«صراع» اللاجئات السوريات واللبنانيات: تعدد الزيجات.. والاستغلال الذكوري

الظروف الصعبة ترافق السوريات كل يوم (Getty)
الظروف الصعبة ترافق السوريات كل يوم (Getty)


في معرض متابعة تداعيات الحملة السياسية والإعلامية التي تخاض في ملف النزوح السوري، يتكرر الحديث في بعض المجتمعات المضيفة، عن اختراق بعض الثقافات الريفية السورية للمجتمع اللبناني، وخصوصاً بنزعاته لتقبّل الزواج المبكر للفتيات كما لتعدد الزوجات، فلم يعد هذا الفعل منبوذاً أيضاً داخل المجتمعات التي "اجتاح" فيها النازحون القرى البقاعية بأعداد كبيرة. بل بات يشكّل الزواج المختلط بين لبنانيين وسوريين القاسم المشترك بين هذه المجتمعات.


فرصة الهروب من البؤس!

بديهية الأمور تشير إلى كون هذا الزواج يتم بين ذكور لبنانيين وإناث سوريات في معظم الأحيان. إذ أن قساوة حياة شبه البدوية التي يعيشها السوريون في مخيماتهم منذ بدء نزوحهم إلى لبنان، والتي تفتقد إلى أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية، لا تجذب الفتيات اللبنانيات. بينما قد تجد الفتاة السورية في أي رجل لبناني، فرصة لانتشالها من حالة البؤس التي فرضت على معظم النازحين السوريين منذ بدايات تشردهم من وطنهم، وللخلاص من تداعيات النزوح الكبرى على فئاتها الأكثر تهميشاً، أي الأطفال والنساء. فبات البعض يتحدث في مجتمعات اللبنانيين عن منافسة السيدات السوريات للسيدات اللبنانيات حتى على أزواجهن.

يقول أحدهم ممازحاً، أنه لا يستبعد أن تكون النساء اللبنانيات هن وراء الحملة التي شنّت مؤخراً للمطالبة بترحيل النازحين. إذ باتت السيدات غير واثقات تماماً من رجالهن، ويخشين أن يفاجئهن الأزواج بزيجات ثانية في كل لحظة. مضيفاً أن سيدات كثيرات بتنا تتجنبن الخلاف مع أزواجهن خوفاً من أن يتزوج سورية ويطلقهن. خصوصاً أن الزواج الثاني في هذه الحالة لا تترتب عليه نفقات كبيرة، ويعقد من دون مهر أو احتفال، ويكفي فقط تسجيله وإبراز إشهاره كشرط.

ويشير خالد غنيم، عضو مجلس بلدية مجدل عنجر، الممسك بملف النزوح في هذا الإطار، إلى "أن موضوع الزواج المختلط ليس مجرد شائعات، بل بات لبنانيون كثيرون في المجتمعات المضيفة، يفضلون الزوجة السورية على اللبنانية".


ظاهرة الزوجة الثانية

ظاهرة حاولت أن تلفت إليها أيضاً نائبة رئيس بلدية عرسال سابقاً، ريما كرنبي، في برنامج تلفزيوني، إذ تحدثت عن تفشي عدوى الطلاق والزواج المبكر للفتيات في المجتمع العرسالي، كظاهرة غريبة عن تقاليدها انتقلت عدواها من مخيمات النازحين الذين تستقبلهم عرسال بأعداد ضخمة. وقد حاولت "المدن" استيضاح كرنبي المزيد من التفاصيل عن ما طرحته، إلا أنها اكتفت بما قالته سابقاً، غير مستغربة الذكورية التي أظهرها المشاركون بالبرنامج، من خلال تلقيهم الشكوى باستخفاف.

فيما لفت قائمقام البقاع الغربي وسام نسبيه، رداً على سؤال، إلى كون الزواج المختلط بين اللبنانيين والسوريين ليس ظاهرة جديدة بالنسبة لمنطقة البقاع، إلا أنها تفاقمت في فترة النزوح السوري، وباتت الزوجة الثانية بالنسبة للبنانيين قريبة جداً للواقع، بينما كان المجتمع في السابق ينبذ الرجل الذي يحضر "ضرة" إلى زوجته.

ويشير مطلعون إلى أن "متطلبات الزواج من السوريات في لبنان ليست كبيرة. ويكفي أن يؤمن لها الرجل اللبناني سقفاً متواضعاً، ليعيش معها عيشة ملوكية". علماً أن الزوجة السورية في هذه الحالة ترضي ذكورية الرجل، "الذي يبحث عن إمرأة تعرف كيف تعامله كسلطان"، حسب قول أحدهم. وبالتالي، هم يعولون على تحقق قناعاتهم المسبقة، بكون الفتاة السورية المتحدرة من مجتمع ريفي تربى على طاعة الرجل وتلبية رغباته.


التطبع الثقافي

من الطبيعي في المقابل أن تتطبع المجتمعات بعادات بعضها البعض، وخصوصاً عندما تصبح أعداد النازحين المقيمين في القرى، قريبة إلى أعداد مضيفيهم. ولكن في حالات التفوق العددي للنازحين السوريين ببعض القرى، بدلاً من أن يتطبع هؤلاء بثقافات اللبنانيين التي تنبذ تعدد الزوجات، إذ بثقافاتهم تجتاج المجتمعات المضيفة، وخصوصاً تلك الفقيرة والأقل إنفتاحاً، ثقافياً واجتماعياً، سواء في البقاع أو في عكار.

إلا أن تعميم الصورة يبدو خاطئاً كما يؤكد أحد أبناء بلدة بر الياس، مشيراً إلى أن "هذا الخيار يبقى شخصياً في كثير من الأحيان، ويرتبط بظروف خاصة قد تدفع بأحدهم للزواج من سورية، كما أنه يرتبط بدرجة الوعي والثقافة اللذين تتحلى بهما المجتمعات. وبالتالي، فإنه قد يختار أحدهم الزواج من سورية، وإدخالها زوجة ثانية على زوجته، ولكن فعله لا يرتقي إلى درجة السلوك الاجتماعي، وخصوصاً أننا لا نزال مجتمعاً محافظاً يصون الضيف ويحافظ عليه، أياً كانت الرغبات التي قد تتحكم به".

وعليه، يشدد مطلعون على أن ما نشهده من تفش لظاهرتي الزواج المختلط وتعدد الزوجات في المجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين السوريين، يقترن خصوصاً بمجتمعات تتحلى بمستوى ثقافي واجتماعي متقارب بين النازحين ومضيفيهم. وقد بدأت أولى شراراتها في بداية النزوح السوري إلى لبنان، ووثّقتها جمعيات وهيئات تعنى بأمور النازحين، لاحظت ميل لاختيار الفتيات الصغيرات بالسن، ممن فقدن أزواجهن خلال فترة الحرب. وهي شكّلت أحد متطلبات الحماية التي بدأت أولاً مع زواج نازحين سوريين من نازحات مثلهم، وضمهن إلى زوجاتهم السابقات في خيمة واحدة. فيما اعتبر هذا الزواج بين لبنانيين وسوريات في بعض المجتمعات المضيفة، فعلاً تضامنياً مع الشعب السوري الهارب من نظامه، حين صدرت حتى بعض الفتاوى الدينية التي تدعو اللبنانيين للزواج من سوريات و"سترهن".


واقع مخيف

في المقابل، كان لامتداد أحداث سوريا لفترة طويلة، وما خلفته الهجرة الواسعة في صفوف الشباب، أو حتى مقتل واختفاء عدد كبير منهم، تداعيات على التوازن الاجتماعي بين النساء والرجال. فشكًل الزواج المختلط هروباً من واقع مخيف كان على بعض السيدات مواجهته مع عائلاتهن وحيدات، ومحاولة حتى لحماية الفتيات الصغيرات من التحرش أو الإعتداءات الجنسية.

وهذا، إلى أن بدّلت السنوات الطويلة درجة التعاطف الإنساني وحتى السياسي مع قضية النازحين السوريين. فشكّلت ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمعات السورية، الشرارة التي أطلقت الحملة الواسعة على النازحين السوريين في لبنان، بعد الشريط المصور الذي ظهر فيه أحد النازحين مع رئيس بلدية القاع، وهو يتحدث عن زواجه من أربع سيدات وتقاضيه مساعدات من الهيئات المانحة على أطفاله الـ16 منهن.

رد الفعل اللبناني جاء مبرراً لناحية تجاوزه الهواجس من مخاطر التفوق الاقتصادي للنازحين على مضيفيهم اللبنانيين، إلى الحديث عن تفوق ديمغرافي يسمح به هذا التعدد بالزوجات، خصوصاً أن المجتمعات اللبنانية المضيفة لم تتطبع كلياً بهذه الثقافات، بل يبدو الشباب اللبناني في معظم الأحيان غير قادر على تأمين متطلبات زواج أوّل له.


البعد الاقتصادي.. و"الحريمية"

وهذا، وفقاً لمتابعين، ما يسمح بفهم تنامي فكرة إقبال اللبنانيين على الزواج من السوريات مجدداً، عبر إعطائها بعداً اقتصادياً، يتعلق هذه المرة بالواقع الاجتماعي المتردي للبنانيين عموماً. فاقتران الشاب اللبناني بالفتاة السورية صار أكثر ارتباطاً بواقع حاله، من ارتباطه بواقع السوريين في مخيماتهم. حيث وجد الشاب اللبناني ضالته لدى النازحات السوريات، عندما عجز على الارتقاء بإمكانياته الاقتصادية إلى حجم متطلبات الفتاة اللبنانية. وبات هذا الزواج أقرب إلى الواقعية، ليس فقط من ناحية القناعة التي يترقّبها من الفتاة السورية عند التقدم لزواجها، بل لما يوفّره هذا الزواج من شعور دائم بـ"التفوق"، أقّله من ناحية منح الزوجة الاستقرار الذي يمكن أن توفره لها الجنسية اللبنانية. بمقابل ما يتوقعه من زوجته من خدمة مجانية ترضي بعض الذكورية المتأصلة غرائزياً، وتسمح بالتالي بممارسة الثقافات "الحريمية".


يقول أحدهم "البنت السورية لا بدها مهر ولا خطوبة، ولا ذهب ولا بيت ملك، بيكفي تأمنلها سقف بيت، لتقدسك".


لا شك أن هذه الأفكار تبقى عرضة للمواجهة والتصدي من قبل الجمعيات والهيئات الناشطة، التي تعمل منذ مدة على مكافحة الزواج المبكر بالنسبة للفتيات السوريات، وعلى النضال من أجل حقوقهن للحصول على الاحترام المتبادل في العلاقات الزوجية.


إلا أن الضغوط التي يتعرض لها المجتمع السوري بظل الحملات التي تشن لترحيله النازحين حالياً، من شأنها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة لجهود هؤلاء في تمكين النساء. فتضعهن مجدداً فريسة لرغبات ذكورية، تصوّر إقبال اللبنانيين على الزواج من السوريات كخدمة مجانية، تسمح لهن بالاستقرار في لبنان، في حال فرض عليهن مغادرة أراضيه قسراً. فتكون النتيجة سقوط نازحات سوريات فريسة حياة فقيرة، في مواجهة يخوضها حتى الآن الفقراء، سواء أكان هؤلاء من اللبنانيين أو السوريين.

العودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: