التعدّيات نفسها صارت تأتي بالمُحاصصة بين الطوائف! (Getty)
يعود ملفّ الاعتداء على الأملاك العامّة البحريّة إلى الواجهة من جديد، بعد أن ارتأى بعض النافذين توسيع الحملة على الأملاك العامة البحرية، مستغّلين انشغال الناس بهمومهم المعيشيّة، الناتجة عن الأزمة الاقتصاديّة، التي وعلى ما يبدو صبّت في مصلحة المعتدين، حيث خفّضت الكلفة عليهم، وضاعفت من أرباح المقاولين والمشغّلين.
وجديد مسلسل التعدّيات يحصل اليوم في منطقة كفرعبيدا ومنطقة تحوم، التي ضمّت تشكيلة جديدة من التعدّيات على الشاطئ عبر البناء، وتعدّيات على الطرقات المحاذية للشاطئ، وتسييج مساحات عامة. ولم ينحصر هذا النمط على منطقة واحدة فقط بل تعدّاها ليشمل مناطق أخرى.
6 مليون ونصف مليون متر مربّع
في هذا الإطار، يقول محمد أيوب، رئيس جمعية "نحن"، في حديث لـ"المدن"، أنّ "مساحة الأملاك العامّة البحريّة المعتدى عليها في لبنان، ارتفع من حوالى 5 مليون متر مربّع في عام 2012 (بناء على أرقام وزارة الأشغال، التي أجرت مسحاً للفترة الممتدّة من الحرب الأهليّة اللبنانيّة 1975 وحتى العام 2012) إلى حوالى 6 مليون ونصف مليون متر مربّع في عام 2019 (وفق مسح أجرته جمعيّة "نحن" في عام 2019) أيّ بزيادة مليون ونصف مليون متر مربع. وطبعاً، هذه الأرقام ترتفع عاماً بعد عام".
وشرح أيّوب أنّ "التعدّي دون ملكيّة خاصّة، هو تسلط واستيلاء على الشاطئ، ويجب إزالته فوراً حيث كان القانون يقضي بتغريم المعتدي وسجنه، وإجباره على إزالة العقار على حسابه الخاص"، مضيفاً: "قانونياً، تخالف هذه التعدّيات قانون البيئة 444 لناحية حجب النظر، وتخالف ضرورة تأمين الوصول الحر إلى الشاطئ. كما تخالف روحية القرار 1925 الذي يمنع البناء الدائم على الأملاك العامة، والذي يمنع قطع وحدة الشاطئ اللبناني، من شماله إلى جنوبه".
الصوت الانتخابي مقابل الغنيمة والحماية من العقاب
ورفض أيّوب "مبدأ فرض الدولة ضرائب على المعتدين على الأملاك البحريّة"، معتبرا أنّه "ولو قام المعنيّون بتغريم المعتدي عن السنوات الماضية، إلاّ أنّ ذلك يعتبر تشريعاً مبطّناً لهذه الاعتداءات. وهو لعبة متّفق عليها بين المعتدين والجهّة السياسيّة المحسوبين عليها، فمعظم هؤلاء مدعومون من قبل أحزاب سياسيّة نافذة في الحكم، وفق معادلة الصوت الانتخابي مقابل الغنيمة والحماية من العقاب. فهؤلاء أصبحوا رهن الزعامات"، مضيفاً: "معظم من غرّموا لم يدفعوا الغرامات بعد، والملفّ كالعادة وضع في الجوارير. فيما من قام بتسديد الغرامات دفعها بالليرة اللبنانيّة الفاقدة لقيمتها الفعليّة. في الوقت الذي يحقّق هؤلاء أرباحاً بالدولار، ويدفع ثمنها المواطنون اللبنانيون".
تدمير البيئة والاقتصاد
وعن مخاطر التعدّيات يقول إنّها "تدمّر البيئة البحرية والتنوع الايكولوجي، وتقضي على ثروتنا البريّة والبحريّة التي أصبحت في خبر كان. فعلاقة مجتمعنا اللبناني مع باقي مجتمعات العالم تاريخيّا كانت بحريّة. وللأسف بدأ هذا التاريخ يختفي اليوم وسط التدمير الممنهج للآثار، حيث دمّرت جميع الآثار البحريّة في منطقة كفرعبيدا"، متابعاً "تقضي التعديّات على عاداتنا وثقافاتنا، حيث كانت الشعوب التي تسكن قرب الشواطئ تحتفل بمناسباتها الدينيّة وعاداتها وثقافتها على طول امتداد الشاطئ، فيما اليوم يحرم أهالي المناطق من هذا الحقّ، كما يحرم المواطنون من حقّهم بقصد الأملاك العامّة، والشواطئ العامّة. فـ20% فقط من شواطئ لبنان لا تزال عامّة، فيما 10 شواطئ منها فقط مفتوحة للمواطنين، ولا تدار إليها مياه الصرف الصحي".
ويلفت أيّوب إلى أن ّ"هذا العمار يشوّه الشاطئ ويدمّر الاقتصاد، إذ تعتمد كلّ بلدان العالم على شواطئها العامّة كمصدر إيرادات لخزينة الدولة. وتصنّف الشواطئ بين أبرز الوجهات السياحيّة التي تجذب السيّاح إلى البلد، بفضل كمّ النشاطات التي تؤمّنها. فشاطئ صور وحده كان يدرّ قرابة 4 مليون دولار قبل الأزمة، كإيرادات لخزينة الدولة. ويرفع الشاطئ أرباح المؤسسات السياحيّة من فنادق ومطاعم بنسبة 30%. ويؤمّن أكثر من 600 فرصة عمل"، مشيراً إلى أنّ "لبنان في مأزق اقتصادي كبير، وبدل الاستفادة من الشواطئ كمورد اقتصادي مهمّ، يؤمّن فرص عمل، يجب على الدولة استعادته وتفعيل موارده، تقوم الدولة باعطائه لأفراد يستفيدون منه على حساب عامّة الشعب".
أمّا الطريف، حسب أيّوب، فهو أنّ "التعدّيات نفسها صارت تأتي بالمُحاصصة بين الطوائف؛ فقد صدر مرسومٌ يشرّع قضم شاطئ الناعمة مقابل قضم شاطئ الذوق".
تحذير من استمرار هذا النهج
من جهّة أخرى، كانت قد حذّرت حملة "الشط لكل الناس" من استكمال هذا النهج الذي يشوّه الشاطئ بالتدرّج، إلى أن ينتهي بواجهةٍ اسمنتية مُخصخَصة، تملكها قلّة من المستفيدين، على حساب حرمان غالبية الشعب من حقّه العام، ولو حتّى حقّ التفرّج على الشاطئ"، محمّلة "الدولة مسؤولية تمادي هؤلاء المستفيدين، ووزارة الأشغال وعلى رأسها وزير الوصاية في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، المسؤول الأوّل عن حماية الأملاك العامة البحرية". سائلة "كيف يُطبَّق الوزير حمية كلامه، والتعدّيات تتزايد حتّى من دون أي مرسوم قانوني؟".
وأضافت في بيان، أنّ "المسؤوليّة تطال أيضاً وزارة البيئة، نظراً لانعكاس التعديات على التنوّع البيولوجي. أمّا على المستوى المحلّي، فعلى البلديات مسؤولية أساسية، لناحية الدفاع عن مصالح السكّان المحليّين ووضع المخطّطات المحلية التي تحمي بيئتها، وعدم السكوت على هذه الفضائح".
ودعت "حملة الشط لكل الناس" كافة فئات المجتمع، "لا سيّما الجماعات الأهلية المحلية المجاورة للشطآن، إلى معرفة حقوقها والتصدّي لأي اعتداء. فهذه الأملاك أملاكهم/هن، وبعض المتعدّين لا ملكية لهم أساساً؛ أمّا من له ملكية تُجاوِر الشاطئ، فليس له حق التصرّف بها بما يُخالف القانون، كون الأرض قيمة اجتماعية عامة، وليست مجرد سلعة".
الأحزاب تتقاسم الشاطئ فيما بينها
من جهّة أخرى، كشفت مصادر مطّلعة على ملفّ التعديّات على الأملاك البحريّة في حديثها لـ"المدن"، أنّ "أكبر التعدّيات على الأملاك البحريّة جاءت في كلّ من مناطق البترون، وكفرعبيدا، وفي منطقة الجنوب".
ولفتت المصادر إلى أنّ "الاعتداءات في منطقة البترون، تعود لرجال أعمال محسوبين على حزب نافذ في الدولة. أمّا في كفرعبيدا فقد اعتدت إحدى إعلاميات الصفّ الأوّل في لبنان، والتي تعمل في دولة عربيّة، على الأملاك العامّة بشكل علنيّ. وبنت منزلاً يحجب الرؤيا، ويتناقض والقوانين الحامية للأملاك العامّة".
كما تحدّثت المصادر عن "قيام رجال أعمال متوزعين بين الأحزاب اللبنانيّة المسيحيّة النافذة في لبنان، وهي "التيار الوطني الحرّ"، وحزب "القوّات اللبنانيّة"، على تقاسم بحر جونية، بين بعضهم البعض، وبناء مطاعم وكافيهات على طول الأملاك العامّة البحريّة الموزّعة على الشاطئ".
أمّا في الجنوب، وحسب المصادر، "فقد استولى أحد المسؤولين الكبار في الدولة، على مساحة بحريّة كبيرة، في إحدى المناطق الجنوبيّة، في مخالفة قانونيّة فاضحة".
تعليقات: