مشهد من مدينة بيروت
إذا قمتُ بجردة حساب سريعة ومختصَرَة لِما أصاب ممتلكاتِنا في المدينة من اعتداءات على مدى سنة وأربعة أشهر، (من كانون الأوّل 2021 الى أوائل أيّار 2023)، يتبيّن لي أنّنا تعرّضنا للسرقة، في المبنى حيث نقيم، أقلّه أربع مرات: بداية سُرق "موتور" المياه من قرب الخزّانات في الحديقة - وهي حديقة مفتوحة من أحد جوانبها، يدخلها العابرون وجامعو "النفايات" الصلبة، بهدف سرقة ما يجدونه صالحاً للبيع، ويمكن إعادة تدويره - ما أرغمنا على شراء محرِّكٍ جديد، وتثبيته داخل قفص حديديّ، وربطه بجنزير كي يصعب عليهم سرقته.
ثمّ سُرقت عوارض واجهات ألمينيوم تخصُّنا، كنّا قد أودعناها في مدخل المبنى، وحين تحقّقنا من كاميرا المراقبة الأقرب إلى الطريق الفرعيّ للمدخل، تبيّن لنا أنّ السارق شابّ يجرّ مستوعب نفاياتٍ ضخماً، وقد أخفى ملامح وجهه تحت قبّعته، ركن المستوعب في أعلى الطريق المؤدّي إلى المبنى، ثمّ أمضى وقته ذهاباً وإياباً يجمع العوارض ويضعها في المستوعب بكلّ هدوء وثقة، وكأنّه يؤدّي عملاً إنسانيّاً! ومؤخّراً سُرقت كلّ عيارات المياه التابعة للمبنى، وحين ذهب زوجي إلى شركة المياه وأخبرهم بما جرى، لم يُفاجأوا، بل أخبروه أنّ هذا الأمر شائع، فالسارق يستفيد من بيعها، لاسيّما أنّها مصنوعة من النحاس، ونصحوه ألّا يشتري عيارات نحاسيّة لأنّه إن فعل سيؤدّي خدمة للسارق الذي سيعود لسرقتها من جديد!
أمّا في صباح السادس من أيّار الحالي، فقد بلغَ السيلُ الزُّبى، وتخطّت #السرقة كلّ التوقّعات! استيقظتُ صباحاً، وخرجت - كعادتي كلّ يوم - أفتح بوّابة المبنى الرئيسيّة ليتمكّن العامل الذي يجمع النفايات من الدخول، وحين أطللت لأتأكّد إن كانت البوابة لا تزال مقفلة أم فتحها أحد المقيمين في المبنى، صُعقت ممّا رأيت، أو ممّا لم أرَ... فالبوابة لم تكن موجودة في مكانها!!! لم يبقَ منها سوى جزء من كلّ مُفَصّلة من المُفَصّلتَيْن، العليا والسفلى، وباتت أثراً بعد عَيْن. احتجت إلى بعض الوقت كي أتقبّل الفكرة العجيبة: لقد سُرقت بوّابة المبنى!!!
اتّصلت بالبلديّة، فقالوا اتّصلي بالدرك (الشرطة).
اتّصلت بالدرك، فقالوا اتّصلي بالمخفر التابع لمنطقتك وقدّمي بلاغاً.
المخفر؟! ولماذا أتّصل بالمخفر؟ لأبلّغ أنّني تعرّضت للسرقة من قِبَل مجهول ولا يوجد لديّ أيّ دليل على أيّ إنسان؟! فالحادثة حصلت ليلًا، ولا توجد كاميرات مراقبة يمكنها أن تكشف لي ما حصل، فيكون ادّعائي ضدّ مجهول، وأضطرّ بعد تدوين محضر باسمي أن أنتظر ربّما ساعات حتّى تصل النشرة... ثمّ تسجَّل السرقة ضدّ مجهول!
ومن سخرية القدر أنّ السرقة حصلت ليلة عيد مولدي! شرّ البليّة ما يضحك! فعلاً هديّة لا تُنسى، فقد بات عليّ دفع ثمن بوّابة جديدة، وتزويدها بكاميرا وجهاز إنذار، وإضافة لمبات لإنارة المدخل...
وجردة الحساب مستمرّة إلى ما شاء السارقون!
تراكمَت الأسئلة في رأسي؛ قد أكون أقلّ المسروقين في زمني، فلطالما سمعت عن بيوت سُرقت بالكامل، حتّى أنّ السارقين لم يوفّروا الأواني المتّسخة. وسُجّلت السرقة، في حالات كثيرة، ضدّ مجهول، من دون تحديد الجاني/ الجناة، أو إعادة شيء من المسروقات إلى أصحابها.
أدركتُ مدى الفقر الذي نعيشه، بل الإفلاس، مِن أكبر مؤسّسة إلى أصغر فرد. فلو كانت البلديّات مموّلة بالشكل الكافي، كما كان حالها قبل انهيار الليرة، هل كانت لتعجز عن تأمين الحماية اللّازمة، وتكثيف الكاميرات والدوريّات، والتصدّي للسارقين بحيث يحسبون ألف حساب قبل التفكير في السطو؟ لاسيّما أنّ المعتدين باتوا شبه معروفين، فهم إمّا يأتون بكميونات صغيرة يجمعون الحديد حيث يجدونه حول البيوت وداخل الباحات، من دون أن يوفّروا حتّى الأملاك العامّة من بُنى تحتيّة وأسلاك كهربائيّة، أو هم أفراد سيّارون، يجرّون مستوعبات جمع النفايات مستغلّين غياب السكّان خلال النهار في وظائفهم، فيحملون كلّ ما يقع تحت أيديهم، ثمّ يُخفون غنائمهم داخل المستوعبات متظاهرين أنّهم عمّال تنظيفات يؤدّون خدمة للمواطنين، ويمضون في سبيلهم وليس من يسائلهم؛ أو هم أولادٌ صغار مشرّدون، من جنسيّات مختلفة، يحملون أكياس خيش حجمها ضعف أحجامهم، يخبّئون داخلها قساطل الحديد وموتورات المياه تحت العبوات الفارغة. فهل من الصعب تمييزهم وتوقيفهم؟!
من جهة أخرى نتساءل، هل من الصعب معرفة هويّة بائعي الحديد أو النحاس أو الألمنيوم (كون معظم السارقين حاليّاً يصبّون اهتماماتهم على هذه الموادّ الصلبة)، بعد تحديد أماكن بيعها، أو تلك البؤر المعروفة - ولا شكّ - من كلّ مهتمّ، ووضْع القيود والأحكام ضدّ كلّ مُعْتَدٍ متعدٍّ ومشارك؟
هل من الصعب تعيين مراقبين من كلّ وزارة، في كلّ قطاع عائد لها، للتحقّق من كيفيّة تطبيق القوانين أو المراسيم، وتقييم عملها على الأرض، بحيث تتمّ الإشارة الى مواضع الضعف والخلل، وبالتالي يعاد النظر في بعض الخطوات أو الإجراءات للتخفيف عن كاهل المواطن، فلا يضطرّ، مثلًا، كلّما ذهب إلى المخفر ليشكو مصيبته أن ينتظر ساعات لظهور النشرة عبر الفاكس - هذا إذا كان قيد العمل ولم توقفه شركة الاتّصالات لنقص في المازوت - فيعود إلى بيته بعد تقديم الشكوى مباشرة، ويأخذ قسطاً من الراحة، من دون أن يشعر أنّه المتّهم والسجين؛ ويتمكّن من أن يلملم جراحاته النفسيّة من الطعنة الموجّهة إلى قلبه وجيبه؟!
هل علينا أن نربط الأمور دوماً بمفهوم الدولة العاجزة والوضع السياسيّ التعس؟ أليس بإمكان كلّ موظّف أن يقوم بوظيفته ويتحمّل مسؤوليّاته الوظيفيّة من دون أن يرمي بالتبعات على شبح أكبر منه؟!
أليس ما يصيبنا سببه أيضاً التخاذل والكسل والاستهتار؟!
أعلم أنّ أحداً لن يعوِّض هذه الخسارات، وسنبقى نأمل أن تبقى محصورة بالرزق، ولا تتعدّاه إلى أصحابه. ولكن، إن ظلّ الحال على حاله، كيف يضمن أصحاب الرزق سلامهم وأمانهم، وماذا ينفعهم حينها إن خسروا وجودهم؟
تعليقات: