سارعت الشركات ووزارة الطاقة إلى التعاقد قبل تأمين التمويل (مصطفى جمال الدين)
لمواجهة نقص التغذية بالتيار الكهربائي، وانسجاماً مع التحوُّل الدولي نحو الطاقة الشمسية، لما لها من أثر بيئي نظيف ووفر بكلفة الإنتاج على الدولة والمواطنين، وقَّع وزير الطاقة وليد فيّاض، يوم الجمعة 5 أيار، "عقود شراء الطاقة" مع 11 شركة (عبارة عن تحالفات بين شركات) نالت في 12 أيار 2022، رخصة لإنتاج الكهرباء بموجب قرار مجلس الوزراء. على أن الدخول في هذا الملف تمَّ بخطوات غير محسوبة بصورة صحيحة.
الدفع بين الدولار النقدي وسعر صيرفة
من المفترض أن تبني الشركات 11 محطة تنتج جميعها 165 ميغاوات، وتبيعها لمؤسسة كهرباء لبنان بأسعار تتراوح بين 5.7 سنت لكل كيلوات ساعة منتجة من المحطات المبنية في منطقة بعلبك الهرمل والبقاع، وبسعر 6.27 سنت للكهرباء المنتَجة من المحطات الأخرى. ويختلف السعر حسب توفُّر قوّة أكبر للشمس في بعلبك الهرمل والبقاع، مقارنة مع المناطق الأخرى.
بعد إتمام الشروط التقنية والمالية العالقة، من المفترض بدء الإنتاج في أيار 2025، وتوزيعه على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان، التي ستدفع ثمن التيّار الكهربائي الجديد بنسبة 70 بالمئة بالدولار النقدي و30 بالمئة بالليرة وفق سعر دولار منصة صيرفة، على أن تبيع التغذية للمواطنين بأسعار تتراوح "بين 10 و27 سنت للكيلوات"، وفق ما تقوله لـ"المدن"، مصادر إدارية في المؤسسة.
ورأى فيّاض، خلال توقيع العقود، أن الأسعارالتي قدّمتها الشركات "عادلة جداً، مقارنة مع كلفة الكيلوات المنتجة حالياً من معامل المؤسسة، والتي تصل إلى 17 سنت". وللتأكيد على تلك العدالة "قمنا في وزارة الطاقة باستشارة العديد من المؤسسات الدولية الداعمة للبنان ومؤسسات التمويل الدولية العاملة فيه للتأكد من عدالة الأسعار الواردة في هذه العقود".
البحث عن التمويل
سارعت الشركات ووزارة الطاقة إلى التعاقد قبل تأمين التمويل المقدَّر بـ200 مليون دولار، وسط معطيات محلية ودولية غير مشجِّعة. فالشركات لا تملك التمويل الكامل لبناء المعامل وتغطية النفقات المتعدّدة، ومنها كلفة استئجار الأراضي التي ستبنى عليها المعامل. وبذلك، ستلجأ الشركات لـ"البحث عن تمويل بنسبة 75 من مؤسسات ومصارف دولية وتؤمِّن هي نسبة الـ25 بالمئة الباقية، وفق ما يقوله لـ"المدن"، جورج جحا، المدير العام لشركة "إيكو سيس" Ecosys التي ستتولّى مع شركة Kaco، بناء معمل في محافظتي بعلبك الهرمل والبقاع.
"لا موافقات على التمويل حتى الآن من أي جهة دولية"، يؤكّد جحا الذي يتخوَّف من صعوبة تأمين التمويل لأن "لا أحد مستعداً للإقراض في هذه الأوضاع، خصوصاً وأن المشروع يأتي بالتعاون مع مؤسسة كهرباء لبنان". وفي حال الموافقة على التمويل "ستكون الفوائد وكلفة التأمين عليها مرتفعة جداً، نظراً لمخاطر تمويل هذا المشروع". ومن ناحية ثانية، يأمل جحا التزام مؤسسة الكهرباء بالدفع للشركات بعد تحصيل الفواتير من المواطنين واستبدال الليرة بالدولار عبر مصرف لبنان. وفي حال عدم إنجاز تلك المتطلّبات "لن يسير المشروع". ما يعني حسب جحا، أن "الشركات تغامر في هذا الاستثمار الذي لن يبدأ قبل إصلاح البلد".
وكعادتها، لا تُلزِم المؤسسة نفسها بشيء. فليست هي مَن يتعاقد مع الشركات، وفق ما توضحه المصادر. ولا تستطيع المؤسسة مستقبلاً جزم حصولها على الدولارات من مصرف لبنان، خصوصاً وأنها اليوم تعاني من ارتفاع كلفة التمويل، إذ يزيد المركزي 20 بالمئة على قيمة الدولارات التي يبيعها للمؤسسة بالليرات المدفوعة من أموال الجباية. وتحيل المصادر مسألة التمويل على الحكومة ومصرف لبنان.
لم يترك مجلس الوزراء باب إيجاد التمويل مفتوحاً أمام الشركات. فبموجب العقود، أمام الشركات مهلة سنة لإيجاد التمويل وتأمين كافة المستندات اللازمة، وإلا سيحال الملف على مجلس الوزراء وقد يتم فتح المجال أمام شركات أخرى. وفي حال السير بشكل إيجابي، سيكون أمام الشركات سنة أخرى لإنشاء المعامل وربط المحطات بالشبكة وإنتاج الكهرباء وبيعها.
الكلفة غير نهائية
إيجاد التمويل الدولي سيكون نظرياً وفق أسعار حدّدتها الشركات بموجب إعلان نوايا تم في العام 2017 وأُدرِجَ في العام الماضي داخل العقد الذي لم تُنشَر تفاصيله حتى الآن. ومع ذلك، لا ينفي جحا إمكانية تعديل الأسعار لأن "الفوائد العالمية ارتفعت على التمويل وعلى التأمين عليها. ويجب أن نرى ما إذا كان البيع بأسعار بين 5.7 سنت و6.2 سنت، مربحاً للشركات". وعليه، فإن كلفة إنتاج الكيلوات، غير محسومة، وكذلك كلفة مبيعه من مؤسسة الكهرباء للمواطنين.
ولم يوضح فيّاض في كلمته خلال توقيع العقود، ما ستؤول إليه الأمور في حال تم رفع الشركات للكلفة، لأنها ستؤثّر حكماً على سعر مبيعها للناس، مما يرفع فاتورتهم، وتصبح المؤسسة بحاجة إلى كميات أعلى من الدولارات من مصرف لبنان.
في حسبة موازية، ستحتاج مؤسسة الكهرباء إلى كميات إضافية من الفيول لضمان استمرار تأمين الحد الأدنى المطلوب من التغذية في معاملها لتتمكَّن من استقبال الكهرباء الآتية من محطات الطاقة الشمسية. ووفق فيَّاض، فإن الوزارة، وبموجب خطة الكهرباء التي وضعتها "ستؤمِّن نحو 40 بالمئة من حجم الإنتاج على الشبكة. والوزارة تعمل على ضمان استمرار التغذية".
هل سنرى الكهرباء؟
مع بدء الإنتاج، سيستمر العقد مع الشركات لمدّة 25 سنة. ستؤمَّن خلاله الكهرباء "بنحو 5 ساعات يومياً خلال النهار، ولن تؤمَّن خلال الليل لأن المعامل لن تُجَهَّز ببطاريات تحفظ الطاقة، لأن الكلفة في تلك الحالة سترتفع". ويطمئن جحا إلى أن الكهرباء ستتوفَّر "من الساعة 6 صباحاً حتى الساعة 7 مساءً". لكن ضمان إنتاج الكهرباء من معامل الطاقة الشمسية لا يقابله ضمان إبقاء شبكة مؤسسة الكهرباء محمَّلة بطاقة كافية. فذلك يستوجب توفير الفيول لتشغيل المعامل، أي البحث عن مصادر جديدة للدولارات. وفي جميع الأحوال، قد يتراجع التقنين، لكنه لن يضمحل.
لا يستسيغ مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون ما بدأته الوزارة في العام 2017 وما تستكمله اليوم. وبعيداً من الناحية القانونية "المشبوهة" لعملية التلزيم التي جرت خلافاً للقوانين، وانطلاقاً من دفتر شروط وضعته جمعية خاصة هي المركزي اللبناني لحفظ الطاقة، فإن الجانب المالي للمشروع غير سليم. وكان من المفترض بمجلس الوزراء "سؤال الشركات عن مدى التزامها بالعرض بعد تغيُّر الأوضاع المالية في لبنان والعالم مقارنة مع فترة ما قبل التوقيع". ويستغرب في حديث لـ"المدن" عملية التلزيم التي حصلت قبل تأكُّد الوزارة حول استطاعة الشركات الالتزام بالجدول الزمني للعمل أم لا، وهذا يستدعي تقديم الشركات لكفالات مالية واضحة. والتأكيد على عدم وجود غرامات تأخير تستجد على الدولة اللبنانية في حال حدوث أي تأخير في العمل، يُرمى على عاتق الدولة. كما أن الأكلاف المنصوص عليها في العقود، بحسب الوزير والشركات، "مرتفعة"، بالنسبة لبيضون.
لا تمويل لدى الشركات لبناء المعامل، ولا دولارات لدى مؤسسة كهرباء لبنان لشراء الإنتاج، ومع ذلك، رَتَّبَت وزارة الطاقة ومجلس الوزراء وبموافقة وزارة المالية، "توقيعاً على بياض" لشركات لم تحسم قرارها بالسير في المشروع أم لا. ما يطرح تساؤلات حول نوايا إقفال الباب أمام أي شركات أخرى قد تدخل الميدان بأسعار ومواصفات أفضل، وإلاّ، فلماذا لم يُفتَح المجال أمام الشركات الجاهزة في أقصر وقت وأقل كلفة، وهي الذريعة التي تستعملها الوزارة كلّما أرادت تمرير مشروع، على غرار بواخر الطاقة التركية التي تعاقدت معها الوزارة سريعاً، بحجّة الوقت وجهوزية الشركة. وترتفع أسهم التساؤلات عند إقران تجربة الطاقة الشمسية بطاقة الرياح، فمشاريع التمويل لتلك الطاقة ذهبت مع الريح، وما زال الناس بلا كهرباء.
تجدر الإشارة إلى أن الشركات هي تحالف Ecosys- Kaco، تحالف Dawtec- Looop- Staunch وتحالف Labwe Solar ستعمل في محافظتي بعلبك - الهرمل والبقاع. أما في محافظة جبل لبنان، فسيعمل تحالف Joun Pv وتحالف Sibline Solar Farm وتحالف E/One. وفي محافظتيّ لبنان الجنوبي والنبطية، سيعمل تحالف South Power وتحالف Rimat 15 وتحالف GDS- ET- Nabatiyeh. وفي محافظتيّ لبنان الشمالي وعكار سيعمل تحالف Kfifane- Phoenix وتحالف Elect- STC- Solistis.
تعليقات: