قضية اللاجئين ستتأجج في لبنان، وثمة تحذيرات من تداعيات مقلقة في الشارع (Getty)
يستعر السجال حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان وترحيلهم. ويشي ذلك أن ثمة ما يُطبخ في الكواليس، بغية تفجير الملف الذي عجزت السلطة عن معالجته، بعد الفشل الذريع لخطة عودة السوريين إلى بلادهم تحت إشراف الأمن العام اللبناني.
أما آخر التطورات، فتجلت بدعوة مجموعات من الناشطين، من بينها واحدة تدعى "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي" إلى التظاهر الأربعاء أمام مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، للمطالبة بترحيل السوريين، رداً على دعوة أطلقها ناشطون سوريون عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى التظاهر ضد الحملات التي تطالب بترحيلهم، في المكان نفسه. في حين، أصدر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي كتابًا طلب فيه من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي منع التظاهر من قبل اللاجئين السوريين والتظاهرات المضادة أيضاً، "لأنها قد تؤدي إلى إشكالات أمنية بين المتظاهرين في نطاق المناطق التي ستقام فيها".
غير أن هذا المستوى من الاحتقان الميداني، لم يأت من عبث. بل نتيجة تراكم مواقف تحريضية تعزز أجواء الفتنة. ناهيك عن الحملات الإعلامية المحلية التي تربط تفشي الجرائم والتلوث والفقر والفوضى وكل مظاهر الانهيار.. بالوجود السوري!
فهل حان وقت خطة الجيش؟
تفاعلت قضية اللاجئين السوريين قبل أيام، مع تسرب خبر ترحيل الجيش اللبناني لنحو 50 سورياً دخلوا خلسة إلى لبنان عن طريق مهربين عبر المعابر البرية غير الشرعية، حيث قام بتسليمهم إلى فوج الحدود البرية، الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية.
قانونيًا، يستند الجيش إلى قرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في 15 نيسان 2019، والقاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان خلسة بعد 24 نيسان 2019. كما يرتكز إلى قوانين دولية تجيز ترحيل كل شخص يدخل بلدًا أجنبيًا خلسة، و"من يرتكب جرمًا يرحّل فورًا، والعقوبة القضائية تُنفذ ببلده الأم".
في حين، تعتقد جمعيات حقوقية أن قوانين الترحيل المستحدثة لبنانيًا، تخترق توقيعه اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تنص في أحد بنودها بأنه لا يجوز لدولة طرد شخص أو تسليمه لدولة أخرى، إذا توافرت أسباب تدعو للاعتقاد أنه سيتعرض للتعذيب أو الاضطهاد أو الاعتقال التعسفي.
وفيما تفيد معلومات أمنية أن أماكن الاحتجاز التابعة للجيش تعج بالسوريين الموقوفين، ومعظمهم دخل خلسة وقيد الترحيل.. تتصاعد سياسيًا الحملات الداعية إلى ترحيل جميع اللاجئين. ويتصدر مشهد الدعوات الأحزاب المسيحية عبر إثارة غير مباشرة لمخاوف من "التوسع الديمغرافي للمسلمين"، وعلى قاعدة أن البلد فيه أكثر من مليوني سوري لاجئ، معظمهم من المسلمين من غير اللبنانيين!
حملات سياسية وإعلامية وبلدية
وبعد التصريحات الدائمة التي يطلقها التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وآخرون، قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، على إثر لقائه منسقة الأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا، إن لبنان "كان قبل أزمة النزوح يحتل المرتبة 19 بين الدول الأكثر اكتظاظًا. أما اليوم فبات رقم 3 مع 585 ساكنًا ضمن الكيلومتر المربع الواحد". وقال: "نحن مستعدون لعدم إجبار الناشطين بالمعارضة السورية المطلوبين في سوريا على العودة. ولكن عددهم لا يتخطى الـ20 ألفًا، أما المليون والـ750 ألفاً الباقين غير معرضين للخطر، وباتوا مهاجرين اقتصاديين، ولم يعد من الممكن التعاطي مع الملف بالطريقة السابقة".
بالطبع، لم يوضح الجميل إلى ماذا ارتكز بأرقامه ومقاربته، فيما قال النائب جميل السيد في تغريدة له الثلاثاء: "غدا ستكون هناك أسلحة في مخيماتهم".
سلطة البلديات
هذا الشحن السياسي، يقابله توجه البلديات إلى المبادرة في فرض سلطتها ضمن نطاقها الجغرافي على السوريين. ومثلًا، في إجراء مفاجئ بالتوقيت، دعت بلدية بنت جبيل، يوم الثلاثاء، السوريين المقيمين لديها للحضور إلى مبنى البلدية لتسجيل أسمائهم مع أفراد عائلاتهم لدى قلم البلدية، وذلك ابتداء من نهار الأربعاء وحتى نهار الجمعة المقبل، مع ضرورة إحضار جميع الأوراق الثبوتية المتعلقة بجميع أفراد العائلة، مع عقود الإيجار في حال وجودها مع الإقامات المسجلة لدى الأمن العام، ودفتر القيادة وأوراق التسجيل. وكل من يتخلف عن الحضور، "يعتبر مقيما غير شرعي وغير قانوني. وعليه سوف يتم ترحيله مباشرة مع عائلته إلى الحدود اللبنانية على المصنع"، وفق بيان البلدية.
ويشي هذا الإجراء التصعيدي كأنه سينسحب على بلديات أخرى أخذت الضوء الأخضر من السلطة والقوى السياسية المسيطرة عليها. علمًا أنه سيكون فاتحة لإشكالات كبيرة، مع إدراك الجميع أن معظم السوريين في لبنان غير مسجلين لدى الأمن العام، ولا يملكون الأوراق الثبوتية المطلوبة.
أرقام وإشكاليات
وهنا، لا بد من التذكير أن ثمة فارقًا كبيرًا بين أعداد السوريين المسجلين لدى المفوضية، وهم لا يتجاوزون 825 ألف لاجئ، موزعين على نحو 3100 مخيم عشوائي على الأراضي اللبنانية، ويرتكز معظمها في البقاع والشمال. في حين يقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين المقيمين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقا نظامية.
ويعني ذلك أن العدد الهائل للسوريين تكوّن على نحو تراكمي منذ اندلاع الحرب السورية في 2011، وأن أعداد القادمين تتجاوز بأضعاف أعداد المغادرين.
وبدا لافتًا خلال الأعياد، إقدام بعض التلفزيونات والمنصات اللبنانية على نقل فيديوهات تظهر حجم النفايات المرمية على الكورنيش البحري في بيروت والشمال، وتتهم على نحو تعسفي السوريين بالتسبب في رميها.
وإذا كان ارتفاع معدلات الجرائم الفردية مسألة متوقعة تحت وطأة الانهيار وانحلال مؤسسات الدولة، والسلاح المتفلت الذي تغطيه الأحزاب النافذة، فثمة خطاب يتصاعد بربط ارتفاع مستوى الجريمة بوجود السوريين وحصرها بهم، على قاعدة ورود أسماء سوريين في عدد كبير من الجرائم، وأن 42% من نزلاء السجون اللبنانية هم من السوريين.
وتذكر التطورات بما حدث مطلع نيسان الجاري، إثر خلاف استجد بين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حول القيمة المالية للمساعدات التي تسعى الأخيرة إلى تقديمها للاجئين السوريين.
إذ طالبت المفوضية حينها السماح لها بدفع مبلغ تصل قيمته إلى نحو 45 دولاراً شهريًا لكل عائلة مسجلة لديها، ورفع مستحقات كل أسرة بالليرة من 2 مليون و500 ألف إلى نحو 15 مليون ليرة. لكن وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار رفض ذلك، ووضع المطلب "في خانة تهديد الاستقرار بين اللبنانيين والسوريين، بتجاوز قيمة المساعدات لكل أسرة لاجئة سورية، أكثر من ضعفي راتب موظف عام، وحتى أكثر من راتب وزير".
وهو ما يذكر أيضًا بتصريح أدلى به محافظ بعلبك بشير خضر الشهر الفائت، احتج فيه على أنه راتبه أصغر مما وصفه "راتب نازح سوري في لبنان"، في عملية ممنهجة بتضليل الرأي العام.
خلفيات وتداعيات
وواقع الحال، لم يعد مستغربًا أن السلطة السياسية تستعمل ملف اللاجئين السوريين ورقة ابتزاز داخليًا وخارجيًا، ولإعفاء لنفسها من كل ما حل من مصائب وفساد وكوارث. ولعل ما نجح به أركان السلطة، هو تعميم روايتهم على اللبنانيين، الذين ينقسمون بأحسن حال إلى ثلاث فئات:
- فئة واسعة اقتنعت وآمنت أن كوابيس عيش اللبنانيين لن تزول إلا بعودة السوريين إلى بلادهم، باعتبارهم يشكلون تهديدًا وجوديًا بالاقتصاد والجغرافيا والديمغرافيا.
- فئة واسعة أخرى تجد بالوجود السوري جزءًا لا يتجزأ من مسببات أزمتها، وأن عودتهم أحد سبل معالجتها.
- وفئة قليلة ما زالت تؤمن أن معاناة اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي أولاً بسبب المنظومة الحاكمة السياسية والنقدية، وكل ما يتفرع منها من أصحاب نفوذ ومصالح.
ومع انشغال المجتمع الدولي عن لبنان بفعل حرب أوكرانيا والتطورات الإقليمية، وكذلك عن ملف اللجوء السوري بفعل تقليص قيمة المساعدات والتمويل للمنظمات المعنية بالملف، يرى مراقبون أن لبنان -عبر هذا التحريض- يبتز المجتمع الدولي جذبًا للأموال والمساعدات.
علمًا أن السلطات المتعاقبة في لبنان والوزارات المعنية، أكثر من استفاد من الوجود السوري على مدار سنوات، درّ فيها المجتمع الدولي مساعدات بمليارات الدولارات، في التعليم والصحة والغذاء والبنى التحتية، ذهبت هباء وهدرًا. كما أن تجييش اللبنانيين ووضعهم بمواجهة مع السوريين بموصفهم "قاطعي أرزاقهم"، يتناسى فيه كثيرون بأن أصحاب المؤسسات هم أكثر من استفاد وما زال من عمالة السوريين الرخيصة، التي توازي السخرة أحيانًا، فاغتنى كثيرون من هذا الواقع الاستغلالي.
الأسد والعودة
وفيما يسخن ملف اللاجئين السوريين في الدول المضيفة من لبنان إلى تركيا والأردن، يستعجل لبنان الرسمي الانفتاح على الأسد. بينما الأخير لا يحرك ساكنًا بملف اللجوء. ويعتقد كثيرون أنه لا يريد أساسًا عودة السوريين رغم كل "الدعاية الكاذبة" عن وجود مناطق آمنة، لم تمنع من اضطهاد واعتقال العائدين الذين خدعوا بالتطمينات حول سلامتهم.
ويبدو أن الملف سيتأجج في لبنان، وثمة تحذيرات من تداعيات مقلقة في الشارع تنفيسًا لأجواء الاحتقان ضد السوريين.
أما الأسد، فربما يتعاطى مع الملف كجزء من المساواة لعودته إلى الحضن العربي، في ظل فتح قنوات الانفتاح عليه، وطمعاً برفع العقوبات الأميركية والغربية، وأن تكون القوافل ليست محملة بالسوريين فحسب، بل بالمساعدات المالية الهائلة ومشاريع الاستثمار والإعمار التي تكرس شرعيته وسطوته على سوريا.
* جنى الدهيبي - المدن
تعليقات: