من باحات المطار
اقتراحات ومشاريع قوانين إصلاحية عدّة تمّ تداولها بين النوّاب والاقتصاديّين والمهتمّين بالشأن الماليّ منذ بدء الأزمة في 2019، بغية وضع الأمور في نصابها، إن كان على الصعيد الاقتصاديّ والماليّ أو المصرفيّ واسترجاع الودائع، أو إعادة تفعيل مرافق الدولة لزيادة الإيرادات.
بعض هذه المشاريع لم تُكتب له الحياة، وحظوظ بعضها الآخر تتأرجح بين الدراسة والنسيان في أدراج مجلس النوّاب، ومشاريع قوانين يجهد واضعوها للوصول بها إلى برّ الإقرار النهائيّ.
من هذه المشاريع مشروع "المؤسّسة المستقلّة لإدارة #أصول الدولة"، الذي تقدّم به تكتّل الجمهوريّة القويّة" النيابيّ إلى مجلس النوّاب، بدليل ما أكّده النائب جورج عقيص أنّ التكتّل مصرّ على الاقتراح، وسيكمل به حتّى النهاية، لأهميّة تحسين إدارة أصول الدولة ولزيادة عائداتها وتحسين خدمات الناس، من دون أن تتخلّى الدولة عن ملكيّة أصولها أو نزع ملكيّتها وأرباحها عنها". وسيواصل نوّاب التكتّل لقاءاتهم للاستماع إلى آراء المعنيّين من مؤسّسات ماليّة دوليّة أو اقتصاديّين أو منظّمات داخليّة لها علاقة بشكل أو بآخر بهذا الموضوع.
ويخال البعض أنّ مشروع المؤسّسة المستقلة لإدارة أصول الدولة قد يُخفى وراءه هدفٌ أكبرُ يتعلّق ببيع أملاك الدولة وأصولها، وهو ما تنبّه إليه النائب غسّان حاصباني بتأكيده أنّ المشروع لا يتطلّب بيعاُ لأصول الدولة أو حتّى شراكة مع القطاع الخاصّ، بل مؤسّسة تستقطب خبرات لبنانيّة عالميّة، وتخضع لرقابة مستقلّة قد تبعدها عن تأثيرات السلطة السياسيّة، وتؤدّي بها الى انهيار شبه كامل، حتّى تصبح كلفتها عالية على الدولة، بدلاً من أن تؤمّن مداخيل لها وخدمات أساسيّة ولائقة للمواطنين".
ماذا تعني التشركة؟ وإلى ماذا تهدف "المؤسّسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة"؟
"التشركة" وفق ما يشرح النائب غسّان حاصباني تعني أن تكون مؤسّسات الدولة كلّها شركات مملوكة منها، وأن تكون إداراتها المهنيّة من متخصّصين بإدارة الأصول والاستثمارات، مع تفعيل رقابة عليها من جهات مستقلّة دوليّة أو محليّة، لتراقب أداء هذه المؤسّسات، على أن يبقى دور الدولة تشريعيّاً وتنظيميّاً وتخطيطيّاً، للانطلاق بعمليّة الإصلاح والتعافي الشامل والمتكامل للقطاع العامّ".
ووفق حاصباني تهدف المؤسّسة إلى تعزيز موارد الخزينة، والمساهمة في حصّة الدولة من توفير السيولة لتسديد الودائع وإصلاح مؤسّسات القطاع العام، وإبعادها عن التأثير السياسيّ. فالإصلاح في رأيه "لا يمكن أن يكتمل من دون إدارة سليمة ومتكاملة للمؤسّسات المملوكة من الدولة بطريقة مستقلّة عن السلطة السياسيّة لإخراجها من التسييس، والإفادة السياسيّة التي أدّت بها الى انهيار شبه كامل، وإلى أن تصبح كلفتها عالية على الدولة بدلاً من أن تؤمّن مداخيل لها، وخدمات أساسيّة ولائقة للمواطنين". القانون المقترح يشمل إدارة الوزارات ذات الطابع التجاريّ، ومنها الاتّصالات والكهرباء والمياه والمرافئ و#المطارات والكازينو، وحتّى سكك الحديد وغيرها.
هذه المؤسّسات إذا تمّت إداراتها بطريقة مهنيّة ومستقلّة عن السياسة، يمكن أن تزيد عائدات الدولة، وأن تُحسّن خدماتها ما يؤثّر إيجاباً على الاقتصاد والخزينة، وقد تساهم في تسديد ما هو مطلوب من الدولة لإعادة تكوين الودائع".
الأرقام التقريبيّة التي أوردها حاصباني للمؤسّسات التي يمكن تشركتها كـ"الريجي" ومؤسّسات المياه، والكهرباء والاتّصالات، والسكك والمطار والمرافئ والكازينو، بيّنت أنّ العائدات الإجماليّة المقدّرة للعام 2019 كانت بقيمة 4 مليارات دولار، والعائدات المتوقّعة حاليّاً نحو 542 مليون دولار، في حين أنّ الإيرادات المحتملة 5800 مليون دولار. حتّى أنّه إذا تمّت إدارة هذه المؤسّسات بطريقة مهنيّة ومستقلّة عن السياسة، يمكن أن تزيد عائدات الدولة، وأن تحسّن خدماتها بما يؤثّر إيجاباً على الاقتصاد والخزينة. وهذه الإيرادات، بحسب حاصباني، يمكن أن تساهم في تسديد ما هو مطلوب من الدولة لتوفير السيولة لتسديد الودائع.
بالنسبة إلى الشقّ القانونيّ، يؤكّد النائب جورج عقيص أنّ حزب "القوّات اللبنانيّة" يدرس صياغة مشروع قانون عن المشاورات العامّة، أي أنّ أيّ مشروع قانون حيويّ يجب ألّا يقدّم الى الجمهور وإلى المجلس النيابيّ لإقراره إلّا بعد التشاور حوله والحصول على أكبر قدرٍ من الآراء والاقتراحات والانتقادات من الجمهور المعنيّ بهذا القانون، وهذا ما يطبّقه نوّاب التكتّل اليوم من خلال عرض تفاصيل قانون المؤسّسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة أمام الجميع للنقاش العامّ.
المسؤوليّة عن الانهيار الاقتصاديّ حملها عقيص إلى ثلاثة أفرقاء: المصارف، ومصرف لبنان، والحكومة، وأيّ قانون يجب أن يُطرح للتشريع لا بدّ أن يتبنّى مبدأ توزيع الخسائر، لذا فإنّ القانون المقترح يندرج ضمن هذا الإطار، فإذا كانت الدولة مسؤولة عن جزء من هذه الخسائر ومنها خسائر المودعين، يجب أن تنفق من إيراداتها الجزء الذي تتحمّله في مسؤوليّة الانهيار المصرفيّ.
وفق المشروع "تنشأ المؤسّسة المستقلة لإدارة أصول الدولة Public Assets Management Institutions عبر تشركة Corporatization الهيئات والإدارات والمؤسّسات العامّة التي تقوم بعمل ذي طابع تجاريّ. وتنقل مسؤوليّة الوصاية والإشراف من الوزارات الى المؤسّسة المستقلّة. على أن تبقى مهام الهيئات الناظمة المسؤولة عند تنظيم القطاعات من دون تغيير. لا تخصخص هذه الشركات ويبقى قانون الشراكة مع القطاع الخاصّ والمجلس الأعلى للخصخصة قائماً. أمّا مجلس إدارة المؤسّسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة بآليّة شفّافة فينصّ عليه القانون ووفق معايير رقابيّة عالية. وتقسّم العائدات المحصّلة من الشركات بين خزينة الدولة وصندوق إعادة تكوين الودائع.
أمّا المهامّ الأساسيّة للمؤسّسة فكالآتي:
- إبرام عقود التشغيل القطاعية ومتابعة ومراقبة تنفيذها.
- تعيين مجالس إدارات المؤسّسات الموضوعة تحت إشرافها وإدارتها والقيام بأعمال الجمعيّة العموميّة للمؤسّسات الموضوعة تحت إشرافها وإدارتها، واقتراح تعديلات في ملكيّة المؤسّسات الموضوعة تحت إشرافها وإدارتها، وتلقّي العائدات والأرباح التي تحقّقها الشركات الخاضعة للمؤسّسة المستقلّة، بعد حسم المصاريف التشغيليّة والاستثماريّة لهذه الشركات.
- توزيع مجموع تلك الأرباح سنويّاً إلى خزينة الدولة من جهة، وإلى صندوق إعادة تكوين الودائع الذي ينشأ، وتحدّد نسبة حصّته من التحويلات وفقاً لقانون يصدر عن مجلس النوّاب.
وكان نوّاب تكتّل "الجمهوريّة القويّة" النيابيّ غسّان حاصباني وجورج عقيص ورازي الحاج، عرضوا تفاصيل اقتراح قانون "المؤسّسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة" في مؤتمر صحافيّ عُقد الثلثاء الماضي في فندق Citea Apart Hotel في الأشرفيّة.
ضاهر: يخرجنا من براثن الأزمة الراهنة
طرح "القوّات" لاقى ترحيباً من المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر الذي أكّد لـ"النهار" أنّه لطالما دعا القيّمين الى "اعتماد هذا المفهوم الحديث والأسلم والأجدى الذي يمكّننا من الخروج من براثن الأزمة الراهنة". فهو في رأيه يحمي أصول الدولة لشعبها، ويضع الحدّ النهائيّ للفساد والمحسوبيّات، لاسيّما أنّ "هذا المفهوم المتّصل بالإدارة يملك القدرة على تعزيز الثقة الائتمانيّة، والأهمّ أنّه يختلف بكلّيّته عن الطرح المتّجه إلى استثمار أصول الدولة، والذي نحذّر منه".
هذا الاختلاف بين الإدارة والاستثمار يتجلّى وفق ضاهر في ناحية مفصليّة تتعلّق باختلاف المنحنى بينهما. ففي حين أنّ الإدارة تتّجه الى تعزيز موارد القطاعات في الدولة اللبنانيّة وحمايتها، من خلال إيلاء هيئة تُعنى بتلك الإدارة وتملك سلطة الفرض وفرض العقاب، إذ أنّ سلطتها تخوّلها إيقاف جميع مكامن الهدر والفساد في الإدارة ووقف المحسوبيّات والتنفيعات والزبائنيّة وسواها، كما تحمي المداخيل، حتّى أنّه لا حرج أن يكون رئيسُ هذه الهيئة شخصيّةً دوليّةً مرموقةً ومشهوداً لها.
أمّا بالنسبة إلى كيفيّة حماية المداخيل، فتتوجّب، برأي ضاهر، إعادة جميع المحصّلات من القطاعات العامّة، كما هي، إلى الدولة من دون اقتطاع أيّ أرباح توزّع على المشاركين بالاستثمار من القطاعات الخاصّة. وهنا نكون قد أوجدنا هيئة تُعنى فقط بإدارة الأصول دون أن تتعدّى إلى الاستثمار وإنشاء شراكة بين القطاع العامّ والخاصّ، كما يحلو للبعض الذي يحاول وضع يده على أصول الدولة. وهذا خطأ في رأي ضاهر، كونه يرمي من خلال الاستثمار والشراكة إلى تعزيز الأرباح الخاصّة من مداخيل القطاعات العامّة، وتالياً و"بدل توجيه تلك الأرباح إلى الشعب مباشرة عبر الحكومة باتّباع نظام إدارة الأصول، يكون قد وجّهها بمفهوم الاستثمار إلى الشركات الخاصّة ومَن يساهم فيها".
قانونيّاً، يلفت ضاهر إلى أنّ الهيئة الخاصّة المكلّفة بالإدارة يجب توصيفها كسلطة عامّة مستقلّة، أي API (Autorité Publique Indépendante)، ويشدّد على أنّ كلمة سلطة تعني autorité وليس pouvoir، وتملك الشخصيّة المعنويّة، وتعمل تحت كنف الدولة اللبنانيّة، إنّما مستقلّة عنها استقلالاً وظيفيّاً ومنهجيّاً وهيكليّاً.
ووفق قرارات المجلس الدستوريّ الفرنسيّ، فإنّها تخضع للرقابة أمام البرلمان، وكذلك للرقابة القضائيّة بوجهيها الإداريّ والعدليّ، بحسب طبيعة الأعمال والقرارات التي تصدر عنها. مع التأكيد بأنّ هذا التوصيف الحديث للمفاهيم يتّصل بجذوره بفكرة "ديموقراطية المنفعة العامّة"، وهو لا يتناقض مع الدستور على الإطلاق. كما أنّه عابر للقارات، انطلق من أميركا وحطّ رحاله في أوروبا، ومنها اعتمده لبنان في بعض قوانينه، دون أن يتّصل هذا الإقرار بفهم حقيقة هذا الكيان الهامّ داخل الدولة.
Salwa.baalbaki@annahar.com.lb
تعليقات: