المطاردة الفرنسية المحمومة لسلامة ومصرفيين: ترحيب بالعدالة وتساؤل بالسياسة

الإجراءات القضائية الفرنسية تأتي على وقع عقوبات أميركية (Getty)
الإجراءات القضائية الفرنسية تأتي على وقع عقوبات أميركية (Getty)


تساؤلات كثيرة تدور في لبنان حول مسار "الهجمة" القضائية الفرنسية على مصرفيين وأصحاب مصارف. أسئلة حول الأهداف، الدوافع، الأسباب وغيرها. ولكن في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن أي إجراءات قانونية وقضائية في مجال المحاسبة المالية والمصرفية لبنانياً هي ضرورة وحاجة ماسة. وبالاستناد إليها يمكن الولوج إلى اكتشاف الكثير من الفظائع والفضائح التي حكمت آليات الألاعيب المالية وكيفية صناعة الثروات. وأي تحقيق قضائي دولي، أوروبياً كان أم أميركياً، يبقى أفضل من التحقيقات المحلية، لجملة أسباب واقعية وموضوعية، ونظراً لعدم توافر الثقة بين اللبنانيين والقضاء اللبناني.


نظرية المؤامرة

ولكن إلى جانب كل هذا المسار، فإن "اللبناني" بطبعه مهجوس بالسياسة. تجارب كثيرة وعناصر اجتماعية وسياسية تدفعه إلى إعلاء معادلة "نظرية المؤامرة" للبحث عن خلفيات ودوافع أي جهة تقدم على أي خطوة من هذا القبيل. علماً أن هذا المسار القضائي يتسارع على وقع تطورات سياسية متعددة، والبحث عن تسوية رئاسية تعيد إنتاج تركيب السلطة، التي من المفترض أن تضع خطة اقتصادية ومالية إنقاذية أو إصلاحية، تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

وما يندفع إليه اللبنانيون بحماسة أيضاً هو طرح الأسئلة، انطلاقاً من طموحات استثمارية فرنسية في قطاعات مختلفة أصبحت علنية ولم تعد مضمرة. لذلك تتركز الأسئلة عما إذا كان هناك طموحات لباريس بالاستثمار في القطاع المصرفي اللبناني بعد عملية إعادة هيكلته، خصوصاً أن هذا القطاع في لبنان لطالما كان ذات سمة فرنسية تحديداً قبل أزمة انهيار بنك انترا. أما بعد تلك الأزمة فقد اتجه القطاع نحو "الأمركة". حالياً، هناك أسئلة كثيرة تطرح إذا ما كانت باريس تريد العودة إلى هذا القطاع، كما هو الحال بالنسبة إلى طموحاتها في العودة إلى الاستثمار والشراكة مع طيران الشرق الأوسط وغيرها من المؤسسات الكبرى والحيوية.


رأس سلامة

ما يعزز السؤال، هو اصطحاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرجل المصرفي الفرنسي من أصل لبناني، سمير عساف، خلال زيارته إلى بيروت لتقديم المبادرة الفرنسية عام 2020. وفي حينها برز مسعى فرنسي لتعيين عساف حاكماً للمصرف المركزي. يأتي ذلك على وقع الهجمة الكبيرة التي تشنها باريس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قضائياً، بالاستناد إلى الكثير من الدعاوى المرفوعة بحقه أمام محاكم أوروبية بينها فرنسية، أو سياسياً من خلال الاستعداد لتعيين شخص بديل عنه، على وقع الاستعجال الفرنسي لإنجاز الانتخابات الرئاسية سريعاً، لتتمكن الحكومة الجديدة من تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، وذلك لتجنب أي محاولة تمديد لسلامة.

في اجتماع باريس الخماسي، وإلى جانب البحث في الملف الرئاسي اللبناني، كانت فرنسا متمسكة إلى حدود بعيدة بضرورة الحصول على جواب أميركي واضح برفع الغطاء عن رياض سلامة، والحصول على تعهد من الدول الحاضرة بضرورة خروجه من حاكمية المصرف المركزي عند انتهاء ولايته، وعدم ترك أي هامش للتمديد له.

عملياً، حصلت باريس على موقف مبدئي حيال هذا الأمر. ولكن، حسب ما تقول مصادر متابعة، فإن باريس لا تزال تسعى إلى موقف أكثر جزماً وصرامة ووضوحاً في منع سلامة من البقاء في منصبه، ومنع إيجاد أي مخرج للتمديد له. أما التحقيقات مع أصحاب المصارف او المسؤولين المصرفيين والإجراءات المتخذة بحقهم، فالهدف منها هو الوصول إلى تكوين ملف للإدعاء على سلامة. وبذلك، يتم إحراج الأميركيين حول رفع الغطاء نهائياً عن الرجل، وعدم ترك أي نافذة يمكن التسلل منها للتمديد له.


"التنافس" الفرنسي الأميركي؟

إلى جانب هذا المسعى الفرنسي للإدعاء على سلامة وإحراج كل من يدعمه أو يمنحه الغطاء، فإن الإجراءات الفرنسية تأتي على وقع عقوبات أميركية فرضت على شخصيات لبنانية أيضاً، وقد تم تفسيرها بأنها محاولة لقطع الطريق على المبادرة السياسية التي تقودها باريس حيال الانتخابات الرئاسية.

من هنا يُطرح سؤال إذا ما كانت هذه الإجراءات تصب في خانة "التنافس" الفرنسي الأميركي وتبادل الرسائل، أم أنها ستؤدي في النهاية إلى مسار متكامل بين الجانبين. وهو ما تحاول فرنسا التعجيل به من خلال إنجاز الملفات القضائية والإدعاءات. إلى جانب هدف آخر أيضاً يتعلق بمحاولة التغطية على كل الانتقادات التي وجهت إلى فرنسا حول أهدافها الاستثمارية في لبنان والبحث عن مصالحها فقط.

تعليقات: