ازدهار مدن ساحلية أخرى لا يؤثّر في مكانة صور على الخريطة السياحية. تعدّد الوجهات الترفيهية والأثرية وتنوّع الخيارات، يجعلانها قبلة الزوار على مدار العام. أما بحرها الأقل تلوثاً بالمقارنة مع الشواطئ الأخرى، فلا يزال يستقطب آلاف الرواد صيفاً.
تمنح شبه جزيرة صور خيارات شاطئية ترضي مختلف الطبقات. شاطئ الكورنيش البحري وواجهة الخراب ورأس الجبل وشاطئ محمية صور الطبيعية تترك حيزاً واسعاً للعموم من دون دفع أي رسم للسباحة. في المقابل، تحجز فئة أخرى مكاناً لها في منتجعات المدينة وفنادقها البحرية الخاصة، أبرزها استراحة صور السياحية. ولكونها الوجهة الأولى لطالبي الخدمات الفندقية والبحرية المميزة، تشكل مقياساً لحركة السوق السياحية جنوباً.
أخيراً، أنهت إدارة الـ«رست هاوس» المرحلة الأخيرة من إعادة الترميم بعد الحريق والتخريب اللذين تعرّضت لهما خلال أحداث 17 تشرين 2019. يوضح المدير العام للاستراحة علي خليفة أن إعادة الترميم تمّت على ثلاث مراحل و«كلّفت حوالي مليون ونصف مليون دولار طوال أربع سنوات، دفعتها شركة ردكوت التي تستثمر الاستراحة من وزارة السياحة منذ عام 1994». أما الوزارة، بحسب خليفة، فلم تساهم في أي مبلغ، «لكنها خفّفت العبء علينا من خلال تقسيط العائدات السنوية المستحقّة لها من إيرادات الاستراحة».
لم تخسر الـ«رست هاوس» زبائنها، ولا يزال الطلب كثيفاً على الغرف الفندقية في صور في فصل الصيف، إذ إن المدينة، بحسب خليفة، «لم تتأثر رغم كل الظروف التي مرّت على البلد. المحطتان اللتان ضربتا الموسم كانتا مجزرة قانا عام 1996 وعدوان تموز 2006». أبناء الجنوب المغتربون يكفون لتشغيل كل المرافق السياحية التي لا تستوعب كثافة الطلب عليها. فندقياً، هناك حوالي 200 غرفة بين فندق أو بيت ضيافة أو شاليهات خاصة، منها 66 غرفة في استراحة صور وحدها. «العدد أقل بكثير من الطلب على المدينة في الصيف من أبناء المنطقة ورواد البحر من كل لبنان والسياح من الخارج».
200 غرفة فندقية بين فندق أو بيت ضيافة أو شاليهات خاصة لآلاف السياح
الازدحام الذي تشهده صور على مدار أيام الصيف لا ينسحب على بقية أيام السنة. مرافق المدينة البحرية «تعتمد على الصيف لتحصيل إيرادات تغطي مصاريفها في الأشهر الراكدة شتاءً. فرغم أن الشتاء يشهد توافداً لمجموعات من السياح الأجانب، لكنه ليس كافياً لتغطية المصاريف التشغيلية». من هنا، يبرّر البعض ارتفاع الأسعار في المطاعم والفنادق والمحال على نحو مضاعف بالمقارنة مع مناطق أخرى.
على عجل، تمكّنت الـ«رست هاوس» من استعادة دورها بعد حادثة تشرين 2019. لم تقفل الأبواب أمام روادها، بل استقبلتهم في الأقسام التي كانت تُرمّم تباعاً. في البداية، تم ترميم المطعم والصالة الرئيسية، ولاحقاً الغرف الفندقية، وأخيراً غرف الاجتماعات والمكاتب. مشاهد الحريق والخراب التي التصقت بالاستراحة طوال سنوات، أعادت الذاكرة إلى عام 1994، عندما تسلّمتها شركة «الإنماء العقاري والمقاولات والتجارة» بعد منحها رخصة استثمار من وزارة السياحة. حينها، كانت الرمال تغطي واجهتها بعدما تكافلت العوامل الطبيعية مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفتها.
واحدة من ثلاث استراحات
عام 1969، شيّدت المصلحة الوطنية للتعمير ثلاثة مراكز سياحية في صور والعبودية وصيدا. تألّفت استراحة صور من عشر غرف فندقية وبركة سباحة و«كابينات» لرواد البحر. بداية الحرب الأهلية، توقف العمل في الاستراحة التي تحوّلت إلى مركز مهجور تناوب على شغله عدد من القوى المسلحة. على نحو تدريجي، تداعت الإنشاءات بسبب عوامل الطبيعة والأمواج العاتية، قبل أن تتمركز وحدة من جيش الاحتلال الإسرائيلي فيها بعد اجتياح 1982 وحوّلتها إلى مركز تحقيق وتوقيف. لاحقاً، شغل الصليب الأحمر الدولي قسماً منها، وتمركز فيها الجيش اللبناني واستُخدمت إحدى باحاتها الخارجية مهبطاً لمروحيات عسكرية بين صور ومقر قوات الطوارئ في الناقورة، ولا سيما إبان مفاوضات اتفاق 17 أيار. الوظيفة نفسها أدّتها خلال مفاوضات تفاهم نيسان. وفي اعتداءات 1993 و1996 و2006، شكّلت مركزاً لوسائل الإعلام العالمية لتغطية الحرب على الجنوب. كما آوت عدداً من النازحين.
تعليقات: