هيفاء نصّار: والدي في البقعة الساحرة من ارض الخيام

المرحوم الحاج أبو علي حسين نصّار
المرحوم الحاج أبو علي حسين نصّار


تراه ساكنا في دروب ارواحنا، وازقة قلوبنا يؤنسها بعذب حديثه ورهافة شعوره. في حياته ثورات مختلفة ، ابرزها ثورة عمل لا يهدأ . ما كاد يودع فيها مرحلة حتى يستقبل اخرى . جمع بين طياته الماضي الاصيل واشراقة مستقبل . كان يبحث عن الضوء في الظلام الداكن الذي لف تاريخ في وجوده .

وانا أبحث عن الكلمات لاكتب عنه في ذكرى رحيله السابعة عشر وجدت تلك الروح تحلق عاليا لم تنكسر ، ولم تنجرح ، ولم تتصدع بفعل الحروب .

وانا ابحث في زيارتي الى ضريحه الشريف نزلت الخيام ، والشوق يحدوني . كيف يمكن نزول الخيام وزيارتها والبقاء فيها وفي مدافنها دون المرور على كل اطيافها.

احب والدي المدينة حيث ينفجر السحر ، خريطة يرسمها صراع سرمدي بين عالمي الليل والنهار حيث تتجمد عقارب الزمن وتنزوي اشعار المديح في وصفها.

تستغرق المسافة بين مدخل الخيام والميدان دقائق معدودة . وانا في السيارة ارقب جانبي الطريق ، حركة الناس ، الاشجار المتراكضة ، العلامات الارشادية التي تقيس ما تبقى من مسافة رحلتي . انتابني نعاس امتزج مع خيالات نسجتها صفحات التاريخ في الميدان وتأثيرات المكان الذي هو هناك ويقاس الآن بالامتار . وفجأة تبخر الزمن وتداخل الخيال مع واقع رحيل دام لسبعة عشر عاما .

يدخل المكدور المكان فيتهشم حزنه انها مدافن الخيام ذاك المكان المفتوح الذي لا يعرف الكلل او الملل .

عالم ينهض من العدم ليحتل القلوب ويحتل كل شبر من عالم النهار والليل .

ربما تمر بكم اطياف اسماء ممن دفنوا في هذه البقعة المباركة من المدينة ، لكنها في الحقيقة اطياف من التاريخ تأبى الخروح من هذه البقعة الساحرة .

وقد وصلت بالفعل الى المكان الذي دفن فيه ابي وتوجهت صوب الضريح .

لم اجد والدي عن بهجة الازهار مبتعدا . ولا عجب في رحيله في موسم الازهار . فقد كان ارتباطه الاول بالأرض والمنزل والاشجار واناس احبوه ، زاروه ، وحاوروه وتقاسموا معه حكاياتهم واجزاء من حياتهم .

أي عجز عن فعل اي شيء امام الرحيل ، وشريط الذكريات يمر بكل التفاصيل .

أي توق للحرية وشعور برحابة المكان جعله يبكي لطيور لا تعرفه ولا تعرف من بكى لرؤيتها .

يا ! يا ترى أي الاشجار التي زرعتها يداك تفضل ؟ وأي شجرة تين وحبة رمان ؟

يا ! أي فواجع ايقظتها ذكراك وقد هزت سكينة النفس !

وأي إنطلاق لواقع وحلم يترافد ما فتئ يحمل رؤياك الجديدة القديمة للأرض ، للخيام والإنسان .

* هيفاء نصّار

الواقع في 29 أيار ، 2023

أوتاوا ، كندا

تعليقات: