حاول العسكريون المتقاعدون اقتحام مصرف لبنان (مصطفى جمال الدين)
استئنافًا لسلسلة التظاهرات الاحتجاجية، التّي تنظمها مجموعات وروابط متقاعدي القوى العسكرية والأمنية بمختلف أجهزتها، فضلاً عن متقاعدي الجيش اللبناني، نفذت هذه الروابط صباح اليوم الخميس 30 آذار الجاري، اعتصامًا حاشدًا ولو بأعداد أقلّ من التظاهرة السّابقة التّي أقيمت الأربعاء الماضي، من أمام السراي الحكومي. واتسمت التظاهرة هذه بطابع تصعيدي، وتأجج واضح للخلافات بين الأفرقاء، أدّت لانقسام المتظاهرين وتنازعهم على الخطاب المطروح والمطالب المُنادى بها.
وفيما استهلت التظاهرة التّي انطلقت حوالى السّاعة الحادية عشر من صباح اليوم، بالمناشدات والخُطَب التّي انطوت بمعظمها على مطلب تحسين الرواتب واستنكارًا لارتفاع دولار منصة "صيرفة"، بما لا يراعي الوعود الحكومية، فضلاً عن المراسيم الصادرة عنها. سرعان ما سلك المتظاهرون المحتجون على تردي أوضاعهم المعيشية، مسلك التصعيد العنيف، ذلك في حضور أمنيّ واسع ومكثف، حيث انتشرت عناصر مكافحة الشغب وقطعات الجيش، في محيط ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء، منذ بواكير الصباح وبأعداد ضخمة، لصدّ أي محاولة لتكرار مشاهد التظاهرة السابقة.
اعتصام مؤجل
وهذا الاعتصام أمام السراي الحكومي والذي كان مقررًا إقامته منذ الإثنين الماضي الواقع في 27 آذار، بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء، التّي كانت مقررة للبحث في زيادات الرواتب للقطاع العام ومتقاعديه، وأُرجأت بسبب الخلاف على التوقيت الصيفيّ، كما ذكر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في بيان التأجيل. وعليه، أقيمت اليوم التظاهرة التّي دعا إليها كل من "حراك العسكريين المتقاعدين" و"تنسيقية الدفاع عن حقوق العسكريين المتقاعدين"، فضلاً عن مجموعات عدّة، فيما امتنعت عدّة مجموعات عن المشاركة في التظاهرة هذه، معبرةً عن رفضها لحصر المطالب بتحسين الرواتب.
وفي هذا السّياق، يُشير المؤهل أول المتقاعد شفيع الأيوبي، في حديثه لـ"المدن" عن أسباب امتناعه ومجموعة الرتباء التّي يترأسها عن الحضور قائلاً: "نحن نسعى لتحقيق مطالب بنيوية لا مؤقتة، أهمها الاستحصال على مستحقاتنا في الطبابة والتعليم ومستحقات البنزين التّي حُرمنا منها. ولا نكتفي بجرعات الصيرفة المؤقتة، والتّي لا تضمن لنا المعيشة اللائقة التّي نطالب بها. ولا نرتهن أو نمشي وراء الضباط الحاصلين على حقوقهم، الذين يقودون هذه التظاهرات التّي لا تراعي مطالبنا، بل يسيسونها، ويجعلونها في معرض التفاوض، لا الفرض. وهذا ما لا نقبله". وفي سؤاله عن سبب الخلافات أجاب الأيوبي: "أإ هذه الخلافات التّي تحصل في السّاحة، تنمّ عن فوقية بعض المجموعات التّي تعتبر تحسين ظروفها الاقتصادية محصور فيها، غالبيتهم من الضباط المؤتمرين لزعمائهم وأسيادهم. نحن رتباء أحرار، ونعمل منذ زمن طويل على استحصال حقوقنا".
هذا فيما كان قد أعلن "حراك العسكريين المتقاعدين" في 28 آذار الجاري في بيان الدعوة للاعتصام، "أنه وبنتيجة اللقاءات والمشاورات، أجمع العسكريون المتقاعدون ومعهم متقاعدو روابط القطاع العام كافةً، على رفض مشروع وزارة المال لزيادة الأجور رفضًا قاطعًا، بسبب التمييز الفاقع بين القطاعات الوظيفيّة والأسلاك العسكريّة والأمنيّة من جهة، والفارق الهائل بين الزيادة المقترحة لموظفي الخدمة وتلك المقترحة للمتقاعدين من جهة أخرى". داعيًا "المتقاعدين على البقاء في جهوزية تامة للتحرك والتصدي بكل الوسائل المتاحة لمحاولات السّلطة الجائرة الخروج عن القانون، والالتفاف على حقوق المتقاعدين والتهرب من مسؤولياتها تجاههم..".
تصعيد احتجاجي
وقد أدانت "تنسيقية الدفاع عن حقوق العسكريين المتقاعدين" في بيانها الصادر بالتزامن مع بيان الحراك "التهرب من المسؤولية والعشوائية التّي يسير بها مجلس الوزراء بعمله"، محذرةً رئيس المجلس من مغبة عدم إدراج موضوع رواتب القطاع العام ومتقاعديه وعدم إقراره في الجلسة التّي عُقدت الثلاثاء. فيما اعتبرت أن أي تلاعب بمصائر الناس وعدم إقرار الحقوق كما هي، سيكون مفتاح شرّ كبير تكون قضية الساعة وتداعياتها نقطة في بحره. وحملت مسؤولية تداعياته للحكومة.
ونادى الحاضرون بتحسين ظروفهم المعيشية التّي انحدرت نحو مستوى الفاقة والعوز، وأكدوّا على حاجتهم الملّحة لتعديل سعر صيرفة بما يقتضيه المرسوم الصادر في هذا السّياق آنفًا. وهذا التعديل الذي من شأنه انتشالهم من المأساة التّي يعيشونها، فضلاً عن مطلب الحصول على 85 بالمئة من زيادات الرواتب التّي يحصل عليها عسكريو الخدمة الفعلية. مطلقين الأهازيج والشعارات المطلبية. ونتيجة الجوّ المشحون والنفس التصعيدي الذي أحاط بالحاضرين، حاول رهط منهم اقتحام المداخل الخارجية للسرايا أسوةً بالمرة الفائتة، متجاوزين الأسلاك الشائكة المنتشرة على طول هذه المداخل. فبادرتهم العناصر الأمنيّة بالصدّ فورًا، فيما لم تُلحظ مشاهد الممارسات العنيفة التّي وقعت سابقًا.
وبعدها، مشت مجموعات من المتظاهرين الغاضبين باتجاه مصرف لبنان أول شارع الحمراء، فيما بقيت مجموعات بأعداد متضائلة متجمهرة أمام السراي الحكومي. وبوصول المتظاهرين إلى محيط المصرف، في مسيرة حاشدة ومواكب سيارات، وقف المتظاهرون أمام المصرف وحاولوا اقتحامه، عبر تسلق الجدران التّي تحيطه، ورمي الحجارة، ومجابهة العناصر التّي طوقت محيط المصرف، باستقدام تعزيزات أمنيّة. ورفع المتظاهرون أصواتهم بالهتافات المنددة لسياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية. معتبرين أنّه السبب في تردي أوضاعهم المعيشية، هاتفين "حرامي، حرامي، رياض سلامة حرامي". مطالبين بخفض قيمة الدولار على منصة صيرفة.
وبينما حاولت القوى الأمنيّة صدّهم، تمكن بعضهم من اجتيازها والوقوف على الجران الفاصلة ما بين الشارع العمومي وحرم المصرف. هذا فيما حضرت بعض مجموعات متقاعدي القطاع العام من أساتذة وموظفين إداريين وغيرهم. وبعد ساعات طويلة من الاحتجاج، بدأت أعداد المتظاهرين بالتضاؤل. فيما دعا منسقو التظاهرة المتقاعدين لاستئناف سلسلة اعتصاماتهم لحين تحقيق المطالب.
لعل تضاؤل الأعداد بين التظاهرة الفائتة والحالية، ينمّ فعليًّا على تدهور في قدرات هؤلاء المحتجين من الناحية العملية والمالية عن مواكبة اعتصاماتهم. وفي ظلّ التسويف والتحامل الذي انتهجته المنظومة السّياسيّة في معالجة هذا الملف الحيويّ والبنيوي، بدل المعالجة الفعلية غير التلفيقية، تستمر السّلطة بإهمال مطالب هؤلاء، الذين باتوا في صدد التصعيد العنيف رافعين سقف المطالب، فضلاً عن أساليب التعبير عنها. هؤلاء الذين يعانون معاناة عساكر الخدمة الفعلية وأكثر، فيما لا يجرؤ غالبية الأخيرين على الاحتجاج، بل يغرقون بصمت في دوامة العجز والشلل والتفقير.
تعليقات: