أنفاق بيروت وكر للصوص وخطر الموت.. المحافظ يدعو لمقاضاة مصدّري النحاس وبائعي الخردة

نفق بيروت - خلدة / تصوير حسن عسل
نفق بيروت - خلدة / تصوير حسن عسل


لم يدخل لبنان نفقاً مظلماً وحسب، بل حتى مواطنوه باتت حياتهم مرهونة في #أنفاق مظلمة. عشرات الأمتار من الظلام لا يعرف السائقون وجهتهم فيها، وكل المحاولات الهادفة لإنارتها باءت بالفشل. من النفق المتجه من جسر الرئيس فؤاد شهاب (الرينغ) نحو الحمرا أو عين المريسة وصولاً إلى النفق المحاذي لمطار رفيق الحريري الدولي، طرقات أشبه بطرقات الموت، عدا عن أعداد الحفر وومساحاتها الكبيرة. ويبدو أن غياب الإنارة والتهوئة هو سيد الموقف.

في آذار الماضي، أضاءت محافظة بيروت وبلديتها نفق جسر الرينغ الذي يصل منطقة ميناء الحصن بالأشرفية من الجهتين، والمعروف باسم "نفق فينيسيا" بالتعاون مع بعض المؤسسات التجارية. يومها أعلن المحافظ مروان عبود أن تكلفة المشروع بلغت 500 ألف دولارأميركي. وكانت عصابة ألقي القبض عليها فيما بعد وأطلق سبيل أفرادها، قامت بسرقة الكابلات التي تغذي النفق بالكهرباء. إلا أن إضاءة هذا النفق لم تدم طويلاً لتعود العتمة إلى ملازمته على خطي الإياب والذهاب.

يكشف محافظ بيروت القاضي مروان عبود عن تعرض النفق للسرقة مرة أخرى، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عنه. وطالب عبود في حديثه لـ"النهار" السلطات المعنية بمنع تصدير النحاس إلى الخارج وبالأخص إلى الهند. ولفت إلى أن السبائك النحاسية المصدّرة من لبنان مصدرها الأسلاك المصهورة بالأساس والمسروقة من المنشآت العامة.

كما طالب بمحاسبة بائعي الخردة بتهمة الإضرار بالبنى التحتية والتسبب بالأذى للمواطنين. ودعا محافظ بيروت القضاء إلى التشدد بالأحكام الصادرة بحق عصابات السرقة التي يلقى القبض على أفرادها، وأكد أن العمل جارٍ لإعادة إنارة الأنفاق في بيروت بغية الحفاظ على السلامة العامة وحماية المواطنين.

باتت هذه الأنفاق تعاني من الظلام الدامس، إلا أن العديد منها يتحاشى المواطنون المرور فيها ليلاً، نظراً إلى تمركز عصابات السرقة والتشليح فيها. ويصف مسؤول نشاطات اليازا في بيروت سمير سنو الأنفاق بأنها من النقاط الحرجة وتعتبر من "النقاط السوداء" أي الأماكن التي يعتبر معدل وقوع ال#حوادث فيها عالياً جداً، ويجب أن تحظى بالاهتمام لتخفيض نسبة الخطر فيها، وعادة ما تسعى البلدان إلى إيجاد حلول لها بناء على دراسات ميدانية. أما في لبنان فإن النقاط السوداء موجودة من دون معالجة، وأكثر النقاط الحرجة والخطرة هي الأنفاق. وحتى لو تمت إنارة هذه الأماكن تبقى نسبة الخطر فيها عالية لكونها مكاناً مغلقاً ومن دون مسارب.

وينطلق سنو من بنود علم الحوادث وبالتحديد الفقرة المتعلقة بـ"التهوج والاسترداد". هذه الفقرة تتحدث عما تراه العين في الطرقات وإمكانية الرؤية وما يؤثر عليها سلباً. ويضيف: "حين يخرج الإنسان من الظلام إلى النور، فإن العين بحاجة إلى ثلاث ثوان لكي تعود الرؤية إلى طبيعتها. أما في حال انتقلنا من النور إلى الظلام فإن العين بحاجة على الأقل لست ثوان وربما أكثر حسب نسبة سطوع الشمس كي يتم ضبط الرؤية فيها".

ويرى سنو أن نفق المطار هو الأكثر خطورة في لبنان، لأن في لحظة الدخول إليه تكاد تنعدم الرؤية، ومع هذا فإن بعض الناس لا ينضبطون في داخله، وحوادث السير باتت يومية. ويؤكد أن الحل الأكيد هو الإنارة، على أن تكون ساطعة في بداية النفق كي تعادل الضوء في الخارج. ويتحدث سنو عن مبادرات فردية مهمة لتأهيل الأنفاق ومنها استخدام عواكس النور وهي أمور مساعدة ولكنها ليست حلاً جذرياً. ودعا طيران الشرق الأوسط أو إدارة الطيران المدني للمساهمة في إنارة نفق المطار إلى حين يصبح للبنان سلطة تهتم بشؤون مواطنيها.

اما عن الجهة التي يخضع لها نفق المطار، فيوضح مدير المكتب الإعلامي في بلدية الشويفات طارق أبو فخر بأن النفق هو من الطرقات الدولية التي تخضع لوصاية وزارة الأشغال مباشرة.

يذكر أبوفخر بأن النفق كان يستمد إنارته من مطار رفيق الحريري الدولي لكونه محاذياً له، أما اليوم فمن غير المعروف ما الذي جرى وأوقف هذا التعاون. ويؤكد أن هناك مساعي وجهوداً تبذل مع جهات غير حكومية لتأمين إنارة النفق.

يعيد مديرعام الطرقات والمباني طانيوس بولس وضع نفق المطار المزري إلى السرقة التي تعرض لها والتي حرمت جزءاً كبيراً منه من الإنارة.

وأشار في حديثه لـ"النهار" إلى تأثر السلامة العامة بالأوضاع المالية السائدة في البلاد والتي أدت إلى تأخر صيانة الطرقات والأنفاق. وغياب التيار الكهربائي دفع بالبعض إلى التعرض للمشاعات والأملاك العامة وسرقة الأسلاك الكهربائية ولوحات الدلالة وأعمدة الإنارة ومعدات إلكترونية للتشغيل.

وكشف عن خطة جرى التوصل إليها بين وزارة الأشغال وإدارة الطيران المدني وإدارة المطار التي يتبع النفق لها، فيما يخص التغذية بالتيار. وقدّر قيمة الكابلات المسروقة من نفقي المطار الغربي والشرقي بـ 300 ألف دولار أميركي.

وتعمل وزارة الأشغال على إعادة الإنارة إلى النفق وتركيب طاقة شمسية للنفقين على الجهتين بكلفة 400 ألف دولار أميركي، بحسب بولس الذي يعول على الطاقة البديلة لتأمين استمرارية توفر التيار الكهربائي، ما يمنع أيضاً سرقة الكابلات مجدداً. مشدداًعلى أهمية النفق الاستراتجية والضرورية.

ويؤكد مدير عام الطرقات والمباني وجود خطة جاهزة أقرت كلفتها في الموازنة العامة، ولكن هناك مشكلة في آلية الصرف والدفع لكون الاعتمادات تصرف بالليرة اللبنانية وتستوجب وقتاً طويلاً لصرفها بسبب الأعمال الإدارية وهذه المشكلة سائدة في كافة إدارات الدولة. وأكد أن الحلول جاهزة وسيبدأ تطبيقها فور توفر الأموال اللازمة.

وتحدث بولس عن تسهيلات أقرها مجلس الوزراء، ورغم تطبيق قانون الشراء العام إلا أن آلية صرف الأموال تبقى هي المشكلة الأبرز لكون المتعهدين يطالبون بالدفع الفوري خشية من التتقلبات في سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية، وهو أمر طبيعي.

غياب سلطة الدولة والمحاسبة الرادعة وترك المواطنين يواجهون مصيرهم على الطرقات، دفعاً بالعصابات إلى السطو على الأملاك العامة والأسلاك الكهربائية وحتى أغطية المصارف الصحية لبيعها في أسواق الخردة. السلامة العامة في الأنفاق لا ترتبط بتوفر التيار الكهربائي فقط، بل تتعلق بتوفر الأمن وحضور سلطة الدولة في أرجاء الوطن، وإلا لن يقتصر الأمر على ما تمت سرقته من قبل العصابات بل بالبحث عن بديل سريع للكسب الحرام من قبل اللصوص ونهب ما تبقى من أملاك عامة من حجر وشجر وأسلاك ومعدات، إلى كل معدن أو كل ما يمكن الاستفادة منه وموجود على أملاك الدولة.

عودة إلى الصفحة الرئيسية



تعليقات: