دولار جمركي بـ90 ألفاً يفتتح أيّار: أيّ سلع ستلتهب؟

فوضى تسعير علنيّة، ومضاربة غير واضحة (علي علوش)
فوضى تسعير علنيّة، ومضاربة غير واضحة (علي علوش)


يفتتح شهر أيّار موسم الصيف في لبنان بأسعار ناريّة قد تسبق ارتفاع درجات الحرارة، بعد رفع حكومة ميقاتي الدولار الجمركي للمرة الرابعة على التوالي في أقلّ من 4 أشهر، من 60 ألف ليرة إلى 90 ألف ليرة، مع ربطه بسعر منصّة صيرفة. فقد ارتفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة في نهاية عام 2022 (بسعي من الحكومة إلى رفع إيراداتها لتأمين تمويل موازنتها)، ومن ثمّ إلى 45 ألف ليرة في شهر شبا ط 2023 (بحجّة تأمين التمويل اللازم لزيادة بدل النقل اليومي إلى موظفي القطاع العام والعسكريين والمعلمين)، ليعود ويرفع إلى 60 ألف ليرة في شهر نيسان، على أن يُعمل به في الفترة الممتدة من 18 نيسان الى 30 منه، ويربط بمنصة صيرفة ابتداءً من شهر أيّار، في محاولة الحكومة تأمين إيرادات لتمويل زيادة سلسلة الرتب والرواتب الثانية لموظفي القطاع العام، بعد فشلها في تأمين ايرادات لتمويل الزيادة الأولى.


زيادة نسبة التضخّم

هذا الرفع المستمرّ للدولار الجمركي، يؤدّي تلقائيّاً إلى زيادة نسبة التضخّم في أسعار السلع. إذ كشف آخر تقرير صادر عن البنك الدولي أن لبنان يتصدر قائمة الدول العشر التي تعاني من تضخم أسعار الغذاء. لا بل جاء لبنان في المرتبة الأولى عالمياً، بعد أن بلغت نسبة التضخم السنوية في لبنان 139% في أسعار الغذاء (من تشرين الثاني2022 ولغاية شباط 2023) متجاوزاً زيمبابوي، التي جاءت في المرتبة الثانية بمعدل تضخم سنوي بلغ 138 %.

وحسب التقرير الذي جاء بعنوان "تزايد إنعدام الأمن الغذائي في العالم"، فان "لبنان من الدول القليلة حول العالم التي ارتفع فيها معدل تضخم أسعار الغذاء بوتيرة شهرية وبنسب تزيد عن30% في الفترة الممتدة من آذار2022 ولغاية شباط 2023".

وبالتالي، فانّ قرار الحكومة برفع الدولار الجمركي ليس سوى امتداد لنهج الترقيع الذي انتهجته حكومة ميقاتي منذ استلامها. فما سيعطى للموظفين في يد سيؤخذ منهم في يد أخرى! وهو ما يجمع عليه جميع الخبراء الاقتصاديين، ولكنّ الحكومة وعلى ما يبدو مصرّة على الاستمرار في سياسة الأذن الطرشاء.


المواطنون يخزّنون السلع

وإلى ذلك، أدّت سلسلة الاعلانات الحكوميّة عن رفع الدولار الجمركي، وصولاً إلى ربطه بمنصّة صيرفة ابتداءً من شهر أيّار المقبل، إلى هجمة كبيرة للمواطنين على السوبرماركت لتخزين سلع غذائيّة بأرخص سعر ممكن، قبل رفعها على سعر الصرف الجديد. وأعلنت إدارة الاحصاء المركزي أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر آذار 2023، سجّل ارتفاعاً وقدره 33,27 % بالنسبة لشهر شباط 2023. كما سجل مؤشّر أسعار الإستهلاك في لبنان لشهر آذار 2023 ارتفاعاً وقدره 263,84 % بالمقارنة مع شهر آذار 2022.


زيادة الأسعار بنسبة 15%؟

من جهّته، كان رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، هاني بحصلي، قد صرّح بأن "ارتفاع سعر الدولار الجمركي سيزيد من أسعار السلع الغذائية. فكل ارتفاع بـ15 ألفًا في الدولار الجمركي سيؤدي إلى ارتفاع 5% في أسعار السلع". ما يعني أنّ الزيادة على الأسعار ستصل إلى 15%.

ولكن، عاد وأوضح بحصلي في حديث خاص لـ"المدن" أنّ "الزيادة التي تحدّث عنها ستطال الأصناف التي تدفع ضريبة جمركيّة 35%. وهي تحديداً الخضار والفاكهة المعلّبة، من ذرة، وفطر، وخضار مشكّلة، وغيرها. وبالتالي، فإنّ الزيادة نسبيّة حسب الضريبة الجمركيّة المفروضة بالأساس على الصنف المستورد".

وتابع "فالأجبان المستوردة على سبيل المثال، تدفع بالأصل ضريبة 25% حالها حال السكاكر أيّ الشوكولا والبيسكويت المستورد، وهذه لن تطالها زيادة الـ5% بل واستنادا إلى القاعدة الثلاثيّة (regle de trois) ستلحقها زيادة بنسبة 3.5% (35×5÷25). في المقابل، قد تلحق الصناعات غير الأساسيّة كالكاتشاب والمايونيز على سبيل المثال زيادة أعلى من 5%. فضريبة هذه المواد الأصليّة هي 70%، وبالتالي ستشهد ارتفاعاً على سعرها بنسبة 10%".


الحبوب معفيّة من الضرائب

وأضاف، "السلع المحليّة لن تتأثرّ كثيراً بالارتفاع، فلن تلحقها زيادة الـ5%. وبالتالي، قد يلجأ المواطنون إلى استبدال بعض السلع المستوردة بالتي لها بديل محلي"، مطمئناً أنّ "الأصناف الأساسية مثل الأرز والسكّر والحبوب لن ترتفع أسعارها، فهي معفية من الجمارك أصلاً، وبالتالي لا يجب أن تشهد زيادةً في الأسعار".

وعن ارتفاع مؤشّر الاستهلاك علّق "على الرغم من عدم اتكالنا على الأرقام الصادرة، لعدم وضوح آليّة الاحتساب، وعدم وجود أرقام حقيقيّة يمكن الاستناد عليها، إلاّ أنّه من حقّ المواطن أن يلجأ إلى تخزين بعض الموادّ الغذائيّة لحماية نفسه، بشرط أن يكون هذا التخزين منطقي وباعتدال، يسمح له بتأمين قوته، ولا يحرم غيره منه. فتخزين كميّات من الموادّ الغذائيّة بشكل مبالغ فيه، سيؤدّي إلى تلف هذه الأخيرة وبالتالي مزيد من الخسارة".


للصناعات المحليّة حصّتها

هذا وتطال الزيادة جميع الموادّ المستوردة، ومنها الخضار والفاكهة، والمواد الغذائيّة وعلى رأسها المعلّبات والحبوب، إلى جانب أدوات التنظيف، فالالكترونيّات وغيرها من السلّع. فحسب حديث بحصلي لـ"المدن": "قد تشهد هذه الأخيرة ارتفاعاً بنسبة تتراوح بين الـ5 والـ10%".

وحسب مصادر اقتصاديّة مطّلعة على حركة ارتفاع الأسعار في المتاجر، في حديثها لـ"المدن": "لن تستثنى الصناعات المحليّة من هذا الارتفاع طالما أنّ معظم هذه الأخيرة تستورد الموادّ التي تدخل في صناعتها من الخارج (راجع "المدن"). إلاّ أنّ الارتفاع لن يكون كبيراً مقارنة بالسلع المستودرة الأخرى".


اعتماد الـ90 ألف ليرة قبل الـ60 ألفاً

وفي جولة لـ"المدن" على بعض المتاجر والدكاكين، يتبيّن اختلاف كبير في أسعار السلع بين متجر وآخر. فقامت بعض السوبرماركت بالتسعير سلفاً وفق منصّة صيرفة أيّ على دولار 90 ألف ليرة، فيما بعض الدكاكين اعتمدت سعر صرف 70 ألف ليرة للسلع، كرقم وسطي، للحدّ من خسائرها، حسب حديث بعض أصحاب هذه الدكاكين.

أيّ أنّ المتاجر لم تعتمد تسعيرة الـ60 ألفاً للدولار الجمركي، للفترة الممتدة من 18 نيسان إلى 30، بل سعّرت أعلى بـ10 آلاف أو 30 ألف ليرة حتى، وبذلك ارتفاع الأسعار تخطّى الـ10% حتى قبل إقرار العمل بدولار صيرفة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الارتفاع جاء على مستويين، الأوّل في تسعير السلعة على الرفّ، والثاني في سعر الصرف المعتمد من قبل المتجر للدفع على الصندوق. فإذا كان الارتفاع الذي طال الأوّل يتجاوز الـ10% فالارتفاع الذي طال الثاني تخطّى الـ2000 ليرة. ففي الوقت الذي يستقرّ فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء على حاجز الـ97 ألف ليرة، تعتمد بعض المتاجر سعر صرف 99 ألف ليرة أو 100 ألف ليرة للدفع على الصندوق. وطبعاً إذا ما أراد المواطن الدفع باللبناني يحتسب سعر صرف الدولار على الرقم الأعلى، أمّا إذا أراد الدفع بالدولار فيحتسب سعر الصرف على الرقم الأدنى، أيّ 96 ألف ليرة أو 95 ألفاً.

فالسكّر 900 غرام، على سبيل المثال، كان يباع بـ70 ألف ليرة، فيما اليوم أصبح في بعض المتاجر مسعّرا بـ80 ألفاً وفي أخرى بـ100 ألف ليرة.

أمّا نصف كيلو الأرزّ فكان على صاحب الدكّان بـ72 ألف ليرة، ويباع في الأسواق بـ90 ألف ليرة و100 ألف ليرة، فيما 2 كيلو يتخطّى سعره الـ200 ألف ليرة، حسب النوع.

أمّا زيت القلي، ولسبب مجهول، فانخفضت كلفته الرئيسيّة على صاحب الدكّان. فبعد أن كان الصندوق بـ34$ أصبح يعرض بـ29$. ما يعيده أصحاب بعض الدكاكين، في حديثهم لـ"المدن"، إلى الاستقرار بسعر الدولار في السوق السوداء. هذا على عكس التبغ، الذي يرتفع سعره يوماً بعد يوم. فقد نجد علبة "السيدرز" في بعض المناطق تباع بـ45 ألف ليرة، فيما يصل سعرها في مناطق أخرى إلى الـ70 ألف ليرة!

وبالتالي، أصبح المواطن أمام فوضى تسعير علنيّة، ومضاربة غير واضحة آليّات تسعيرها. وهذا كلّه قبل بدء العمل بدولار جمركي على سعر صيرفة رسمياً. وبالتالي، قد يشهد المواطنون ارتفاعاً بالأسعار ستفوق نسبته أكثر بكثير الـ15 % التي يتحدّث عنها التجار.

تعليقات: