إضرابهم تحول مأزقاً: الأساتذة مُطَالبون بإنقاذ التلامذة وباستعادة نقابتهم

رابطة التعليم الثانوي تركت الأساتذة عرضة لشتى الانتهاكات الحالية (مصطفى جمال الدين)
رابطة التعليم الثانوي تركت الأساتذة عرضة لشتى الانتهاكات الحالية (مصطفى جمال الدين)


تبقى من العام الدراسي 25 يوماً غير كافية لإنهاء نصف المناهج، لإجراء الامتحانات الرسمية لصفوف شهادة الثانوية العامة. مدة زمنية قصيرة يتخللها شهر من الانتخابات البلدية في حال تم إجراؤها. ما يعني أنه حتى لو عاد أساتذة التعليم الثانوي عن الإضراب المتواصل منذ ثلاثة أشهر، يتعذر على طلاب التعليم الرسمي تعويض ما فاتهم من دروس. ورغم أن الكباش الحاصل بين الأساتذة ووزارة التربية أخذ طلاب المدارس الرسمية رهائن، يواصل الطرفان حربهما المفتوحة بلا أي رادع. فالأساتذة يتعاملون مع مطالبهم بأنهم أمام معركة حياة أو موت، ووزارة التربية تتعامل مع الامتحانات الرسمية كمعركة حياة أو موت أيضاً.

حاول دارسو المناطق بوازرة التربية دمج طلاب الشهادة في مناطق عدة متجاورة في ثانوية واحدة وفشل الأمر. وحاولت وزارة التربية رفع عدد الأساتذة المتعاقدين وفشلت أيضاً. ووفق إحصاء أجرته لجنة الأساتذة المنتفضين في المناطق، شارك فيه نحو 2700 أستاذ في التعليم الثانوي من أصل نحو ستة آلاف أستاذ في ملاك الدولة، تبين أن عدد الممتنعين عن التعليم كلياً يتجاوز 2300 أستاذ. وهذا رقم كبير يدل على أن التعليم الثانوي الرسمي معطل بالكامل، حتى لو أن هناك ثانويات تقدم على التعليم الجزئي. فالتعليم مقتصر على صفوف الشهادة في بعض الثانويات في كل منطقة، وتحديداً في جبل لبنان، حيث عمل مدراء ثانويات على جمع تبرعات لدعم الأساتذة بمبالغ صغيرة بالدولار. وفيما لا يزال التعليم الجزئي يقتصر على ثانويات متفرقة في البقاع والجنوب، فهو شبه معدوم في أقضية الشمال، ولا سيما في محافظة عكار. ورغم ذلك تريد الوزارة إجراء الامتحانات الرسمية بمن حضر.

أوصلت الحكومة ووزارة التربية الأساتذة إلى مرحلة اليأس التام، وصولاً إلى التهديد بأن إجراء الامتحانات لن يمر إلا على جثثهم. فالعطاءات الهزيلة التي وعدوا بها بقيت وعوداً. وحتى وعدهم بدفع ثمن خمسة ليترات البنزين عن كل يوم تعليم لم يتحقق. والأسوأ أن هذا الوعد قابله إلغاء بدل الانتقال اليومي الذي كان قائماً في السابق. وهذا ما جعل الإضراب الذي ينفذونه شاملاً وعاماً. وعوضاً عن انعقاد الحكومة لإيجاد حلول مؤقتة لإنهاء العام الدراسي، يدير المسؤولون أذنهم الطرشاء في انتظار استلام الأساتذة. وهذا ما لم يتحقق منذ أكثر من شهر عقب فك روابط المعلمين الإضراب.

أما الأساتذة فباتوا أمام مسؤولية أخلاقية إزاء طلابهم لإنهاء ما يمكن إنهائه من المناهج بما تبقى من أيام بالعام الدراسي، كي لا تأتي الامتحانات الرسمية على حسابهم. ورغم ذلك، قرر الأساتذة على نحو "انتحاري" إضراباً مفتوحاً يدركون جيداً أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة، طالما أن المسؤولين لا يبالون بالتعليم الرسمي. ليس هذا فحسب، بل إن استمرار الأزمة الحالية سيؤدي إلى نهج تصفية الأساتذة من الوظيفة العام المقبل، بفعل سياسة دمج المدارس الرسمية وتقليص الهيئات التعليمية. وعوضاً عن أخذ طلابهم بعين الرأفة وتعليمهم ما تبقى من العام الدراسي، يواصلون الإضراب. إضرابهم محق، لكن بات بلا أي هدف أو وجهة. فتحقيق مطلب تحسين الرواتب وتأمين العيش الكريم مقفل بشكل كامل. وأبلغ دليل ما هو حاصل في الإدارة العامة، حيث يواصل الموظفون إضرابهم منذ ثلاثة أشهر.

لكن بخلاف موظفي الإدارة العامة، حولت روابط المعلمين الأساتذة إلى خارجين عن القانون ونظام الموظفين، بعد فك الإضراب، ما سهل التجاوزات التي تحصل حالياً بحقهم. فرابطة موظفي القطاع العام حمت موظفي الإدارة في إضرابهم المتواصل منذ ثلاثة أشهر، ولم يتمكن أي مسؤول من استبدال أي موظف بآخر، بينما رابطة التعليم الثانوي تركت الأساتذة عرضة لشتى الانتهاكات الحالية. بمعنى آخر، رابطة التعليم الثانوي المنحلة، بعد فكها الإضراب، وبعد رفض الهيئة الإدارية المعطلة عقد جمعيات عمومية، جعلت الأساتذة بلا أي غطاء نقابي، وبات فرض الإضراب في المدارس رغم إرادة الرابطة والوزارة، المتنفس الوحيد لهم بوجه تعسف المسؤولين. ما يفرض على الأساتذة التكتل لاستعادة أداتهم النقابية من يد الأحزاب الحالية، ليس في سبيل تحسين رواتبهم في الوقت الحالي، بل خوفاً من أن تصبح نقابتهم أداة بيد المسؤولين لتصفيتهم من الوظيفة العام المقبل. فالمعركة الأساسية للأساتذة هي في العام الدراسي المقبل وليس الآن على أعتاب الامتحانات الرسمية. ما يستدعي من الأساتذة العودة إلى التعليم وعدم أخذ طلابهم رهائن وتكريس مبدأ عدم المساواة بين طلاب التعليم الرسمي والخاص، الذي لا تكترث له وزارة التربية ولا الحكومة، حيال إجراء الامتحانات الرسمية بمن حضر.

تعليقات: