أرزاق اللبنانيين مهدّدة.. الأهالي يعانون من تداعيات عدم تنظيم سوق عمل النازحين السوريين


بلغت المزاحمة مستويات غير مسبوقة بين أهالي بعلبك والنازحين على أساسيات كسب العيش وفرص العمل، تزامناً مع غياب الإدارة السليمة لأزمة النزوح السوري منذ بدايتها، وفتات الأموال التي يضخها المجتمع الدولي لمعالجة البنية التحتية وقطاعات الخدمات للبلديات المحلية بحسب عدد من رؤساء بلديات #بعلبك الهرمل.

قطاع العمل غير المنظم يسيطر عليه النازحون السوريون في بعلبك - الهرمل، حيث يعمل 90 في المئة منهم بدون عقد عمل قانوني، و30 في المئة منهم يعملون في أعمال موسمية أو يومية، بحسب مصدر أمني لـ"النهار".

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جميع إجراءات دخول وإقامة النازحين السوريين في لبنان تستند إلى القوانين والتعليمات المحلية، نظراً إلى أن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو بروتوكولها لعام 1967، تالياً لا يمكن تطبيق قانون اللاجئين على النازحين السوريين وفقاً للقانون الدولي، من هنا لا يمكن التغاضي عن فشل الجهات المعنية في توفير فرص عمل للنازحين دون المساس باليد العاملة اللبنانية بشكل عام وفي بعلبك بشكل خاص، فنافست اليد العاملة السورية النازحة اليد العاملة اللبنانية في القطاع الخاص، وعملت في المجالات المسموح وغير المسموح بها وفق قانون العمل، حتى إن بعض السوريين عمدوا إلى فتح مشاريع لأنفسهم وتوفير فرص عمل لسوريين نازحين آخرين بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي يتلقونها.

يعمل النازحون في بعلبك - الهرمل في الاقتصاد غير الرسمي، والاختباء في قطاعي التجارة والسياحة غير المشروعة في ظل التراخي في تنظيم وتطبيق قانون العمل من قبل المعنيين وفق المصدر نفسه.

محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر في تصريح لـ"النهار" رأى أن أزمة العمالة السورية النازحة تطال لبنان كله، وليس فقط محافظة بعلبك - الهرمل، وهي من أكبر الأزمات التي تشهدها المحافظة، حيث بدأ الأهالي ينظرون إلى الأمر من منظور مختلف. في البداية تم التعامل معها على أنها قضية إنسانية، لكن السوريين جعلوا وجودهم لتطوير العجلة الاقتصادية في المنطقة لصالحهم، بالتنافس مع اللبنانيين الذين أجبروا على إغلاق مصدر رزقهم، فيما يحصل النازحون على إعانات دولية تساعدهم على كسب أقل وفتح مشاريع تجارية منافسة وأكبر من تلك الخاصة باللبنانيين".

وأوضح ان عملية ضبط الأمر، عملية معقدة وصعبة، وفي غالبية الحالات هناك تواطؤ بين اللبناني والنازح السوري، بمعنى أن السوري عندما يتعرض للكشف أو لمداهمة من قبل القوى الأمنية، يدعي أنه مجرد عامل، والمحال تعود ملكيته لمواطن لبناني، الذي يقرّ بملكيته للمحل، فيما يستفيد مالياً من إشغال النازح السوري له.

ومن هنا شدد خضر على المعنيين أثناء الكشف عن هذه المخالفات الاطلاع على تصريح العمل والإقامة، لأن المسجّل لدى المفوضية لشؤون اللاجئين لا يحق له العمل في لبنان.

وفي ما يتعلق بدور اللجنة والمنظمات الدولية المختلفة في هذا الشأن، شدد خضر على أنه ليس لها دور، لكن العديد من المنظمات الدولية لديها برنامج يسمى "النقد مقابل العمل"، وهي عبارة عن مشاريع تقوم بتنفيذها في منطقة محددة وتعمل على توظيف عمال لبنانيين وسوريين كعمال مياومين مقابل 10 دولارات أميركية، وأحياناً تصل إلى 20 دولاراً أميركياً، وهذه مخالفة قانونية.

وأكد أن العمل جار لتضييق نطاق العمل لهؤلاء العمال غير الشرعيين، لحث البلديات التي تتحمل مسؤولية كبيرة والجهات الرقابية على طلب الأوراق داخل مكان عمل النازح، ومنع العمل لكل من لا يملك أوراقاً شرعية والسماح بالعمل لكل من يُصنف وجوده شرعياً.

لكن المشكلة تبقى ان الجهات المعنية تعاني أيضاً من هذه الظروف الاقتصادية الصعبة في أداء مهمتها، ونحن كمحافظة في طور إعداد خطة تحقق نتيجة فعالة تخدم اللبنانيين والنازحين على حد سواء".

في السياق عينه أشارت العديد من الدراسات والإحصاءات المحلية في بعلبك إلى زيادة حجم الاقتصاد غير المنظم وزيادة نسبة البطالة فيه إلى نحو 60 في المئة، بعد أن كانت 15 في المئة في بداية الأزمة، وأن بنية الحالة الاقتصادية في المنطقة تستوعب اليوم طاقة اقتصادية أكثر من قدرتها.

ولتأكيد الأمر لفت رئيس جمعية التجار في بعلبك نصري عثمان إلى عدم وجود مسح إحصائي لمعرفة عدد المحلات والمؤسسات التجارية القانونية وغير القانونية التي يشغلها نازحون سوريون، لكن 80 في المئة من المحال مشغولة من قبل النازحين السوريين، 90 في المئة منهم بأسماء لبنانية، وما يعيشه الأهالي هو تداعيات عدم تنظيم سوق العمل، حيث إن غالبية العمال السوريين النازحين يخالفون قانون وزارة العمل وليس لديهم أي بيانات رسمية، وإذا كانت المؤسسة لبنانية فهي تعمل على توظيف عامل سوري نازح بطريقة مخالفة للقانون.

هناك قرابة 280 محلاً تجارياً داخل بلدة عرسال فقط، بالإضافة إلى العديد من المحلات داخل مخيماتها، والتي تضم كل ما يخطر على البال مثل بيع الخضار والفواكه، صالونات العناية بالنساء والرجال، والملابس، وبيع اللحوم، والحدادة، والمقاهي. والمطاعم ومحلات الأجبان والألبان وغيرها الكثير أسفرت عن إقفال أهالي عرسال محالهم كي تستمر متاجر النازحين.

السيدة ريما كرنبي، الناشطة الاجتماعية ونائب رئيس مجلس بلدية عرسال سابقاً وعضو مستقيل من المجلس البلدي صرحت لـ "النهار" أن تنحّي الدولة عن القيام بدورها وعدم تعامل المجلس البلدي بمسؤولية مع هذا الملف، جعل من البلدة وجوارها تفتقر لتنظيم وجود النازحين فيها، حيث تطلب الأمر منهجاً شاملاً من حيث طريقة انتشارهم وتوزعهم لتحقيق التوازن بين الدعم الإنساني والاحتياجات التنموية للمجتمع المضيف لمواجهة تحديات سوق العمل، والتركيز على تطبيق إجراءات لتنظيم عمل اليد العاملة النازحة السورية غير المنظمة.

وأوضحت كرنبي أنه خلال تواجدها كنائب رئيس وعضو في المجلس البلدي انتقدت عمل المجلس البلدي الذي تعامل مع الملف بشكل عشوائي أيضاً، وطلبت مراراً من الجهات الدولية المعنية بهذا الملف من خلال عدة لقاءات مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، العمل على حض النازحين لفتح أسواق داخلية داخل المخيمات وليس خارجها، لكن الأمر تطور إلى تأجير المحال التجارية من أهالي البلدة ومزاحمتهم على مصدر رزقهم. وسيطرة النازحين على الحركة الاقتصادية للبلدة علامة على براعة السوريين في التجارة وتراخي الدولة في تطبيق قانون العمل.

ولفت ابن البلدة حسن الحجيري وهو موظف حكومي متقاعد وصاحب مقهى إلى أن اغلب أقاربه وأصدقائه اضطروا إلى إغلاق مصدر رزقهم، فالعرسالي يعيش تحت خط الفقر، ويبلغ متوسط دخل الأسرة 25 دولاراً اميركياً شهرياً، وعليه دفع الضرائب وتأمين جميع مستلزمات الأسرة المعيشية، في المقابل يتراوح متوسط دخل فرد النازح السوري ما بين 5 و 10 دولارات أميركية يومياً، دون دفع ضرائب للدولة اللبنانية، إضافة إلى اعتماده على المساعدات الإنسانية، فمتوسط الدخل اليومي للنازح السوري هو أقل بـ 30 في المئة من الحد الأدنى للأجور في لبنان.

مصدر معني (يعمل ضمن إحدى الجمعيات) يؤكد لـ"النهار" أنه نتيجة ضغوط بعض الأحزاب السياسية في لبنان، منعت الحكومة اللبنانية إقامة مخيمات رسمية للسوريين، الأمر الذي جعل من الصعب على المنظمات الدولية والمحلية المختلفة تقديم خدمات في لبنان بطريقة منظمة تجاه هؤلاء كغيرهم في باقي الدول، وجعلهم عرضة للبنانيين.

من جانب آخر أشار مصدر أمني لـ"النهار" إلى التسهيلات التي يقدمها جهاز الأمن العام للنازحين، فيتم تجديد إقامتهم بشكل مجاني، للمسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيما قانون الأجانب يطبق من حيث الإقامة على غير المسجلين لدى المفوضية.

داخل أحد المحال التجارية لبيع الخضار في مدينة بعلبك، والتي تعود رخصة إشغاله للبناني، يجلس نازح سوري مسجل لدى مفوضية اللاجئين ومستثمر للمحال ويدعي بأن ما يحصل عليه هو وعائلته مجرد مساعدات من المفوضية لا تكفي لطعامه اليومي.

في الموازاة، يستثمر نازح سوري آخر مؤسسة للألبسة ويدير فروعها الثلاثة في المدينة، وعندما تفتّش في السجلات الشرعية تجد الترخيص لبنانياً.

في سياق متصل، عقد رئيس بلدية القاع بشير مطر، اجتماعاً مع وكلاء ورش 72 مخيماً للنازحين والعمال السوريين في سهل القاع في البقاع الشمالي، بهدف تنظيم اليد العاملة السورية في البلدة. وأكد مطر ان "الاجتماع هو من أجل التنسيق حول الأضرار الزراعية التي تسببت بها العاصفة الهوائية الباردة التي ضربت البقاع"، مطالبا وكلاء الورش بـ"العمل على تزويد البلدية بأسماء الوافدين الجدد الى المخيمات السورية في المنطقة واعلام البلدية بالمواليد الجدد، وبعمليات الانتقال بين المخيمات ومن مناطق خارج القاع الى داخل القاع وبالعكس، وبالالتزام بمنع التجول ليلا والتقيد بتعليمات البلدية حفاظا على الأمن ومنع السرقات والتعديات".

وطلب من وكلاء الورش "وضع خطة اقتراحات وحلول من أجل رفعها للبلدية على ضوء مطالبته بحصر العمل بمن هم فوق 16 سنة، وعدم السماح للعمال من هم تحت 16 سنة من القصار وصغار السن بالعمل، وفق ما ينص عليه قانون العمل وشرعة حقوق الإنسان من أجل اتاحة الفرصة امام العمال الصغار للالتحاق بمدارسهم".




تعليقات: