الدولرة هي ضرورة حتميّة للاجئين، ولها ارتدادات إيجابيّة على الاقتصاد المحليّ
بلا مللٍ ولا كلل، يستأنف لبنان الرسميّ بمعنييه ومسؤوليه وموظفيه من كل الفئات، المضيّ في المسار الجهنميّ نفسه "لحلحلة" ملف اللاجئين. هذا المسار السّاقط حقوقيًّا وإنسانيًّا وحتّى أخلاقيًّا، لا معالم واضحة عن نهايته أو مدى وعورته ووحشيته حتّى اليوم. فبدءًا من الحملات العنصريّة الافتراضية والشحن البروباغندي الرسميّ، مرورًا بالاستعراضات الأمنيّة والترحيل التعسفي للمئات، ورميهم في مصيرٍ مبهم وغالبًا في أقبية الأسد، وصولاً لعرقلة المساعي الدوليّة للمساعدة الحقيقيّة، وإجهاض أي محاولة لتخفيف وطأة الأزمة التّي ينسحق تحتها الشعبين السّوري واللبنانيّ على حدٍّ سواء، تحت ذرائع أقرب للعاطفية منها للعملانيّة والمنطقيّة، يبدو أن لبنان-حكومةً وشعبًا- عازمٌ كل العزم على طرد اللاجئين كيفما اتفق، أو تكدير عيشهم إذا فشل بمحاولاته المستميتة في اقتلاعهم.
دولرة المساعدات
وعلى هذا النحو، ومع تفاقم وتيرة خطاب الكراهيّة العموميّ والتوجه الرسميّ النهائي لإيجاد مخرج سريع لـ"أزمة" اللجوء السّوري في لبنان، والإصرار على تنصيب هذا الملف "كبش المحرقة" المنوط بحمل وزر كل الأزمات اللبنانيّة (ما تجلى أخيرًا وإلى جانب الحملات الأمنيّة وتضييق الخناق على اللاجئين، بالمواقف الرسميّة الداخلية وفي المحافل الدوليّة)، وصل الأمر حدّ بثّ اعتراضات رسميّة معرقلة لقرار المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين في دولرة المساعدات النقديّة، التّي يتلقاها رهط من اللاجئين المُسجلين لديها. وعُللت الاعتراضات هذه بمحاولة السّلطة لدرأ أي توترات قد تحصل بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين على خلفيّة تقاضيهم لمساعدات مدولرة في عزّ استفحال الأزمة متعدّدة الأوجه، التّي يعيشها اللبنانيون. لتقوم لاحقًا المفوضيّة بتعليق قرارها تحت ضغوط مارسها وزير الشؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال، هيكتور حجار.
وقد اُستهل السّجال حول المساعدات، بعد اعتراض وزير الشؤون على هذا القرار، المتوافق عليه بين منسق الشؤون الإنسانيّة للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا (ريزا)، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزارة الماليّة والمصرف المركزي، على تحويل المساعدات النقديّة المقدمة من الليرة إلى الدولار الأميركي، على أن تتقاضى العائلة الواحدة 140 دولاراً بالحدّ الأقصى (40 دولاراً للعائلة و20 دولاراً للفرد لغاية 5 أفراد) ليُصار إلى تحديد 25 دولاراً للعائلة بعد ضغوط وزير الشؤون، بعدما كانت تساوي 2.5 مليون ليرة للعائلة ومليونًا و100 ألف ليرة للفرد الواحد لغاية 5 أفراد كحدّ أقصى. ليقوم لاحقًا وزير الشؤون وخلال مؤتمر صحافي عُقد في 26 أيّار الفائت، بتعليق القرار الذي لم يُطلق بالتنسيق معه ووزارته بحسب قوله، مشيرًا لكون قيمة هذه المساعدات، أكبر بكثير من راتب موظّف فئة أولى في القطاع العام. معبرًا عن سخطه من القرار الأممي. بينما عبّر مسؤولون آخرون أن قرار التعليق مرتبط "بتلكؤ" المفوضيّة عن تزويد الحكومة بداتا اللاجئين.
لتقوم بعدها المفوضيّة بتعليق قرارها "استجابةً" لضغوط رسميّة وطلبات لبنانيّة (ميقاتي- حجار) في بيان نُشر لها بتاريخ 27 أيّار الفائت، مُعلنةً تعليق تقديم المساعدات النقدية بالعملتين اللبنانية والدولار للاجئين السوريين مؤقتًا لغاية الشهر المقبل، مع استمرار المناقشات حول الطريقة المناسبة لتقديم المساعدات. الأمر الذي اعتبره المطلعون تباينًا صريحًا بالرؤى بين المفوضية والحكومة اللبنانيّة بتخبطاتها المستمرة، والتّي عبّرت عن تخوفها من كون القرار سُيسهم في إبقاء اللاجئين في لبنان، مطالبةً بصرف هذه المساعدات بسوريا وتشجيع اللاجئين للعودة إليها، بينما رُبطت برفض المصرف المركزي لهذا القرار، كونه مستفيداً منذ بداية الأزمة بهضم جزء يسير من هذه المساعدات التّي تصلّ بالدولار وتُصرف بالليرة، وتفقد جزءاً كبيرًا من قيمتها. وعلى الضدّ من هذا التخوف، رأى البعض أن الدولرة هي ضرورة حتميّة في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة للاجئين، ولها ارتدادات إيجابيّة على الاقتصاد المحليّ.
المساعدات النقديّة
وفيما أشارت مصادر في وزارة الشؤون لكون الوزارة ألزمت الجمعيات والمنظمات الإنسانيّة بالتنسيق معها ذلك منذ نحو العام ونصف العام، مُحاججة بأن الوضع كان "متفلتًا" قبل تعيين الوزير. ولفتت المصادر لكون الوزارة هي مُشرفة ومنسقة وبيدها قرار الموافقة والرفض، لكنها لا تتلقى فعليًا أي مبالغ ماليّة ولا يجري تحويل المساعدات عبرها. مؤكدة أن قرار الدولرة له تبعات سلبيّة على خطط الاستجابة للأزمة اللبنانيّة، وتمسكت المصادر بحجج الوزير حجار، ومن بينها امتناع المفوضيّة على تزويدهم بالداتا المطلوبة. وردًا على ذلك، أشارت مصادر في المفوضيّة لكون العرقلة هذه "لا ترتبط بالداتا، وقرار تعليق المساعدات بالعملتين اللبنانية والدولار الأميركي مؤقتاً، لكن ستستأنف الآلية السّابقة نفسها أي بالعملة اللبنانيّة عبر المصارف، إلى حين التوصل لمنهجية واضحة". وأشارت المصادر لكون حوالى 234 ألف عائلة فقط تستفيد من المساعدات نتيجة لتخفيض أعداد المستفيدين مطلع العام الحاليّ بسبب "الشحّ" في الموارد.
وفيما كان من المفترض أن يستلم المستفيدون من برنامج المساعدات من اللاجئين، مساعدتهم بالدولار ابتداءً من 26 أيّار الفائت، إلا أن قرار التعليق، قد أطاح بآمال هؤلاء بإنعاش وضعهم الاقتصادي والمالي الصعب. وفي هذا السّياق يشرح مصطفى أ. (لاجئ سوري مستفيد من المساعدات ومُسجل في المفوضية) قائلاً: "يظن البعض أننا نتقاضى مبالغ خياليّة، يصلني شهريًا حوالى الخمسة مليون ليرة من المفوضية، تذهب بغالبيتها لإيجار المسكن، وما يتبقى للطعام، تركت مهنتي في البناء منذ نحو الثلاثة أشهر، ولزمت البيت مع أسرتي، خوفًا من ترحيلنا في موجة التّرحيل الأخيرة وخصوصاً كون عدد من المُرحلين مُسجلين بالمفوضية وتمّ ترحيلهم بالرغم من ذلك. كنا نتأمل أن يصلنا ما يكفي حاجتنا من المساعدات، ولست أعلم لما حالت السّلطات دون ذلك". مضيفًا: "ولا أستطيع البحث عن عمل بعد فرض بلدية المنطقة التّي أسكنها في كسروان حظر تجول، وقيدت عمل السّوريين فيها".
إجراءات وتدابير صارمة
وبالحديث عن الإجراءات البلديّة، تتنوع التدابير الرسميّة التّي اعتمدتها البلديات في خضم الموجة العنصريّة الأخيرة، بين تدابير احتياطيّة وأخرى وصلت حدّ الكراهيّة وشبيهة بالمنهج الزجريّ والقمعي الذي اعتمدته السّلطات اللبنانيّة ككل. فبين حظر التجول وحضّ السّكان على منع السّوريين من العمل أو الإقامة أو تأجير الشقق الشاغرة لهم إلا بموافقة البلدية (قرار صدر في عدد من البلدات جنوبي لبنان)، ومن التجوال، وطردهم من المناطق غالبًا. حصيلتها في الأسبوعين الماضيين كان وبحسب ما أشار مركز وصول في تقريره الأسبوعي:
في 23 من أيار الماضي، قامت بلدية صيدا بإصدار قرار يقضي بضرورة حضور اللاجئين لمركز شرطة البلدية للتسجيل فيها بشكل قانوني، بالإضافة لعدم تجول اللاجئين عبر الآليات والمركبات غير المسجلة قانوناً والالتزام بارتداء خوذة وعدم التجمع على الطرقات والساحات العامة وبين الأبنية بعد الساعة الثامنة مساء. في 27 من أيار الماضي، قامت بلدية حارة حريك بإصدار قرار يقضي بإحصاء عدد اللاجئين السوريين في المنطقة، من خلال تفقد شرطة البلدية لأماكن سكنهم، وذلك عبر ملء استمارة إلكترونية قبل 5 من حزيران الجاري. في 30 من أيار الماضي، قامت بلدية بنت جبيل بإصدار قرار يقضي بتسجيل اللاجئين في البلدية ومنع تجولهم من الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحًا.
هذا فيما تستمر عمليات دهم مساكن اللاجئين، فضلاً عن حملات التّرحيل التّي كان آخرها من نحو الثلاثة أيام، في 1 من حزيران الجاري، حين قام الأمن العام اللبناني بترحيل كل من اللاجئين "ع. ح." البالغ من العمر 23 عاماً و"ح.ج." البالغ من العمر 22 عاماً بعد ما تم اعتقالهما من مكان عملهما في بعلبك في 6 من آذار الماضي، واعترافهما تحت التعذيب أنهما جزء من عصابة لسرقة الأسلاك الكهربائية. ثم صدر قرار الترحيل القسري بحقهما رغم محاكمتها ودفع كفالتهما والإفراج عنهما في 24 من أيار الماضي. تم كل ذلك بغياب محامي التأكيد التهمة التي تم الاعتراف بها تحت التعذيب. ذلك حسب ما أشارت مصادر حقوقيّة متابعة.
تعليقات: