بيع مقتنيات المنازل.. ظاهرة وليست حالات فرديّة!


لم تتردّد فاطمة في الإعلان عن بيع ماكينة الخياطة التي تملكها، وهي من نوع «سينجر»، عبر مجموعة على تطبيق «واتسآب» أطلق عليها اسم «بازار» أنشئت في بلدتها والقرى المجاورة. ربّة المنزل، وزوجة مؤهل متقاعد في قوى الأمن الداخلي، ووالدة لأربعة أولاد، لا تأسف على بيع الماكينة التي كانت هدية لها من والدتها، التي ورثتها أيضاً عن أمها: «أكيد أشعر ببعض الأسى في داخلي لأني أبيع شيئاً له مكانته في قلبي، حتى زوجي باع جفت الصيد الذي ورثه عن والده، لكن كما يقولون للضرورة أحكام، ولو لم نكن مضطرين لما كنا بعنا شيئاً. حتى دراجات أولادنا الهوائية بعناها».

ما تفعله عائلة فاطمة لم يعد حالة فردية، إذ لم يعد هناك ترف لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، فكيف بالفقراء الذين أسقط في يدهم ولم يعودوا قادرين على الاستمرار طويلاً في العيش الكريم وسط الانهيار الحاصل على مختلف المستويات. بات كثيرون قاب قوسين أو أدنى من إعلان الجوع، ما دفع عائلات كثيرة في منطقة البقاع إلى اللجوء إلى بيع كلّ ما يمكن بيعه في المنزل والعمل. ثمة كماليات، وحتى أساسيات، في كلّ منزل دقّت ساعة الاستغناء عنها ببيعها أو المقايضة عليها، بهدف البقاء «على قيد العيش.. والحياة».


مجموعات افتراضية للبيع

سيارات، دراجات نارية وهوائية، ماكينات خياطة وإنترنت، أبواب خشبية وحديدية، خزانات مياه بلاستيكية وحديدية، كمبيوترات، برادي، بنادق صيد، طاولات وكراسي قازان مياه، وجاقات مازوت أو حطب، قطع تراثية من مسابح وسيوف وخناجر.. تطول اللائحة بحسب كلّ منزل ومقتنياته. لا فرق بين أغراض لها مكانة معنوية أو قيمة مادية، فالجميع يعرض مقتنياته للبيع على صفحات التواصل الاجتماعي بالاعتماد على «الفايسبوك» في نطاق يشمل منطقة بأكملها أو مناطق عدة، أو عبر مجموعات واتسآب استحدثت في بلدة واحدة أو بلدات متجاورة وقريبة جغرافياً لسهولة البيع والشراء.

حسين. ز. باع «محدلة» سطح منزل أهله الترابي القديم، بالإضافة إلى مسبحتين وبندقية صيد قديمتين «لتوفير السيولة المالية بين أيدينا، لأن الراتب لم يعد يكفينا ثمن مازوت للتدفئة وأكلنا وشربنا». طريقة العرض والبيع بسيطة، إذ يكفي أن يعلن الشخص عن مقتنياته التي ينوي بيعها، مع وضع سعر لها على مجموعات «الواتسآب» حتى تبدأ الاتصالات بين من هو بحاجه إليها، وفي مقدمهم تجار القطع المستعملة الذين ينشطون في هذه الفترة، وبين أصحاب تلك المقتنيات، فتبدأ المساومة عليها لينتهي الأمر بشرائها أو العدول عنها.


دُفعت عائلات كثيرة إلى بيع كلّ ما يمكن بيعه من أثاث أو قطع موجودة في البيوت


من العوز إلى التجارة؟

يرى حسين الساحلي، صاحب صفحة «الهرملاني» على «الفايسبوك»، أن بيع المقتنيات المنزلية أصبح «ظاهرة اجتماعية» يلجأ إليها البعض لتأمين سيولة مالية بين أيديهم، ويشدد على أن «هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على بعلبك الهرمل أو البقاع، وإنما طالت المناطق اللبنانية بأكملها».

محمد الزعبي، ابن مدينة طرابلس وصاحب مجموعة «واتسآب» تُعنى ببيع الأغراض المنزلية الجديدة والمستعملة، ووصل مشتركوها إلى البقاع وسائر المناطق اللبنانية، أوضح لـ«الأخبار» أن الفكرة بدأت لديه «بعدما ضاقت بنا سبل العيش، فلجأنا إلى بيع أغراض بيتنا، ولكن الفكرة تطورت بعدما وجدت فيها سبيلاً للتجارة والربح، إذ تعرّفت عبر عمليات البيع على مواقع التواصل الاجتماعي على تجّار أغراض مستعملة وأصبحت أشتري منها وأبيع عبر مجموعتي، بالإضافة إلى بيع ما تعرضه العائلات وبأسعار متنوعة».

في عرسال، تطوّر الأمر إلى افتتاح محالّ تجارية تعنى بشراء المعدات والأدوات الكهربائية والخرضوات على أنواعها، فضلاً عن الأبواب الخشبية والحديدية والأثريات والأنتيكا بسائر أنواعها. ويؤكد محمد الحجيري لـ«الأخبار» أن العراسلة والسوريين استحدثوا مجموعات بيع وشراء للمقتنيات المنزلية على اختلافها، لتتطوّر الأمور إلى افتتاح ثمانية محالّ تجارية، 4 منها للعراسلة و4 للسوريين، وجميع أصحابها يعتمدون على عمليات «البازار» التي تحصل بين القاطنين داخل البلدة في ما بينهم، وبين من يقصد عرسال من أجل شراء ما يتم عرضه على صفحات التواصل الاجتماعي، مستطرداً: «لم يجبرنا على مرارة بيع أغراض بيوتنا إلا ما هو أمرّ من قساوة المعيشة والصمود للبقاء أحياء».


تعليقات: