الحكم وشيك في اختلاس السفارة في أوكرانيا ومسؤولية السفير

انعدام الرقابة المالية على مؤسسات الدولة اللبنانية سهّل نهبها (المدن)
انعدام الرقابة المالية على مؤسسات الدولة اللبنانية سهّل نهبها (المدن)


الحقيقة الثابتة في قضية السفارة اللبنانية في أوكرانيا أن إهمال السفير اللبناني علي ضاهر بوظيفته أدى إلى تسهيل عملية سرقة أموال من السفارة اللبنانية قدرت بين 319 و335 ألف دولار أميركي.


تزوير واختلاس

المدققون في وزارة الخارجية اللبنانية بحركة الأموال المتعلقة بالواردات والنفقات الخاصة لكل بعثة أكدوا أنهم أبلغوا السفير اللبناني علي ضاهر بعدم تلقي الوزارة أية تقارير رسمية حول حركة أموال السفارة منذ عام 2019، وطالبته رسمياً بضرورة ارسال المستندات المطلوبة كي يتم التدقيق بالمبالغ المالية المذكورة.

وخلال التدقيق في حساب النفقات للسفارة في أوكرانيا، تبين أن مبلغاً كبيراً سُحب من حساب السفارة في أوكرانيا وحُوّل إلى العملة المحلية في أوكرانيا من دون مبررات واضحة، ومع بداية الحرب الأوكرانية، احتفظ السفير ضاهر بمبلغ نقدي كبير من دون أسباب واضحة.

والتدقيق الموسع بحساب السفارة في أوكرانيا أظهر محاولة تزوير لتوقيع صاحبة الشقة السكنية التي كان يقطن فيها السفير ضاهر، فالأخير والموظف المالي صرحا بأن قيمة الايجار السنوية لهذه الشقة هي 96 ألف دولار أميركي، بينما المبلغ الحقيقي هو 78 ألف دولار فقط، مما يعني أن عقد الإيجار الذي كان يقدم للدولة اللبنانية مزور.

ووفقاً للأصول، من المفترض أن يحول هذا المبلغ كاملاً لصاحبة الشقة مرة واحدة في كل عام، وهذا الأمر لم يحصل أبداً، فالموظف المالي قرّر وحده تقسيم هذا المبلغ إلى مبالغ متفرقة.


توقيع من دون تدقيق!

ووفقاً لكلام رؤساء أقسام النفقات في وزارة الخارجية فإن السفير اللبناني كان على علم بكل السحوبات المالية. يعني هذا أن محاولته رمي التهم على المحاسب المالي علي حيدر وحده وتحميله مسؤولية عملية الإختلاس من أموال السفارة لن تبرر إهماله الواضح، خصوصاً بعد تسلحه بحجة فاضحة وهي توقيعه على كل المستندات الرسمية التي تحول إلى وزارة الخارجية اللبنانية من دون التدقيق بقيمة المبالغ المذكورة.

هذه الحجة، كفيلة بإدانة علي ضاهر وبالاشتباه بتورطه في عملية الاختلاس، والسؤال البديهي: "كيف وقع السفير على أوراق رسمية من دون أن يدقق في مضمونها؟".

من جهة أخرى، صرّح السفير اللبناني سابقاً أنه أرسل لوزراة الخارجية اللبنانية جميع إشعارات التحويلات المالية ولكنه لم يحصل على أي رد من الوزارة. في حين نفت الوزارة كلام ضاهر مؤكدةً أن الإشعارات لم ترسل أبداً.

ولا تزال التحقيقات في قضية الاختلاس مستمرة داخل القضاء اللبناني، ووسط تقاذف التهم بين السفير اللبناني علي ضاهر والموظف المالي علي حيدر، وتحميل كل طرف مسؤولية السرقة للطرف الآخر.

المؤكد ، أن الواردات الشهرية للخزينة العامة لم تحول إلى بيروت من أوكرانيا، بل حوّلت إلى حساب شخصي في أوكرانيا، ورجحت بعض المصادر القضائية المتابعة لهذه القضية أن الحساب قد يعود للموظف المالي علي حيدر، خصوصاً أنه يتمتع بصلاحيات واسعة في السفارة اللبنانية في أوكرانيا، فهو المسؤول عن عملية تحويل الأموال من أوكرانيا إلى المصرف المركزي في بيروت كما أنه مسؤول عن جميع العمليات المالية.

من المتوقع، خلال الأيام المقبلة، أن يعلن الحكم القضائي بهذه القضية، وعليه سيحدد هذا الحكم براءة ضاهر أو إدانته بالمشاركة في عملية الاختلاس.

في واقع الأمر، انعدام الرقابة المالية على مؤسسات الدولة اللبنانية سهّل نهبها طوال السنوات الماضية. ولو أن السفير اللبناني في أوكرانيا مارس واجباته البديهية وهي التدقيق في الأوراق قبل أن يوقع عليها، لما استباح الفساد السفارة في أوكرانيا. وإبلاغه وزارة الخارجية اللبنانية بقضية الاختلاس قد لا تكون دليلاً على براءته.


أخلاقيات اللصوص

لا نحتاج إلى كثير من التدقيق للإنتباه أن بعض السفراء شغلوا مناصب لا تليق بهم، وساهموا في تشويه صورة البلد الذي يمثلونه. فالسفير اللبناني في أوكرانيا مشتبه به بقضية اختلاس، أما السفير اللبناني في فرنسا فيلاحق بعد اتهامه بقضية اغتصاب وبممارسات عنفية على موظفتين من السفارة اللبنانية في فرنسا.

باختصار، كل قضايا الفساد التي فضحت أمام الرأي العام، أو تلك التي يُهمس أو يجاهر بها، تؤكد أن معظم من شغل مناصب رفيعة أو حظي بصلاحيات واسعة داخل الدولة اللبنانية، كان يمتهن أخلاقيات اللصوص، فيشتهي الاستيلاء على الأموال العامة لأنه يدرك جيداً أن هذه الدولة هي مملكة الإفلات من العقاب، وأرضها معروفة بحفاوة استقبالها للفارين من العدالة واللصوص والقتلة.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: