منتزهات الوزاني قبالة الحدود الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
أكثر من 20 سنة مرّت على إنشاء #منتزهات الوزاني عند أقصى الحدود الجنوبية، ولم تتحرّك الدولة اللبنانية لمساءلة أصحابها قانونيّاً. منذ أسبوعين، تصدّرت هذه المنتزهات المشهد، بعدما عمدت وزارة السياحة إلى إقفالها بالشمع الأحمر لأيام عدّة تنفيذاً لقرار قضائي. لكن رواية أخرى تناقلها الأهالي تُفيد بأنّ "سرباً من البط" وراء هذا الإقفال، بعد "شكوى قدّمتها "#اليونيفيل" إلى الجيش اللبناني في عام 2013، بناءً على احتجاج من إسرائيل بخرق طائر البط، في أحد المنتزهات، الخطّ الأزرق، فحوّلتها وزارة الدفاع إلى الداخلية حينذاك، ثمّ إلى القضاء الذي لم يجد باباً للادّعاء على أصحاب المؤسسات سوى في ملف التراخيص".
فُتِح ملفّ تراخيص المؤسّسات السياحيّة على ضفاف النهر إذن، وأتى الإقفال الموقّت لنحو أسبوع في مصلحة الأهالي، بالرغم من الضجّة التي أُثيرت حوله. في حديث لـ"النهار"، يشرح وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار حيثيات القضيّة، قائلاً: "نفّذتُ قراراً قضائيّاً صادراً من الغرفة السادسة في الجنوب في تشرين الثاني، بعد تبلّغه من محكمة التمييز في آذار، وطلبتُ من أصحاب المنتزهات تسوية أوضاعهم"، مؤكداً أنّ "6 مؤسّسات سياحية من أصل 7 سوّت أوراقها، وأعادت فتح أبوابها مع التعهّد بتقديم المستندات الناقصة".
وعن إمكانية إقفالها ثانية، يؤكد نصّار أنّه "لا يمكن إقفال المنتزهات من جديد إلّا في حال مخالفة أصحابها القوانين، كسوء الاستعمال أو التعدّي على الأملاك العامة".
إلى جانب ملفّ التراخيص، ثمّة تعدّيات على الأملاك العامة والأماكن النهرية في الوزاني، إذ هناك نزاعات على حدود النهر وملكيّته بين لبنان وسوريا من جهة، إضافة إلى خلاف بين بلدية الوزاني وأصحاب المنتزهات حول ملكية النهر العامة أو الخاصة، من جهة أخرى، ممّا دفع المجلس البلدي إلى رفع دعوى ضدّ التعديات على الأملاك النهرية بانتظار الوصول إلى صيغة قانونية وفق قرار قضائي.
يرفض نصّار ما أشيع عن نيّة لإلغاء وجود المنتزهات في آخر نقطة حدودية مع فلسطين المحتلّة، أو السعي لاستهداف بيئة حزبية معيّنة، ويقول عبر "النهار": "لم نلغِ وجود المصالح، بل كنتُ أوّل وزير يُرخّص المنتزهات على ضفاف الوزاني ويُشرّعها، وسيكون لي جولة بعد عيد الفطر في هذه المنطقة لتعزيز السياحة وتشجيع المستثمرين".
إلى ذلك، أيّ مسح للمؤسّسات السياحية في لبنان سيظهر أنّ الأكثرية لا تستوفي الشروط القانونية مئة في المئة، وفق نصّار، مؤكداً أنّ "هدفنا مساعدة المستثمر وأصحاب المؤسسات السياحية للعمل خاصة في هذه الظروف الاقتصادية".
ويضيف لـ"النهار": "الوزاني مثل جبيل وطرابلس وبعلبك، وطالما هذه أراضٍ لبنانية، فسنتعامل مع أيّ مؤسسة سياحية بالأسلوب نفسه، بصرف النظر عن الموقع الجغرافي أو الطابع السياسي للمنطقة".
كلام وزير السياحة لقي تعليقاً من أصحاب المنتزهات باعتبار أنّ "للموقع الجغرافي أهمية كبرى عن باقي المناطق، لأنّه على تماس مع الأراضي المحتلّة، ويجب على الوزير توجيه أنظاره إلى المكان، وأغلبية المسافرين يقصدونه بسبب موقعه الحدودي".
هذه القضية منحت المنتزهات "سبقاً إعلاميّاً كبيراً ودعماً غير مباشر لأصحابها"، وفق رأي الأهالي. شهد الملف تدخّلاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي تمنى على وزير السياحة تسريع الحلّ خلال أيام، وتسهيل أمور المواطنين لإعادة فتح المنتزهات وتحريك العجلة الاقتصادية، خصوصاً قبيل موسم الصيف والأعياد. كذلك حصد الملف تفاعلاً من نائبَي المنطقة قاسم هاشم وعلي فياض وعدد من الفاعليات الأهلية والسياسية، نظراً لخصوصيّة المكان الأمنيّة.
10 منتزهات تعمل على ضفاف النهر منذ فترة ما بعد تحرير الجنوب عام 2000، واليوم أُعيد عمل 6 منها بشكل قانونيّ فيما لا تزال أخرى تنتظر إتمام أوراقها القانونية، علماً بأنّ عدداً من المستثمرين يشغّلون المنتزهات لا مالكوها.
لم يشمل قرار رفع الشمع الأحمر عن المؤسسات "منتزه أريج الوزاني"، الذي يستثمره فوزي طراف منذ 4 سنوات، في النقطة الأخيرة عند الخط الأزرق، إذ لا يزال ينتظر مالك المنتزه العودة إلى لبنان وتقديم كافّة المستندات الرسمية المطلوبة في الأسابيع المقبلة.
ويقول لـ"النهار": "هناك مخالفات قديمة بين مالكي المنتزهات منذ 2016 وبلدية الوزاني، بعدما فكّ 3 مالكين شراكتهم حينذاك، وكان من المفترض أن يتقدّم كلّ منهم بطلب ترخيص مؤسساتي إلى وزارة السياحة إلّا أنّهم لم يتابعوا الملف إلى حين إقفالها بالشمع الأحمر".
يُجمع أصحاب المنتزهات على أنّ "الطرف الإسرائيلي لا يفضّل أبداً وجود منتزهات أمامه، خاصة أنّ الخط الأزرق يمرّ في منتصف النهر. ولطالما أضاء على هذا الموضوع منذ عام 2013، مع تكرار الحوادث الأمنية هناك، خاصة في موسم الصيف".
من الحوادث المتكررة أن يعمد الأهالي إلى تسلّق الجبل المحاذي للخط الأزرق بهدف الغطس في النهر، ممّا دفع الجيش إلى التدخّل مراراً، ومراقبة المكان، ومنع المخالفين من الصعود ثانية.
يلفت صاحب "منتزه ومطعم الجزيرة" أبو علي سويد إلى "حرصه الدائم على منع زواره من تسلّق الجبل، خاصة أنّ الاستراحة تستقطب نحو ألف زبون في الصيف، فيما يقف الجيش أيام الآحاد في داخل حرم المنتزه لمنع أحد من الخروج".
#نهر الوزاني كان مقصداً للأهالي بالرغم من الوجود الإسرائيلي على الحدود، منذ عهد الأجداد، وقبل بناء المنتزهات أيضاً، إلّا أنّ اللافت اليوم اضطرار أصحاب المنتزهات إلى "التواصل مع قيادة الجيش اللبناني من جهة، وقوات "اليونيفيل" من جهة ثانية للتنسيق مع القوات الإسرائيلية قبل تنظيف مجرى النهر وتأهيله، بسبب تعكّر المياه في الشتاء"، وفق ما يؤكد سويد. وهو يعتبر أنّ "الدولة اللبنانية افتعلت أزمة مع أصحاب المنتزهات، ولم نتبلّغ بإنذار سابق حول التراخيص بالرغم من متابعة الملف منذ عام 2018، وعدم إنجاز المعاملة حينذاك، والحرص على دفع الضرائب الشهرية، فيما خُتِمت المطاعم فقط داخل المنتزهات بالشمع الأحمر، والأرض العامة كانت لا تزال متاحة للعموم".
من جهته، يأخذ رئيس بلدية الوزاني أحمد المحمد على وزير السياحة "التسرّع في القرار، ولم يوجّه إنذاراً سابقاً للمنتزهات"، ويقول لـ"النهار": "تفاجأنا بتحرّك القضاء ووزارة السياحة أخيراً، ولم نلقَ جواباً صريحاً عن سبب فتح الملف الآن، وقد تدخّلت الأحزاب المعنيّة لحلّه".
كذلك يؤكد المحمد أنّ "إسرائيل تعمل على تضخيم المواضيع، وتسعى لتحريك ملف في منطقة ما، للمساومة على أهداف معيّنة أو توسّعية في منطقة أخرى، ولن نسمح لها بتنفيذ مطامعها، وسنتعاون مع أصحاب المنتزهات لحلّ الخلافات على طريقتنا وليس على طريقة العدو".
اليوم، تعود الحركة إلى منتزهات الوزاني بشكلها الطبيعي بعد إنجاز التراخيص، فيما يعمل الأهالي على تأهيل المكان قبيل افتتاح الموسم السياحي. ويؤكد سويد استعدادهم لاستقبال السيّاح، فـ"لن نتعامل مع الزوار كالمطاعم الكبرى، وأسعارنا مقبولة، ونشجع الجميع على تجربة المكان، وعادة ما نستقطب وافدين من عكار والهرمل وطرابلس والأرز، ومن مناطق بعيدة جدّاً".
batoul.bazzi@annahar.com.lb
تعليقات: