ما هو حاصل في قضاء الزهراني سرقة موصوفة لأملاك الدولة. ولم تعد القضية تقتصر على تشييد أحد السكان هنا أو هناك منزلاً على مشاعات تم وضع اليد عليها سابقاً، بل سرقة المشاعات باتت لغايات تجارية، حيث يصار إلى تشييد وحدات سكنية لأغراض تجارية، يقول مواطنون في تلك القرى الجنوبية، لـ"المدن".
رشى انتخابية وسيطرة دائمة
ثمة أمر عمليات لقضم ما تبقى من مشاعات الدولة في قضاء الزهراني، في ظل الفوضى الحالية، وتكريس واقع مشابه لمنطقتي الأوزاعي وبئر حسن، حيث تحولت الأراضي لأملاك خاصة بعد وضع اليد عليها، خلال وبعد الحرب الأهلية، يقول السكان.
ويشرح السكان أنه بعد وضع اليد على المشاعات سابقاً، من خلال استغلالها لغايات زراعية أو تجارية، يتم حالياً جرفها وبيعها أو تشييد وحدات سكنية عليها وبيعها. وساعد المعتدين على أملاك الدولة حال الفوضى في البلد من ناحية، وإطلاق اليد تمهيداً للرشى الانتخابية، قبيل الانتخابات البلدية في حال حصلت. وبالتالي يستفيد المعتدون مرتين: من يشيد بيته بلا رخص يقوم بتسوية وضعه لاحقاً، ومن يضع يده على المشاعات تصبح له نهائياً مع مرور الزمن، وتسوية الوضع مع البلديات بأبخس الأثمان، كما يقول السكان.
"هجمة" على المشاعات
والفوضى لا تقتصر على سرقة المشاعات، بل يتم استغلال حال الفوضى واقتراب موعد الانتخابات البلدية، لتشييد طوابق ثانية وثالثة من دون رخصة من التنظيم المدني، طالما أن رخصة البلدية لا تجيز إلا تشييد طابق واحد ولغايات استصلاح الأراضي. وما كان الأمر يحصل فيما لو لم تطلق "قوى الأمر الواقع" يد جماعاتها والسماح لها بالتعدي على المشاعات، تترجم نفوذاً وأصواتاً في حال حصلت الانتخابات البلدية، يقول أحد سكان تفاحتا، حيث اعتدى "الأهالي" على القوى الأمنية منذ نحو أسبوع.
والتعديات في تفاحتا تتم في منطقتي وادي الخشب وحي الجوار. وصحيح أن التعدي على المشاعات كان كبيراً قبل عودة الانتخابات البلدية بعد الحرب الأهلية، في العام 1998، لكنه تراجع تباعاً مع عودة المجالس البلدية، يقول المصدر. إلا أن ما هو حاصل منذ نحو شهرين لم يسبق له مثيل منذ أكثر من 25 عاماً. فهناك "هجمة" على المشاعات، ليس في تفاحتا وحدها، بل في جميع القرى المجاورة مثل عدلون والصرفند وأنصارية والبيسارية والعاقبية والخرايب والزرارية. وهي تعديات مدبرة لأن المعتدين يعلمون أنه عاجلاً أم آجلاً سيصار إلى إجراء تسوية وتصبح الأراضي والعقارات ملكاً لهم.
الاستعانة بالأهالي
ويقول أحد سكان تفاحتا: جرت محاولات من بعض عقلاء القرية لمنع التعدي على المشاعات، في مقابل محاولة عقد تسوية بين أبناء القرية والبلدية، لمنح من لا يملكون أراضي والمعوزين مساحات صغيرة لبناء مأوى لهم. بمعنى أن تقوم البلدية بحل أزمة المواطنين الذين لا يملكون أراضي. لكنها فشلت. ليتبين أن أصحاب النفوذ والمال والعقارات الطائلة، والذين يملكون آليات كبيرة، يعتدون على المشاعات ويقومون بجرفها وتسويتها وبيع الصخور، ومن ثم بيعها لسكان القرية والقرى المجاورة.
وأضاف أن المعتدين يستعينون بـ"الأهالي" لقطع الطرق بالصخور والإطارات المشتعلة لصد القوى الأمنية. فمؤخراً جرت ثلاث محاولات لتسطير القوى الأمنية محاضر ضبط، فتم الاعتداء عليهم وذلك بعد إطلاق نار بالهواء من القوى الأمنية، لصد هجمات "الأهالي" بالحجارة والعصي.
بناء وحدات سكنية
في الزرارية، منذ نحو شهر ونصف الشهر، بدأت حركة إعمار لافتة، يقول أحد السكان. ويضيف بأن الأمر لم يعد يقتصر على بناء على أراضي مشاعات تم الاستيلاء عليها سابقاً، أو أن يقوم أحدهم ببناء منزل بلا ترخيص لأبنه المسافر، كي يكسبه في ظل الفوَضى الحالية. بل هناك تجار يبنون وحدات سكنية مثلما هو حاصل في منطقة الحمرا في البلدة. والأخطر أن البناء لا يتم لدواعٍ سكنية، أي التعدي على مشاع لتشييد مأوى، بل ثمة تعديات على الطرق العامة حيث يشيدون المحال التجارية. وأسوة بباقي المناطق، يسيطر المعتدون على المشاعات ويجرفونها ويبيعونها للغير، كما لو أنها باتت ملكهم الخاص، طالما أنهم واثقون بأنهم سيتمكنون من تسوية وضعها لاحقاً.
ويضيف أحد السكان أن القوى الأمنية لا قدرة لها على فعل أي شيء. وجل ما تقوم به هو واجباتها بتسطير محضر ضبط في حال سُمح لها بذلك. وكدليل على أن الأمور كلها مدبّرة، يشرح أنه في جميع القرى حيث التعديات، تم تشكيل مجموعات من شبان يراقبون حركة القوى الأمنية. ففي حال أتت لتسطير مخالفة، يتم تطويقها من جميع الجهات، من خلال إقفال الطرق بالصخور. وحينها تفهم القوى الأمنية أن عليها التراجع.
ويسخر أحد سكان المنطقة من الفوضى الحالية بتشبيه مجموعات الشبان التي تحرس التعدي على المشاعات بأنها باتت بمثابة "حرس أهلي" لصد "اعتداء" القوى الأمنية. فهم مجموعات منظمة وتقوم بدور متقن للإبلاغ عن أي تحرك من قبل مخافر الدرك.
أراضٍ مشاع مفرزة
في الخرايب، على ما يقول أحد السكان، تم تشييد أكثر من مئتي وحدة سكنية بلا أي رخصة خلال الشهرين الأخيرين، ليصار إلى تسوية وضعها لاحقاً. وسبق أن سطا سكان على المشاعات واستثمروها وعادوا واشتروها من البلدية، وباتت مفرزة وجرى قوننتها. وهذه حال مناطق عدلون وانصارية واللوبيا والزرارية، التي باتت ذائعة الصيت، بين سكان القرى، يقول.
أما في الصرفند فلا داعي للتعدي على ما تبقى من مشاعات، يقول أحد القاطنين، طالما أنها باتت ملكاً خاصاً منذ سنوات. فالتعديات في الصرفند تختلف عن باقي المناطق، لأنها تتم على الأملاك الخاصة. أي ما هو حاصل هو تشييد عقارات بلا رخص على الملك الخاص، في استغلال واضح للفوضى، وكرشى انتخابية في حال حصلت الانتخابات البلدية. فالتعديات على المشاعات كانت سابقاً، وهي قديمة. حتى أن مشاعات الطريق الساحلي والأملاك البحرية باتت ملكاً خاصاً، بعدما تم السطو عليها منذ السبعينات. ليس هذا فحسب، فالتعديات طالت منطقة مكب النفايات حيث شيدت نحو خمسين عائلة مساكنها، هناك وسط النفايات وروائحها. لكن الخوف من وضع اليد النهائي على المشاعات الخضراء المتبقية في خراج البلدة، يقول.
ذرائع واهية
رؤساء البلديات يعلنون عجزهم، وأنه لا قدرة لهم على منع التعديات. ويبلغون الذين يراجعون البلدية بأن القوى الأمنية المسلحة عاجزة عن منعهم، ما يعني أن البلديات لا تستطيع القيام بدور تعجز عنه أجهزة الدولة. لكن هذا الكلام يعتبره السكان المعترضون على التعديات ذرائع واهية. فالبلديات موزعة بين طرفي الثنائي الشيعي، ومن يعتدي على المشاعات من "جماعة" الثنائي الشيعي، وجلهم من المتمولين الذين يجرفون المشاعات ويبيعونها بحكم الأمر الواقع. ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر بالبعض حد الاتفاق مع الراغبين بشراء قطعة أرض على تحديد أي منطقة وأي قطعة أرض يرغبون بها، ويصار بعدها إلى جرفها تمهيدها للبيع.
أما رسمياً فجل ما حصل هو عقد وزير الداخلية بسام المولوي اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي الأسبوع الفائت، عقب الاعتداء على القوى الأمنية في تفاحتا. وقال بعده: "جاهزون لقمع مخالفات البناء ومنعها ولا يمكن لأحد أن يتذرّع بغطاء، فلن يكون هناك أي غطاء سياسي أو أمني من أجل التعدّي على الأملاك العامة"!
تعليقات: