار المجالس البلدية الحالية، قبل تقديم الطعن أمام المجلس الدستوري، سيكون الأخير أمام معضلة قبول الطعن وتكريس الفراغ على مستوى المجالس البلدية. أو عليه قبول الطعن بالشكل والقبول بالتمديد للمجالس البلدية أيضاً. هذا السيناريو عاشه المجلس الدستوري عندما رفض التمديد للمجلس النيابي في العام 2014، لكنه لم يلغ قانون التمديد. قرر حينها عدم إبطال قانون التمديد لصالح تسيير المرفق العام، وعدم حدوث فراغ في المجلس النيابي، في وقت كان الفراغ قائماً في رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية. وحالياً سيتكرر السيناريو، أي يقبل المجلس الطعن بالشكل ويرفض التمديد، لكن من دون إبطال قانون التمديد لعدم احداث فراغ في المجالس البلدية.

مصادر نيابية تؤكد أن ثمة اقتراحات بعقد جلسة تشريعية توضع على جدول أعمالها القوانين المعجلة، على أن يكون البند الأول تأجيل الانتخابات البلدية، والبند الثاني طباعة عملة المليون ليرة. وفي ظل رفض القوى المسيحية لعقد جلسات تشريعية، يؤمن نواب التيار الوطني الحر النصاب على أن يتم التصويت للبندين الأولين ويصار بعدها إلى فض النصاب. من جانبها، أكدت مصادر التيار الوطني الحر أن موقف التيار واضح. ففي ظل عدم وجود رئيس جمهورية لا يمكن عقد جلسات تشريعية إلا إذا كانت لضرورة الفعلية. وبالتالي، التيار منفتح لدرس أي اقتراح يصب في خانة الضرورة الفعلية، لكن يجب معرفة جدول أعمال الجلسة وما هو مدرج عليها.

تعليقات: