إيزابيل الحسناء.. جاسوسة درّبها «الموساد» على طريقة إيلي كوهين!

عاشت ايرابيل بيدرو وماتت من دون أن تعلم سبب اختيارها
عاشت ايرابيل بيدرو وماتت من دون أن تعلم سبب اختيارها


يُعدّ الموت وكِبر السن ومرور الوقت "الكافي"، فرصة جيدة لجهاز "الموساد" الإسرائيلي وجواسيسه كي يكشفوا، عبر تقارير "بروفايل" إعلامية، "مغامراتهم" الجاسوسية العابرة للحدود خلال عقود خلت، سواء في دول عربية وإسلامية أو غربية.

إيزابيل بيدرو.. مثال قديم جديد على ما قيل؛ إذ كشف الإعلام العبري، منذ ثلاثة عشر عاماً، النقاب عن مسيرتها الجاسوسية في مصر خلال ستينيات القرن الماضي، ثمّ أعاد نشر "بروفايل" جديد عنها في الأيام الأخيرة بعد وفاتها الأسبوع الماضي عن 89 عاماً، تحت عناوين متعددة، أبرزها ما تصدّر صحيفة "هآرتس" اليسارية من قبيل: "وفاة أكبر جاسوسة إسرائيليّة"، مع إشارة مقتبسة من تعليمات "الموساد" لبيدرو حينما جنّدها قبل ستة عقود، ومفادها: "مهمتك هي اختراق مصر".


إجابات منقوصة

لا إجابات في "تقارير البروفايل" من هذا النوع على الأسئلة الصحافية الخمس بما يكفي، فضلاً عن تضمن بعضها تضليلاً، بناء على ضوابط النشر التي يفرضها "الموساد" لمقتضيات أمنية.. لكنّ يمكن الإضاءة على جوانب النقص في الإجابات و"تباين السردية"، مروراً بالاستماع لشهادات خبراء الاستخبارات، والتوقف عند كلّ ما نُشر عن الجاسوسة الإسرائيلية إيزابيل قبل أكثر من عقد، ثم مقارنته بما نُشر لاحقاً بعد وفاتها.


أسباب الاختيار؟

بغض النظر عن المغزى الدعائي من وراء نشر "البروفايل" لجواسيس "الموساد"، فإنّ استعراض سيرة الجاسوسة إيزابيل، مثّل إضاءة على معايير يتبعها "الموساد" في عملية اختيار جواسيسه بناء على دراستهم أيديولوجياً وسيكولوجياً واجتماعياً وحتى جينياً (أبّاً عن جد)، مروراً بتأهيلهم وإعدادهم للمهمة المطلوبة.

إيزابيل يهودية مهاجرة، جذورها من أميركا اللاتينية، وُلدت في الأوروغواي، ومن هناك طارت إلى دولة الاحتلال وهي شابة ابنة 28 عاما، وكانت تتقن ست لغات، لتبدأ حكاية تجنيد مَن توصف بـ"حسناء الموساد"، ما يؤشر إلى أن جمالها ضمن خصائص متعددة أخذها الموساد في الاعتبار لتجنيدها.


لبنان.. خيار أيضاً

تبدأ الحكاية حينما طرق ضابطان من "الموساد" باب بيتها الكائن في جبعاتيم قرب تل أبيب، عام 1963، ليتم إبلاغها بأنها مرشحة لـ"مهمة حساسة للدفاع عن أمن إسرائيل".. بداية، انتابتها المفاجأة الممزوجة بالشك، فخشيت أن يكون الأمر تضليلاً لها بهدف تشغيلها في "الدعارة"، فأخبرت الشرطة الإسرائيلية بأمر الشخصين. واللافت أن شرطة الاحتلال ساهمت في طمأنتها، وتأهيلها نفسياً عبر القول "لا خوف"، حتى وافقت على العمل مع الموساد.

خُيّرت الشابة العشرينية بين مهمات جاسوسية في لبنان أو سوريا أو مصر، لتختارَ الأخيرة لـ"حبها لحضارتها الفرعونية القديمة"، كما قالت لصحيفة "هآرتس" في لقاء سابق.


اختيار..ثم تدريب..فتكليف

إيزابيل التقت بعدها بضابط من الموساد يُدعى يسرائيل هرئيل أغادي، إذ قام بتدريبها على طريقة تأهيل الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي عمل في سوريا خلال تلك الفترة حتى اكتُشف وتم إعدامه العام 1965. وضمن الاختبار، أرسل "الموساد" الشابة إلى محطة لتوليد الكهرباء "ريدينغ" الواقعة في بحر نتانيا، وتسللت إليها بحراً، وكان عليها، وفق خطة التدريب، أن تتذكر كل ما فيها بدقة، وتصفها من دون أن تكتب كلمة واحدة، وهو التمرين نفسه الذي خضع له الجاسوس إيلي كوهين، حسبما كشفه الرئيس السابق لقسم التاريخ والتراث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، جدعون ميتشنيك، في لقاء مع قناة "كان 11" العبرية.

وفق رواية ميتشنيك التي رصدتها "المدن"، فإن إيزابيل تم اكتشافها، وحاولت التحدث مع حُرّاس محطة الطاقة باللغة الفرنسية، وتظاهرت بعدم معرفتها اللغة العبرية، لتُنقل إلى مركز شرطة نتانيا، وبعدها إلى مركز تحقيق للشرطة في يافا.. بيدَ أنّها لم تتعاون مع التحقيق، وطلبت التحدث في الهاتف، فأجرت مكالمة مع مساعدة مشغّلها بالموساد الذي وصل فوراً إلى المكان وأطلق سراحها.


فشل الاختبار الأول

هذا الاختبار دفع مشغلها في الموساد إلى اتهام بيدرو بالفشل في المهمة، غير أنّها أصرّت على أنها لم تفشل؛ "لأنها لم تنطق بكلمة واحدة في التحقيق".. ثم تلقت تدريباً إضافياً، ليطلب الموساد منها السفر عبر طائرة "العال" من تل أبيب إلى باريس، حيث الخطوة التالية لعملية التأهيل، فالتقت شخصاً قصيراً وعريضاً وعضلياً وله شارب يحمل اسماً وهمياً هو "ميخائيل" أو "مايكل"، ليتضح في ما بعد أنه قائد وحدة عمليات الموساد اسحاق شامير الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء إسرائيل.

فور لقائه بإيزابيل، أخبرها بمهمتها، وهي "اختراق مصر، ومراقبة الأهداف العسكرية والأحداث غير العادية، والاستماع لحديث النخب، وإقامة العلاقات، واستخدام حواسك بناء على فهمك".

وحرص شامير على عقد اجتماعات مع إيزابيل في المطاعم والنوادي الليلية لتحضيرها للمهمة، قائلاً "إنها أفضل الأماكن للاجتماعات السرية"!


انتحال صفة "عالمة آثار"

وطارت إزابيل بيدرو إلى القاهرة العام 1963 بعدما حصلت على تأشيرة دخول من السلطات المصرية، تحت غطاء "عالمة آثار"، وأخفت في حقيبتها الخشبية جهاز شيفرة، إضافة إلى راديو على الموجات القصيرة لغاية التواصل مع الموساد.

وكان وقتها جمال عبد الناصر رئيساً لمصر، فنجحت في الاندماج في النخبة السياسية والاجتماعية المصرية.

خلال المهمة، رصدت الجاسوسة الإسرائيلية نقل الجيش المصري لشحنات أسلحة إلى السودان على متن قطارات، ورصدت مطاراً كبيراً يضم عشرات الطائرات السوفياتية المتوقفة، كما جمعت معلومات عن مواقع عسكرية وسفن بحرية، وأرسلتها للموساد عبر اجتماعات خارج مصر، أو بواسطة "راديو الموجات القصيرة".

بالموازاة، تعرّفت على ضابط مصري كبير، وقادت علاقة غرامية معه إلى منح إيزابيل خرائط سدّ أسوان، نقلتها لمشغليها، لكن المصادر تباينت في اعتبار الخرائط صحيحة أم تضليلية من قبل المخابرات المصرية لإسرائيل.


لماذا انتهت المهمة؟

تزعم الرواية الإسرائيلية أن إيزابيل طلبت إنهاء مهمتها العام 1965 بعد سنتين من عملها في مصر، وذلك نتيجة خشيتها على نفسها، في أعقاب انكشاف أمر أحد عملاء الموساد في مصر.. لتنتهي قصتها الجاسوسية.

ورأت وسائل إعلام عبرية أنّ مهمة إيزابيل حققت جزءاً من "بنك الأهداف الإسرائيلي" في حرب حزيران 1967، والتي انتهت بالنكسة واحتلال أراض فلسطينية وعربية.

بعد عودتها إلى دولة الاحتلال العام 1965، بدأت إيزابيل الرسم والعمل كمصممة ديكور. وكان أحد زبائنها مدير "الموساد" حينها، إيسر هاريل، الذي أراد إعادة تصميم منزله.

ويبدو أن إيزابيل عاشت وماتت من دون أن تعلم سبب اختيارها مِن الموساد للمهمة في مصر، لكن الواضح أن سببين رئيسيين يقفان وراء كشف الموساد عن "مغامرة الجاسوسة إيزابيل"؛ الأول باعتباره استعراضاً لعضلاته على مر عقود، وثانياً لخلق حالة من الثقة مع المجتمع الإسرائيلي الذي يشهد انقساماً متزايداً في السنوات الأخيرة، عبر القول إنه لا ينسى "بطولات جواسيسه" كلما حانت الفرصة للتعريف بها، حتى لو كانت صغيرة، علّه يحفز بذلك مزيداً من الإسرائيليين على التجنّد للمهمات "الصعبة"!

العودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: