المرحوم الحاج علي سلمان نصّار وحفيدته هيفاء
ها هي السنون تمضي وتمر الأيام وذكرى جدي باقية في القلوب. وجدي رسول محبة صغير لم يدرس في معهد الفنون المسرحية، لكن صورته وذكراه تزهو وتتلألأ.
عاش عمره وأحداث حياته في قرية صغيرة كبيرة عرفها تماما اسمها الخيام.
اما شخصيته فكانت متداخلة بين الزمان والمكان والحدث.
في الحديث عن جدي برز مفعول التخاطر حدّه الأقصى مما شكّل لي حافزا سرديا قمت من خلاله برحلة العودة الى الخيام الى القرن الماضي. لم يكن الأمر في البداية الاّ وحشة سرعان ما تحولت الى رغبة في التواجد على ارض الأجداد. وبعض المشاعر توقفت لتفرق الاحاسيس من جهة، وبين أسباب الحوادث ونتائجها في اطار الحقيقة والواقع من جهة اخرى.
كان جدي يرى الاحداث من نافذته اما الذكريات فإنها خاصّة بصاحبها. وقد شكّلت هذه المرحلة فعلا مضادا لكل معاني الموت والحياة والحرب وكل ما خلفته الحروب من تشويه وتهجير. فكانت الرحلة رحلة بعث واحياء جديدة وإعلاء من قيمة الحياة. ان حكايات جدي مفيدة بقيت متوهجة وناجزة. وذلك ارتبط ببنائنا المعرفي والفكري في هذه الحياة.
والمدد طوال الرحلة الى الخيام أرض الاجداد يأتي دائما برؤية وعلم. هذه الرحلة التي اخذت مع صورة جدي طابعا بشريا مضمخا بالإنسانية والسمو في غياب الانسان وسقوطه المدوي في فخ الحروب التي طالت الحجر والبشر على حد سواء.
لم يلجأ جدي في رفضه لترك البلدة الى خطاب، إنما الى فعل مقاوم بدأ بـ الحب للحياة من خلال طلاء البيوت المهجورة وري النبات والاشجار وجمع حطام القصف الذي كانت تتعرض له بلدة الخيام.
وأنا اتحدث عن جدي وهو من اكتوى بنار الحروب تشردا وخرابا وموتا لا اتحدث الا بضمير الحاضر وكأن الحرب ما زالت موجودة.
أما استغراب جدي لأساليب الحرب من خلال مشاعر انسانية سامية وكل فعل عنه يأتي في اطار مقاومة الخراب والحرب والبحث عن حياة آمنة تستحق ان تعاش.
إن قيمة كل شخصية تتحدد بإنسانيتها وانتصارها للحياة ايا كان كنه هذه الشخصية لا فرق بين بشر وبشر فمقاييسها الحاكمة ترتبط بمدى ما يصدر من أفعال تدينها أو تبعدها عن مفهوم الانسانية الحقة.
لذا اخذت سرد قصص جدي لي طبيعة خاصة، مع اصحاب الحروب كانت تتسم بالحياد والتعجب والاستنكار لما يصدر عن هؤلاء من افعال لا يستطيع تفسيرها، أما حواراته الخاصّة مع الاحفاد والاشجار فكانت تتسم بحنو بالغ وقراءة عالية لمن يتواصل معهم.
وكان التخاطر مع جدي في مكانه مرتبطا بالخيام وتجذرنا فيها.
لهذا كانت المرة الوحيدة التي انقطع فيها التخاطر مع جدي حين اقتراحي بمغادرة الخيام فلم تبد منه اي اشارة بالقبول والرفض، فيما كانت كلماته مؤثرة في كل المراحل بصورة ترقى الى مصاف الشخصية الانسانية في ابهى صور فأضاف ابعادا انسانية الى قرية رحبة اسمها الخيام تحسن تلقي الأشارات وتحسن قراءتها وفكّ رموزها بلغة غير لغة البشر.
* هيفاء نصّار - أوتاوا، كندا
الواقع في 7 نيسان، 2023
تعليقات: