رمضان والبحر ينأيان بكرمهما عن صيّادي صيدا


تنهمك أيدي الصيادين على رصيف ميناء صيدا، بإعادة حياكة شباك الصيد تبديداً للفراغ؛ «لكأن الناس في أيام رمضان يعقدون هدنة مع السمك فلا يأكلونه، أما البحر فلا أحد يفهم «ماله»، يحبس الرزق ويغضّ الطرف عن نهم النفاخات»؟ عتب الصياد محمد رنّو يدلي به بهدوء بعيداً عن الصخب والانفعال، «فكرم رمضان ينأى عنا؛ لأن الناس يبتعدون عن أكل السمك». أما لماذا هذ الموقف الرمضاني «العدائي» من السمك؟ فيعزوه إلى أن «الصائمين يحذرون تناول السمك المقلي كي لا يعطشوا؛ مع العلم بأن السمك المشوي لا يصيب بالظمأ». تنعكس القطيعة خاصة على «السمك الشعبي: كالسردين، فنحرم من بيعه». أما الأصناف الغالية الثمن «فنبيعها في السوق (الميري) بالرخص، ليصرّفها صاحب السوق بمعرفته. لكن، حتى صاحب الميري لا يتحكم بسعر السمك، بسبب تراجع الطلب في مطاعم العاصمة».

لكن اللافت أن موقف الصيادين لا يتميز عن موقف الصائمين «أنا صياد، لا أتناول السمك أكثر من مرة أو اثنتين في شهر رمضان، صار الأمر عادة: مقاطعة أكل السمك عند حلول الشهر» يقول رنو.

ويجمع الصيادون على أن البحر هو الآخر تراجع رزقه هذه الأيام «يا سبحان الله؟»؛ ويؤكد رنو أن «أكثر من نصف الصيادين باتوا لا يسرحون، فقد لا يعوّضون تكلفتهم، بسبب ابتعاد السمك عن الحوض القريب». ويضيف رنو «حصلت معي حادثة لم أر مثيلها منذ عام 1982 حينما نزلت للمرة الأولى إلى البحر مع والدي؛ فقد أبحرت منذ أيام ورميت شباكاً من عيار (7 صناديق) وعندما رفعته شلت منه أكثر من 200 عطل، وهو الذي تبلغ تكلفته أكثر من ألف دولار». يسكت هنيهة ويردف «إنها السمكة النفيخة البيضاء المرقطة بالأسود، هي التي تغزو بحرنا بكثرة هذه الأيام، وتأكل الرزق حتى من داخل الشبك بعدما تمزّقه وتقطعه».

ويؤكد الصياد محمد بيضاوي أن نحو 60 صياداً «يخرجون اليوم إلى الصيد، مقارنة بـ160 من أصل 200 صياد كانوا يخرجون في السابق». ويضيف الرجل «الشغل تراجع منذ مطلع رمضان، نداري مصروفنا اليومي لأننا ننفق أكثر مما يمكن أن نسترزق بكثير». ويشير إلى أن سعر السمك «تراجع كثيراً بتراجع الطلب، فالكيلوغرام الواحد من سمك السلطان إبراهيم الذي كنا نبيعه بخمسين ألف ليرة، صار اليوم بثلاثين ألفاً، والملّيفة صار بـ15 ألف بدلاً من 30؛ ورطل الجربيدي كان 40 ألفاً ونبيعه بنصف السعر». ويختم الرجل بالقول «البحري هو اللي أكلها ، فصاحب الميري يشتري بشروطه، وتنكة المازوت بنحو 35 ألف ليرة».

يرخي المساء هدوءه على ميناء صيّادي صيدا، ويأفل صخب نور الشمس خلف المراكب التي اعتراها الصمت هي الأخرى، وخصوصاً المراكب السياحية منها، التي تراجع عملها منذ مطلع شهر الصيام، بسبب توقف رواد «الزيرة» عن قصدها للسباحة المتنافية مع شروط الصوم؛ لذلك ينتظر أكثر من سبعين مركباً هلال زائر أو سائح يدفع ببعض الرزق الذي حرمهم منه هلال الشهر الكريم.

الديناميت ولا «الشنشيلي»

وبما أن المصائب لا تأتي إلا جماعة، يهمس الصيادون وهم يشيرون إلى مركب يطلقون عليه اسم «الشنشيلي» متوقف في عرض الميناء. «هذه بتشيل كل شي من البحر، وربما هي السبب في تراجع كمية السمك في محيطنا، إنها أخطر من الديناميت، إذ تطلق أضواءها الصاخبة ليلاً فيجمد السمك قبالتها وتجرف شباكها الضيقة جداً كل صغيرة أو كبيرة». في البحر بين صيدا والزهراني، وصولاً إلى الصرفند أكثر من 60 «شنشيلي» تخرج من دون حسيب أو رقيب «فهي ممنوعة منعاً باتاً، لكنْ من يمنعها والسياسيون في البلد هم حماة أصحابها؟». يتساءل الصياد محمد بيضاوي.

تعليقات: