من الضاحية إلى الطريق الجديدة: سرطان الجرائم يتمدّد

عندما تسقط هيبة الدولة، يصبح من السهل انتقال المرض عبر جسدها (الأرشيف، عباس سلمان)
عندما تسقط هيبة الدولة، يصبح من السهل انتقال المرض عبر جسدها (الأرشيف، عباس سلمان)


مساء الثلاثاء توسعت رقعة الموت والخوف في بيروت، فتزامنت اشتباكات الليلكي مع جريمة قتل في منطقة الطريق الجديدة، لتتظهّر الصورة التي لطالما حذّرنا منها سابقاً. فالوضع الأمني الهشّ الناتج عن ضعف الدولة وقدرة أجهزتها على الصمود بظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وغياب القضاء عن القيام بواجباته، مما أثر على قدرة الأجهزة على توقيف المطلوبين، كلها أمور تجعل "التجبّر" على الدولة أمراً سهلاً.


ردود فعل كارثية وتجبّر على الدولة

لا يُحسب حساب "الدولة" عند التفكير بردود الفعل، والتي أصبحت تفوق الفعل نفسه بأشواط. والبداية من الضاحية التي لا تزال تشهد انفلاتاً أمنياً يزداد خطورة كل فترة. الأسبوع الماضي انتشر تسجيل مصور بدا وكأنه مشهد من "فيلم أكشن"، يتم تصويره في منطقة السانت تيريز بالضاحية الجنوبية، على بُعد 500 متر من حاجز للجيش اللبناني، وعلى بُعد أمتار قليلة من مقرات ومراكز ونقاط أمنية وحزبية، حيث ترجلت مجموعة مسلحة من سياراتها وبدأت بإطلاق النار باتجاه مبنى سكني في المنطقة، قبل أن تعود الى السيارات وتغادر، وسط ذهول المارة والمشاهدين.

حسب مصادر أمنية، فإن أسباب ما جرى شخصية للغاية، ولا تتعلق بعمل عصابات أو خلافات مالية أو صراعات نفوذ. وبالتالي، فإن ما حصل هو رد فعل ضخم جداً على فعل أقل أهمية، وهنا الخطر من تعميم ردود الفعل هذه. وهذا ما حصل في منطقة الليلكي مساء الثلاثاء والطريق الجديدة أيضاً.

تكشف المصادر الأمنية عبر "المدن" أن مطلقي النار في السانت تيريز تواروا عن الأنظار، ولم تنجح المداهمات بضبط أي منهم بعد، بينما في الليلكي فقد حصلت عدة مداهمات فور حصول الاشتباكات هناك وتم توقيف شخصين، بالإضافة الى ضبط بعد العتاد.

اشتباكات الليلكي تأتي أيضاً بسياق رد فعل على فعل حصل ظهر الثلاثاء في منطقة الطيونة. وحسب المصادر، فقد حصل خلاف في تلك المنطقة بين سائقي "فانات"، تطور الى تضارب وتكسير بين أشخاص ينتمون الى عشيرة واحدة. وتضيف المصادر: "تعرض شاب للضرب فتوجه إلى أقاربه الذين تسلحوا وتوجهوا مساء الى "ديوانية" المختار وأطلقوا النار بكثافة باتجاهها ما أدى لإصابة أحد الأشخاص بيده".

تكشف المصادر أن هذه المجموعات المسلحة اعتمدت منذ فترة على نوع جديد من الاشتباكات، حيث لا يكون الهدف "القتل" بل توجيه رسائل نارية كثيفة، وهذه الطريقة تشبه ما يجري في اشتباكات البقاع حين تستعرض كل مجموعة أسلحتها من دون وقوع إصابات بين المتحاربين في أحيان كثيرة، بالرغم من إصابة "أبرياء" كما حصل مؤخراً في حي السلم.


رقعة المرض تتوسّع؟

عندما تسقط هيبة الدولة، يصبح من السهل انتقال المرض عبر جسدها، وما يجري في الطريق الجديدة يُنذر بذلك، فخلال أيام قليلة وقعت حادثتان في تلك المنطقة تستدعيا لفت النظر قبل فوات الأوان، وكلاهما بمثابة ردود فعل غير منطقية. الأولى -حسب المصادر- حرق سيارات على خلفية مشاكل مالية، والثانية عملية استهداف مباشر لرأس شاب لم يبلغ العشرين من عمره بسبب خلافات متكررة مع جيرانه. وتشدد المصادر على أن انتقال هذه الحوادث وردود الفعل من مناطق ضيقة للغاية ومحصورة قبل الأزمة الاقتصادية، الى مناطق أوسع اليوم، رغم محاولات الأجهزة الأمنية العمل على ضرب المخلين بالأمن، ما يستدعي إعلان حالة طوارىء أمنية-قضائية بشكل عاجل، لأن عجلة الأمن لا تدور بمعزل عن القضاء.


المعركة مستمرة

وكأنه سباق بين الحرب الأمنية والإخلال بالأمن. فحسب مصادر "المدن" لم تتوقف مساعي مكتب أمن الضاحية لضرب المطلوبين رغم كثرة الحوادث. إذ تم منذ فترة توقيف م.ز، وهو أحد المطلوبين المتورطين بعملية قتل عنصر من مخابرات الجيش اللبناني في البقاع، ويُعتبر فرداً في عصابة "أبو سلة" الناشطة في مجال المخدرات، كذلك توقيف عصابة لشراء الدراجات النارية المسروقة في منطقة حي السلم، حيث تعمل العصابة على تزوير أرقام الهيكل وتغيير شكل الدراجة لإعادة بيعها.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: