على أثر انهيار الإتحاد السوفياتي عام 1992 صدر في أميركا لپول وولفوفيتز تقريراً بِناءً على طلب الرئيس الأميركي يومها جورج بوش الأب وقد تضمَّن هذا التقرير العبارة التالية "إن الولايات المتحدة الأميركية ستمنع أي قوة دولية من التحول إلى منافس من مستوىً مساوٍ لها".
هذه العبارة تُظهر أن أكبر همٍّ كانت تعيشه أميركا لحظة تحقيق أنتصارها التاريخي على الإتحاد السوفياتي بعد حروب باردة إستنزفت جُلَّ موارد الإتحاد السوفياتي وحلفائه من دول العالم الثالث خلال ما يزيد على سبعة عقود ، لم يكن لأميركا في تلك اللحظة التاريخية المصيرية من هدف سوى تأبيد إنتصارها على العالم كل العالم ، ولم يكن لبقية البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب بما فيهم شركاء أميركا في محاربة الإتحاد السوفياتي وإشتراكيته ومشاريعه وحلفائه ، لم يكن لكل هؤلاء في مشاريع اميركا وخطتها أي حصة تذكر في تحقيق مكاسب أو تحقيق تقدم وتطور لشعوبهم وأنظمتهم ، بل تحوَّل كل هؤلاء إلى أهدافٍ جديدة تعمل أميركا مع شركائها على إجهاض وحرف أي مشاريع تنموية ونهضوية لهم كي لا يتحولوا بعد تراكم الإنجازات في بلادهم إلى منافسين من مستوى مساوىٍ لها.
لذلك إضطرت الصين وروسيا بعد ذلك إلى إنتهاج سياسات خارجية تراعي إلى أقصى الحدود عدم إثارة حساسيات السياسات الخارجية الأميركية ، كما ركزا على تنمية قدراتهما الإقتصادية والصناعية والتكنولوجية بهدوء ومرونة ، ولكن رغم أخذهم لكل هذه الإحتياطات وعندما بدأ كم إنجازاتهم النوعية والكمية يظهر للعيان جُنَّ جنون اميركا وبدأت تخلق توترات في مناطق كثيرة من العالم وهذه التوترات راحت تتحول إلى مناطق اشتباك ما لبثت أن تحولت إلى حروب استنزاف لإيران والعالم العربي بداية وبعدها في يوغوسلافيا والبوسنة وصربيا في أوروبا الشرقية ، تبعتها بخوض حرب دمرت العراق وبناه التحتية ونشرت الفوضى فيه ، وتابعت اميركا عملية تضييق حصارها على روسيا في القرم وبعد ذلك عملت على إجهاض ظاهرة الربيع العربي فدمرت ليبيا واستوعبت الحراك النهضوي في مصر وجيشت بعد ذلك ضد سوريا كل قوى الجهل والظلام الذين اسست لوجودهم في حروبها التي خاضتها في أفغانستان وبعدها في العراق ، فدمرت سوريا وارهقتها واستنزفت مواردها وشردت شعبها ، بعد كل هذه الحروب والويلات الزمت روسيا على دخول حرب استنزافية طويلة المدى في أوكرانيا ، وفي ذلك تحقق أميركا اكثر من هدف ، أولها اجهاض مشروع النهضة الروسية بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وإفشال أهدافها الجيواستراتيجية الاوراسية التي يمكن ان تتكامل مع الصين ومع دول منطقة غرب آسيا فتنتج مشروعاً منافساً مساويا لأميركا ، والثاني إستنزاف الأوروبي وموارده وكي يبقى مرتهناً لدعم وقوة اميركا ، وتنتظر الصين أيضاً بعد ذلك دورها في مشكلة تايوان التي تسعى اميركا بكل ما اوتيت من قوة لتثويرها لتتحول إلى حرب استنزاف جديدة تؤخر مشروع نهوض الصين وتفشل امكانية وصولها الى مستوى المنافس المساوي لأميركا .
وفي المقلب الآخر تتابع اميركا الساعية لتأبيد زعامتها للعالم في نسج الحروب الصلبة والناعمة والحصار والتحالفات لتجهض مشروع النهضة التي احدثتها الثورة الإسلامية في غرب آسيا لدول وشعوب المنطقة من اليمن إلى بحر فلسطين ، وتتابع السعي لفرض تفوق الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين حرصاً منها على منع خلاص شعب فلسطين من غذابات الأِحتلال والظلم والقهر ، لأن خلاص هذا الشعب سيوفر أعظم عملية إستنزاف لطاقات وموارد وشعوب منطقة غرب آسيا وسيساهم في تحويل مسار هذه المنطقة ، ويحقق عملية التنمية والتطور التي تؤمن الإستقلال والنهوض والإرتقاء والتكامل لشعوب هذه المنطقة مع القوى الحية في العالم.
ولكن يظهر للمراقب جلياً أن خُطط ومشاريع أميركا لإجهاض نهوض الشعوب الحية والطامحة في العالم تواجه عقبات ومصاعب وتحديات كبيرة ، وذلك بسبب نمو وعي الشعوب سواء كانوا أعداء لأميركا أم حلفاء لها . الأمر الذي نقرأ ملامحه بوضوح في تغير مواقف وسياسات حلفاء أميركا التاريخيين في منطقة غرب آسيا ، كما نقرأ ملامحه في نمو وتطور تحالفات التعاون الإقتصادي والعسكري لدول العالم من كل القارات ، وفي هذه التحالفات دول كانت اميركا تراهن على عدم خروجها من التحالف معها ، ونقرأ ملامحه أيضاً في تَوحُّد محور المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني لدرجة كشفت نقاط ضعف هذا الكيان وساهمت في تآكل قوة ردعه وتفوقه وادخلته في صراع وتخبط داخلي مقلق ومهدِّدٍ لوجوده.
امام هذا الواقع وهذه المعطيات على القوى الحية في العالم ان تتعاون وتعزز تحالفاتها لتوصل اميركا الى مرحلة اليأس من بقائها متسلطة ومهيمنة على النظالم العالمي ، وعليها ان تقبل بهزيمة وانكشاف مشروعها كما أن عليها ان تتعاون مع القوى الحية في العالم لإنتاج نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر رحمة وأنصافاً بين بني البشر.
عدنان إبراهيم سمور.
باحث عن الحقيقة.
15/05/2023
تعليقات: