أبو سعيد »يدور« بصباره

»منشطة للدم ومخفضة للكولسترول... وصديقة للبيئة«

بنت جبيل :

للحاج ابو سعيد، ختيار بلدة الطيري الجنوبية، وبيع الصبار قصته الخاصة. نسجت السطور الأولى للقصة ـ الحياة منذ زمن قديم، واستمرت على وتيرة شبيهة بحال الرجل الستيني...»مكانك راوح..لا بل إلى الوراء أحياناً«. تتغير أحوال الناس والبلدات في بنت جبيل وقضائها، ويبقى أبو سعيد على حاله. وثمار الصبار تؤشر إلى بواكر نضوجها، يقصد الرجل، وقبل بزوغ شمس النهار حقله ليقطف ثماره. يسحب حماره بعدما يركز حِمله بما تكارمت عليه شجيراته وينطلق الى سوق بنت جبيل. لا تشكل الطيري سوقاً مزدهراً »لتصريف الإنتاج«. في المدينة، التي هي بالنسبة له بنت جبيل، يأمل أبو سعيد بيع صباره لقاصدي المكان، وهم كثر، إذا ما قورنوا بالعابرين في بلدته الصغيرة.

»يلا عالصبير«، نداء ألفه أصحاب بيوتات بنت جبيل، بعضهم لا يشتري صباراً قبل ان يصدح صوته مستعجلاً بيع رزقه »قبل ان تحتل الشمس قبة السماء فيخسر مذاقه اللذيذ«.

اتخذ أبو سعيد من زراعة الصبار وسيلة يعتاش منها منذ سنين طويلة ما بين موسم خضار وآخر في ظل الظروف الصعبة للزراعات الكبيرة. »يتكتك« الرجل على زراعات موسمية بسيطة مبتعداً قدر الإمكان عن الكميات الضخمة وكساد المواسم. وكما الصبار، يدور بطماطمه وبعض »أصابع الخيار« الطرية وبرؤوس شمام تنشر رائحتها على قطر لا يقل عن مترين من حولها... وبها يسد بعضا من احتياجات عائلته اليومية: »وهي بسيطة ببساطة ما تنتجه قطعة ارض صغيرة« يملكها »والملك لله« يقول...

حتى حماره يبدو متواطئاً وقابلاً بمسيرة تعب لا بد منه:» هو لا يتعب« يقول أبو سعيد، »وكأنه يعرف أنه يساعدني على تأمين لقمة العيش مهما طالت المسافة او قصرت«، يضيف.

واذا كان »بيع الصبار جزءاً من فلكلور اهالي الطيري الأصيل«، كما يشير ابو سعيد، فهو يتميز عن كل الفواكه »بمذاق خاص وشكله والتفنن ببيعه ومتعة تناوله بالمنزل مقشراً ومبرداً«، مشيرا الى ان ذروة الإقبال على شراء الصبار هي في ساعات الصبح الاولى بين الساعة السادسة والعاشرة صباحاً. يفضل الأهالي أكل الصبار اللذيذ »لأنه فاكهة منشطة للدم ومخفضة للكولسترول وقاتلة للسموم«، ولأنها، من جهة أخرى ـوفق أبو سعيد ـ »صديقة للبيئة لأنها تمتص الأشعة الضارة في المنطقة المحيطة بها«.

طريقته المحببة في تعداد فوائد الصبار، بغض النظر عن مصادره العلمية، لا تخفي عذابه في قطاف ثماره. دون قطاف الصبار »صعوبات«. يحتاج المرء إلى خبرات واستخدام أدوات معينة للقطاف وفي أوقات محددة تنعدم فيها الرياح خوفاً من تطاير الأشواك الصغيرة التي تؤذي في حال لامست أماكن حساسة في جسم الإنسان، مثل العين، يقول أبو سعيد.

أربعون عاماً أو يزيد على »إدمان« أبو سعيد زراعة صبّاره والدوران به في أحياء حفظت وقع قدميه المتعبتين بمرور السنين. وللصبّار مع الجنوب قصة معروفة، فهو من الزراعات القديمة جدا في المنطقة، وإن كانت أسعاره زهيدة لأن تسويقه كان يقتصر على الأسواق المحلية في المنطقة، إلا أن الإقبال على استهلاك الصبّار قد حسّن من وضعية هذه الزراعة ونوعية إنتاجها اليوم، وباتت تغزو الأسواق اللبنانية. ويباع الصندوق سعة خمسين كوزاً بنحو خمسة آلاف ليرة في المدينة، ويعتبر المردود إضافياً لدى بعض المزارعين. خمسة آلاف ليرة لصندوق ينغرز شوكه في آياد تكد وتتعب وتدمى لتستحصل على ثمن ربطة خبز...كم هو ظالم هذا العالم.