اعتادت النساء في سوق السمك في منطقة الأوزاعي مساندة أزواجهن (Getty)
تعمل أمل حمزة (47 عاماً) في محل زوجها فادي العبدالله لبيع السمك، في منطقة الأوزاعي، إحدى ضواحي بيروت. تقول "بدأت بالعمل في تنظيف السمك وبيعه منذ عام تقريباً"، ولكن الظروف الصحية لزوجها ودخوله المستشفى مرات عديدة، أجبرتها على مرافقته في رحلات الصيد، ومساندته في رمي الشباك وسحبها من عمق المياه. وهو عمل شاق بالنسبة إلى النساء.
أمل حمزة، أم لثلاثة بنات. تعيش في بيت متهالك بالقرب من شاطئ الأوزاعي. تقول: "من الصعب على امرأة في لبنان، وتحديداً في المناطق الشعبية، العمل في المهن التي تعد حكراً على الرجال. لكن الوضع مختلف تماماً بعد الأزمة الاقتصادية الحالية، فـ"الصيد يعني تأمين قوتنا اليومي، وفي ظل عجز زوجي عن القيام بالعمل بمفرده، كان لا بد من مساندته".
مهنة الرجال
اعتادت النساء في سوق السمك في منطقة الأوزاعي مساندة أزواجهن، لكن عملهن لم يكن يخرج عن إطار تنظيف السمك، أو بيعه، إلا أن انتشار فكرة صيادات السمك بدأت تلاقي رواجاً في مناطق عديدة في لبنان. فعلى الرغم من أن العديد من النساء لا يمتلكن مهارة السباحة، إلا أنهن يخاطرن بحياتهن من أجل تأمين لقمة العيش.
تحتاج حمزة شهرياً إلى 70 دولاراً لشراء دواء لزوجها، بالإضافة إلى المصاريف اليومية، تأمين أقساط المدارس، والاحتياجات الأساسية. تبدأ رحلة الصيد منتصف الليل ومع بزوغ الفجر، تنطلق وزوجها في القارب، وتسانده في رمي الشباك، ومن ثم رفعها.
في الصباح، تبدأ عملية البيع. في بعض الأحيان، يشتري بعض باعة السمك ما تم اصطياده، وفي أحياناً أخرى، تضطر إلى نقل السمك إلى محلها، لتنظيفه وبيعه للعامة.
مناطق الإهمال والفقر
تعاني منطقة "الاوزاعي" الواقعة على أطراف العاصمة بيروت من الإهمال والفقر، الأمر الذي دفع بأبنائها إلى استغلال موقعها الجغرافي الساحلي، والعمل في صيد السمك. يعيش ما يقارب من 5000 نسمة في ظروف صعبة، معظمهم يعانون من التهميش، ويضطرون إلى البحث عن أي عمل حتى يتمكنوا من تأمين قوتهم اليومية.
في ظل هذه الظروف، ازدهرت مهنة صيد السمك. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة، إلا أن حمزة تشير إلى أنه في كل بيت من بيوت الأوزاعي، لابد أن يكون هناك على الأقل صياد.
أمل حمزة ليست السيدة الوحيدة التي خاضت غمار هذا العمل الشاق، والذي يحتاج إلى بنية جسدية قوية. تساند فاطمة حرب والدها في محل بيع السمك. تقول لـ"المدن": قبل الأزمة الاقتصادية، كان والدي يستعين بعاملين لتنظيف السمك، وطهيه، وبيعه جاهزاً، لكن ارتفاع أجرة العمال، دفعته إلى الاستغناء عنهم". وتضيف" وحتى يتمكن من والدي من الاستمرار في عمله، كان لابد من مساندته، بدأت بتنظيف السمك وطهيه". تعمل إيمان حرب ما لا يقل عن 12 ساعة يومياً. تقول "في بعض الأحيان، يمكن أن يأتي زبون عند الساعة 8 ليلاً، لشراء سمك مقلي أو مشوي، ولا بد من تلبية الطلب، وإلا لن نتمكن من تسديد إيجار البيت، وتأمين المصاريف اليومية".
ماذا عن الأجور؟
على الرغم من الدور الذي تقوم به السيدات في مهنة صيد السمك، لكنه في الغالب يأتي لمساندة العائلة، وبالتالي لا تتقاضى السيدات أي أجر خاص نظير القيام بعملها هذا. تشير إيمان إلى أن النساء في منطقتها لا تملكن رفاهية المطالبة بأجر خاص. ببساطة، لأن ما يتم اصطياده وبيعه، لا يكفي حتى لشراء الاحتياجات الأساسية، وتأمين الأدوية، والأقساط، في ظل انهيار سعر الصرف، وفرض التسعيرة بالدولار الأميركي.
لا يوجد أي جمعية أو نقابة تحمي هذه الفئة من العمال، وتحديداً أصحاب المهن اليدوية، ولذا، لا يوجد أي تنظيم لعملية توزيع الأجور، أو حتى لمساندة الصيادين في حال مرضهم، أو تعرضهم لحوادث خلال العمل.
فقد تعرض على سبيل المثال، خليل ضو، صياد سمك في العقد الرابع من عمره، لحادث بالقارب، بسبب عاصفة رعدية، واضطر إلى الجلوس في البيت لأشهر، ما دفع زوجته وأبناءه إلى العمل في تنظيف وبيع السمك على الطرقات لتأمين الأدوية والطعام.
غياب الجمعيات الخاصة برعاية هذه المهن، دفع بعض النساء إلى تأسيس جمعية تنظم أعمالهن.
ترأس هنادي طالب البالغة من العمر ثلاثين عاما تعاونية نسائية في ببنين-عكار، شمال لبنان، لترتيب وتنظيم شؤون الصيادين، وتحديداً الصيادات.
على الموقع الإلكتروني الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تروي طالب، مهام هذه الجمعية، والتي تساعد السيدات على تعليم صناعة وإصلاح شباك الصيد للصيادين المحليين، وتدريبهن على شؤون الصيد، وما إلى ذلك. ووفق طالب تشارك في التعاونية أكثر من 150 امرأة، من بينهن لاجئات من سوريا.
تتراوح أعمار السيدات في هذه التعاونية ما بين 17 و 50 سنة، ووفق طالب، بعض الشابات طالبات، يقمن بهذا العمل حتى يتمكّنّ من إعالة أنفسهن ومواصلة دراستهن.
تكاليف مرتفعة
على الرغم من أن تكاليف الصيد باتت مرتفعة، لكن عمليات البيع لا تزال تتم بالليرة اللبنانية حسب ما تؤكده حمزة. تقول "لايمكن فرض تسعيرتنا بالدولار، لأنه وببساطة لن نتمكن من بيع كيلوغرام من السمك، ولذا لا تزال عمليات البيع بالليرة اللبنانية".
وتضيف: "بعد الأزمة الاقتصادية، ارتفعت كلفة الصيد بشكل جنوني، إذ باتت أسعار المعدات من شباك وأدوات صيد بالدولار الأميركي، كما أن الوقود الخاص بالمراكب وتصليح القوارب، وصيانتها تتطلب أيضاً التسديد بالفريش دولار، ناهيك عن تأمين الكهرباء لحفظ السمك، وتسديد الاشتراكات الخاصة بالمولدات".
هذا الواقع، فرض على النساء العمل لساعات طويلة، وظروف بيئية خطرة خلال فصل الشتاء، ورغم ذلك، لم يقترن عمل المرأة هذا بتحسين ظروف عيشها، أو حتى حصولها على أي أجر مستقل، خصوصاً وأن المئات من الأسر في المناطق الفقيرة، سواء في بيروت أو الشمال حيث تنشط مهنة الصيد، باتت تعتمد على مساندة المرأة، لتأمين قوتها اليومي.
هنادي طالب ومجموعة من النساء يعملن بصناعة شباك الصيد (منظمة الفاو)
تعليقات: