لا تزال قضية 52 مليون دولار المعتبرة من حقوق الجامعة اللبنانية موضع سجال كبير (مصطفى جمال الدين)
في إطار حملاتها الصدامية مع "خصوم" الجامعة اللبنانية من شركات الطيران المدني في لبنان، نَفذ الاتحاد الطلابي العام – الهيئة التأسيسيّة، ليل الخميس 11 أيار، تحركًا طلابيًا احتجاجيًّا على متن طائرة الشرق الأوسط العائدة من العراق إلى مطار بيروت الدوليّ حوالى السّاعة الثامنة مساء الخميس، واكبته "المدن"، وتمثّل بإلقاء أحد الأعضاء التنفيذين بيانًا، طالب فيها الشركة المذكورة بتسليم مال الجامعة المُحتجز منذ نحو السنتين ونيف، المشتمل على 52 مليون دولار أميركي من عائدات فحوص الـ"بي سي آر". وتوعد طالب الجامعة اللبنانية، طارق سرحان، الشركة بتصعيدٍ آخر، معتبرًا أن هذا البيان هو تحذير وإنذار مُسبق قبل استرداد الحقّ المُكتسب قضائيًا بـ"سواعدهم".
بالمقابل، تموج صفحات التواصل الاجتماعي وروابط وتكتلات أساتذة الجامعة اللّبنانيّة غضبًا وسخطًا منذ أمس. ففي آخر المستجدات، تمّ تسريب خبر مفاده توجه إدارة الجامعة لتقييد الظهور الإعلامي لأساتذة الجامعة، بُغية امتصاص حالة الغضب العارمة ووضع عراقيل إضافية أمام الأساتذة الغيارى على وضع الجامعة المأزوم، والمنتفضين إزاء واقعهم المعيشيّ الصعب. في خطوة جديدة للإطاحة بأيّ نشاط نقابي جديّ، بدءًا بمصادرة قرار الأساتذة وتهميش مطالبهم في الجمعيات العموميّة التّي يقاطعها هؤلاء بدورهم، مرورًا بمنعهم عن الإضراب، وصولاً لتحديد وتقييد ومصادرة حقّهم في التّعبير والاحتجاج، تمثلاً وتقليداً لما ابتدعه نقيب المحامين وما قرره وزير العدل.
داخل الطائرة
غُداة انطلاق طائرة الشرق الأوسط (الميدل إيست) العائدة من مطار بغداد إلى بيروت، وقف الطالب طارق سرحان خاطبًا بجموع ركاب الطائرة، وعلى مسمع من المسؤولين والموظفين قائلاً: "هذه الشركة تنهب الطلاب! عمدت شركتي النقل الجويّ اللبنانيّ "أل أي تي" وشركة طيران الشرق الأوسط "الميدل ايست" إلى سرقة حقّ الجامعة اللبنانية المقدر بحوالى 52 مليون دولار على إثر اتفاقية فحوص الكوفيد عند الوصول الى مطار بيروت، بين وزارة الصحة، والشركتين المذكورتين وشركات خاصّة أخرى والجامعة اللبنانية. فبعد تشغيل القدرات والإمكانيات الجامعية على صعيد الموارد البشرية (أي طلابيًا) والتقنية (المختبرات)، بالإضافة إلى العاملين في الجامعة، لإتمام غرض هذه الاتفاقية، تخلفت الشركتان عن دفع المستحقات المتوجبة عليها للجامعة، أي الأرباح، رغم واقع الجامعة المقبل على انهيار تامّ. إن هذا التخلّف مستمر رغم صدور حكم قضائي يقضي بإلزام الشركات بتحويل المبالغ المستحقة بالدولار الفريش. هذه الشركة خالفت القانون وسرقت الملايين من حقّ الجامعة الوطنية".
وأضاف سرحان: "لذا فلتعلم الشركات، والدولة خلفهما، إما يُطبق القرار القضائي أو سنطبقه بسواعدنا نحن الطلاب وباسم الشعب. ومن هنا ندعو عمال الميدل إيست وعمال شركة الطيران الجويّ اللبنانيّ، إلى التضامن مع حق الطلاب في التعلم بالجامعة وطنية، والضغط مع الطلاب من أجل تحصيل الأموال التي نهبت من الجامعة".
وفي هذا السّياق يُشير الطالب طارق سرحان، وهو طالب شهادة الماجستير في حقوق الإنسان وحريّة التعبير في الجامعة اليسوعيّة، في حديثه مع "المدن" أنه وغداة إلقائه للبيان، لاحظ إقبال وتضامن الرّكاب والشباب منهم على وجه التحديد، والذين تطوعوا لمساعدته لدى اقتراب بعض المسؤولين لمنع التصوير، بعضهم من الطلاب الجامعيين الذين اضطروا للسفر إلى العراق للعمل، في خضم الأزمة الاقتصادية، والتّي أطاحت بكلّ طموحاتهم وسلّخت عنهم كل التعب في استحصال الشهادة للعمل بكرامة في لبنان. ويستطرد سرحان قائلاً: "لدى انتهائي من قراءة البيان، جاء أحد المسؤولين وطلب مني الجلوس وعدم تكرار هذه الخطوة أو ما هو أكثر في حرم الطائرة، وأن هذه الأمور تُعالج على الأرض لا في الجوّ، ومن أجل السلامة العامة أيضًا. وأنا كنت قد انتهيت من قراءة بياني فجلست. لا أنكر أنني كنت قلقًا من احتمال توقيفي. لكن للآن لم أتبلغ بأي إشارة للتوقيف بانتظار 24 ساعة المقبلة".
وفي هذا السّياق يُشير العضو في الهيئة التنفيذية للاتحاد الطلابي العام، أن هذه الخطوة التحذيرية التصعيدية "هي واحدة من الخطوات المتمردة المقبلة. كل محاولات السّلطة اللبنانيّة لمساندة حيتان المال في هضم حقّ جامعتنا وقمع محاولاتنا لاستردادها، لن تصدّع من إرادة صمودنا في وجهها، وفي وجه كل لصّ أقحم أصبعه في نهب وسرقة وانهيار الجامعة اللبنانية وتشريد طلابها وتفقير كادرها التعليميّ والإداري".
أساتذة الجامعة اللبنانية
نقلت إحدى الصحف المحليّة منذ نحو اليومين خبراً تمّ تسريبه من مصادر إدارية في الجامعة اللبنانية، مفاده توجه الأخيرة لتقييد الظهور الإعلامي للأساتذة الجامعيين على منوال ما قامته به نقابة المحامين بشخص نقيبها ناضر كسبار، من مصادرة حقوقهم في التّعبير والاختلاف، بحجة واهية انطوت على تخوف النقيب من "تفلت المحامين في الإعلام والميدان الافتراضي". وخطوة التقييد نفاها رئيس الجامعة في بيان نُشر له يوم الأربعاء العاشر من أيار الجاري، مشيرًا في مستهله أنه "وبعد التداول إعلاميًّا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عن توجه بتقييد الظهور الإعلامي لأساتذتها، تنفي رئاسة الجامعة اللبنانية نفيًا قاطعًا ما يتم تناقله، وتؤكد حرصها على حرية التعبير كحرصها على حرية التعليم المكفولَين في الدستور. وتتمنى رئاسة الجامعة اللبنانية من وسائل الإعلام الرجوع إليها للتحقق من المعلومات".
لكن خبر التقييد وما تلاه من نفيّ رسميٍّ ، أثار حفيظة شريحة واسعة من الأساتذة في الجامعة اللبنانيّة الذين اعتبروا أن هذا الخبر هو محاولة لجس نبضهم والتضييق عليهم بعد تهافتهم للمطالبة علانيّةً بحقوقهم. وفي هذا الإطار، استنكر المسؤول الإعلامي في تجمع أساتذة "لإنقاذ الجامعة اللبنانية" لـ"المدن" هذا الإعلان الذ يشي بالقمع الممنهج للأساتذة المنكوبين قائلاً: " نفى رئيس الجامعة الخبر المشتمل على توجه الرئاسة لتقييد الظهور الإعلامي للأساتذة، لكن الواقع يدحض هذا النفي، فهناك تقييد خطير لحرية التعبير يمارسه رئيس الجامعة من خلال منعه الأساتذة من الإضراب أو التوقف القسري. وهذا الأمر تأكد العام الماضي خلال الإضراب، حين ضغط على العمداء وتواصل مباشرة مع المدراء لفك الإضراب. وهذه النقطة الخطرة ضيعت حقوق الأساتذة".
فيما يتوعد أعضاء الاتحاد الطلابي العام السّلطات بتصعيدٍ محتمل، يسعى أساتذة إنقاذ الجامعة اللبنانية جاهدين لمنع أي انتهاك يطال حقوقهم في التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم ومطالبهم.
تعليقات: