السرقات تشمل أحيانًا وثائق ومستندات وبيانات (عباس سلمان)
بلغ انهيار القطاع التربوي الرسمي، والذي يهدد مستقبل آلاف الطلاب المحرومين من التعلم، درجة غير مسبوقة من الانحلال والانفلات. وفيما يواصل الأساتذة إضرابهم المفتوح للمطالبة بأبسط حقوقهم المعيشية، مع بلوغ البحث عن تسويات وحلول مع وزارة التربية والحكومة مرحلة انسداد الأفق، تبلغت "المدن"، بشكاوى ومعلومات حول عمليات سرقة مروعة تشهدها أبنية عدد من المدارس الرسمية.
ورغم كل التبليغات التي تصل إلى القوى الأمنية والمناطق التربوية، وتاليًا إلى وزارة التربية حولها، فإن الملف رغم خطورته يستمر تمييعه والسكوت عنه والتعامل معه باستخفاف كبير، على حد ما يقول لـ"المدن" مدير إحدى المدارس الرسمية في لبنان، متحفظًا عن كشف هويته.
سرقات البداوي
وتوصلت "المدن" إلى معلومات عن سرقات كبيرة تشهدها منذ أشهر عدة مدارس رسمية في طرابلس، وأكثرها في مدارس رسمية تقع في منطقة البداوي.
ويكشف مسؤول في إحدى هذه المدارس عن نوعية السرقات التي شهدتها مدرسته، وقدرت قيمة الموجودات المسروقة مؤخرًا بأكثر من 10 آلاف دولار خلال فترة وجيزة.
وقبل أزمة إضراب المدارس، كانت السرقات تقتصر على فترات العطل الصيفية أو خلال العطل الفصلية ونهاية الأسبوع. أما الظاهرة المستجدة، فهي الوتيرة التصاعدية لعمليات السطو واقتحام المدارس لسرقة موجوداتها ومحتوياتها في مرات متكررة ومتزامنة، من دون إلقاء القبض على أحد من الجناة أو ملاحقة مطلوبين بالقضية.
هذا ما يحصل في إحدى المدارس الرسمية الكبيرة في البداوي، ويبدو أن السارقين يمتلكون معدات متطورة في خلع الأبواب الحديدية الضخمة. وحسب معلومات موثوقة، يفيد مصدر رسمي "المدن"، أن إحدى مدارس البداوي تكاد لا تتوقف فيها عمليات السرقة، ولم يبق إلا القليل من موجوداتها التي يصعب سرقتها بفعل ضخامتها ووزنها، كالأبواب والمكاتب والطاولات. ويفيد أن هذه المدرسة الرسمية التي تقع في سقي البداوي، لم يترك السارقون فيها شيئًا، من لمبات وبطاريات وبروجكتور ومراوح وكل مستلزمات القرطاسية وطباشير وأوراق وأكثر من 12 كمبيوتراً، وحتى الجرسين الوحيدين بالمدرسة تمت سرقتهما. وحدث ذلك في عمليات سطو متكررة، ومن بداية العام فقط شهدت المدرسة عينها أكثر من 6 سرقات، التي تطال أيضًا الكابلات الكهربائية والأشرطة وكل ما يمكن خلعه من الأبواب والطاولات والمكاتب مع جرات غاز ومدفآت.
لا ملاحقات!
ومع كل عملية سرقة، تذهب مديرة المدرسة المذكورة لتقديم بلاغ إلى القوى الأمنية، فيأتي رد الأخيرة: لم تجدوا حلًا بعد لسرقة مدرستكم؟ وسابقًا حين جرى سرقة 12 كمبيوتراً من المدرسة، كانت مقدمة من منظمة USAID، قدمت المديرة بلاغًا بالأرقام التسلسلية للأجهزة من أجل تتبعها. كذلك لم تحصل أي نتائج بالملاحقة المطلوبة.
وفي العام الماضي، جرى سرقة غالونات من المعقمات ممهورة بعبارة "غير مخصصة للبيع"، ثم بلغت إحدى المستخدمات عن عثورها على بعضها في أحد المحال في البداوي يقوم ببيعها لعامة الناس.
وتقدر قيمة مسروقات هذه المدرسة بما لا يقل عن 10 آلاف دولار أيضا، من دون احتساب قيمة الكمبيوترات. وما تفعله عادة مديرتها، وفق معلومات "المدن"، أنها تذهب لتقديم بلاغ فوري لدى القوى الأمنية عن السرقة، ثم ترسل كتابًا إلى المنطقة التربوية وترفقها بصورة عن المحضر لإرساله إلى وزارة التربية، وسبق أن أرسلت كتابًا إلى مقر المحافظة في الشمال، من دون أي تطور بالملاحقة الأمنية على الأرض.
كما أن معظم المدارس التي تتعرض ممتلكاتها للسرقة، وفق المعلومات، أول ما يقوم به السارقون سرقة الكاميرات ونزعها، وما يتبقى منها لا يسجل شيئًا نتيجة الانقطاع المستمر للكهرباء.
الوزارة تعلم وتتجاهل؟
في هذا الوقت، يؤكد مصدر تربوي في وزارة التربية، أن الحوادث المذكورة والتي تتبلغ بها الوزارة، نموذج فقط عن عشرات حوادث السرقات التي تشهدها المدارس الرسمية مؤخرًا في لبنان.
وهذا الواقع، أثار استياء الجهات المانحة التي تعمل على تقديم الدعم اللوجستي للمدارس الرسمية في لبنان. ومثلًا، ضمن مشروع "كتابي" الممول من USAID (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) تم سابقا بالتنسيق مع اليونسيف تقديم صندوق قرطاسية لكل طالب يضم بعض الأقلام والدفاتر واللوازم الأخرى، بعد تسليمها لإدارة المدرسة، تفاجأ أحد المراقبين ببيع عينات منها في أحد المحال التجارية بضواحي بيروت.
وللتذكير شهد آب الماضي عملية سرقة كبيرة تعرض لها المركز التربوي للبحوث والإنماء، وطالت نحو 20 بطارية تستخدم لتشريج الـ UPS، و12 حاسوبًا، ومساحيق تنظيف، مع ألواح ألمنيوم من مبنى المعهد المهني التابع للمركز. ورغم تبليغ القوى الأمنية، لم يتم حتى الآن ملاحقة أو كشف أسماء المتسببين بهذه العملية.
ويعتبر مراقبون أن الاستباحة التي تتعرض لها مباني المدارس الرسمية والمراكز التربوية، وإن كانت تحصل حوادث مماثلة في دوائر رسمية أخرى، فهي شديدة الخطورة. خصوصًا مع تداول معطيات على أن السرقات تشمل أحيانًا وثائق ومستندات وبيانات، ما يزيد الشكوك حول هوية السارقين الذين يتاجرون بالموجودات المنهوبة. ويعبر مدراء عن استيائهم من القوى الأمنية، معتبرين أنها تكتفي بتسجيل التبليغات من دون تحرك جدي على الأرض لملاحقة الجناة، وهو ما يضاعف الشكوك والاستغراب في الأوساط التربوية.
تعليقات: