خطف وانتهاكات: العصابات تتحكم بمصير اللاجئين عبر الحدود اللبنانية

120 معبراً غير شرعي بين لبنان وسوريا (Getty)
120 معبراً غير شرعي بين لبنان وسوريا (Getty)


الوقائع التفصيلية والأدلة الدامغة والأرقام الصادمة، التّي ظهرت في الشهرين الأخيرين، تشيران جليًا لاستهتار لبنان الرسميّ الفظيع، إزاء كل التزاماته الدوليّة والحقوقيّة والإنسانيّة، بدءًا بصَمْته عن حملات التّحريض العنصريّة والتّمييزيّة مرورًا بمداهماته العشوائيّة لمساكن اللاجئين ومن ثمّ ترحيلهم قسريًا، وصولاً لإهماله المألوف لكل تبعات هذا الاستهتار، أكان أمام المجتمع الحقوقيّ الدوليّ أو أمام اللاجئين المذعورين. اليوم، يُمكن القول إن هذا الاستهتار -وعلى خلاف ما توقعته وترتضيه السّلطات اللبنانيّة- تمكن من إماطة اللثام عن انتهاكاتها المُستمرة بحقّ اللاجئين منذ بداية توافدهم إلى لبنان حتّى الآن. وإن كان من العصيّ الإحاطة بكل الوقائع المُتعلقة بهذه الانتهاكات، فالتقارير الحقوقيّة المتوالية، هي بمثابة صفعة ونقاط سوداء تُسجل دوريًا في مرمى لبنان الحقوقي.


مخاوف مُستجدّة

فصباح يوم الإثنين 19 حزيران الجاري، نشر مركز وصول لحقوق الإنسان- ACHR- تقريرًا حمل عنوان "جرائم الاختطاف وتجارة البشر بعد ترحيل اللاجئين قسرًا من لبنان"، أفاد فيه عن ظاهرة مستجدّة يُعاني منها اللاجئون في لبنان ترتبط بانتشار جرائم الخطف مُقابل فديّة. وتحدث التقرير عن رصد الفريق الميداني التّابع للمركز، عدّة حالات تعرّض فيها الضحايا، ومن ضمنها نساء وأطفال، لأعمال تعذيب واساءة معاملة خلال احتجازهم وحرمانهم من حريتهم على يدّ الجهات الخاطفة. وهذه الظاهرة مُنتشرة على امتداد دول اللجوء السّوري بشكلٍ واسع ودوريّ وخصوصاً في تركيا، التّي تضج بصورة متكرّرة بحوادث الاختطاف فضلاً عن كشف عصابات للاتجار بالبشر بغية دفع الفديّة أو استغلال النساء بعصابات الدعارة.

ولفت التقرير أن هذه الظاهرة المُستجدّة حاليًا، يعود تاريخها لبداية الاحتجاجات المدنيّة في سوريا عام 2011 وانتقالها من الطور السّلمي إلى الطور المُسلح عام 2012. وبتأثر المشهد اللبناني بالتأزم السّياسيّ/ الأمنيّ في سوريا، وما لحقه من مواجهات أمنيّة بين أطراف موالية لحكومة النظام السوري والأطراف المناهضة له داخل لبنان، جرى خلالها اختطاف عشرات اللاجئين السوريين كنوعٍ من الثأر لاختطاف أو اختفاء لبنانيين في سوريا. وكانت موجة الاختطافات تلك تستند إلى دوافع طائفية، من دون أن تُحرك السّلطات اللبنانية ساكنًا. وقد تمت تغطية هذه الحالات إعلاميًا، محليًا ودوليًا.

وفيما صمتت الدولة وتجاهلت الجناة ولم تلاحقهم وسمحت لهم بالإفلات من العقاب، وصل الأمر حدّ تفاقم ظاهرة الخطف لتصير مصدرًا لمراكمة الثروات عند المُهربين وعصابات الاختطاف، التّي تستهدف مدنيين من اللاجئين وتُطالب أهاليهم دفع فدية مقابل إطلاق سراح ذويهم. وحسب التقرير، فإن عصابات الاختطاف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لاستدراج ضحاياها، لإيهامهم بتأمين مساعدة مرتبطة باللجوء إلى دول أوروبية في بعض الحالات، وبذلك يتم استدراج الضحية لتنفيذ عملية الاختطاف وطلب فدية من ذوي الضحية لقاء الإفراج عنها.


حملات التّرحيل

ومع تفاقم وتيرة المداهمات وعمليات التّرحيل (المستمرة حتّى اليوم)، تعرضت بعض الحالات المُرحلة إلى خطر الاختطاف من قبل تجار البشر من المهربين، حيث تركت السّلطات اللبنانية بعض اللاجئين الذين تمّ ترحيلهم قسرًا بطريقة عشوائية عبر معبر "المصنع" الحدوديّ في نقطة ما بعد الحدود اللبنانية وبالقرب من الحدود السورية، ما زاد من تعرّض حياتهم للخطر والابتزاز المالي من قبل عصابات الاختطاف، ذلك حسب ما أشار التقرير، وما لا يقل عن 82 حالة من اللاجئين المرحلين الذين سلمتهم الفرقة الرابعة ضمن الجيش السوري إلى مهربي البشر عبر الحدود، ذلك عبر نقطة معبر "وادي خالد" الحدودي شمالي لبنان، وقد تم تسليم الضحايا لمهربي البشر بهدف استجرار مبالغ مادية من اللاجئين، وترك بعضهم الآخر ضمن الحدود السّورية.

وفي المناطق الحدودية، تستغل عصابات الاختطاف ضحاياها من أجل تحقيق مكاسب مالية، وتحرمهم من حريتهم بهدف ابتزاز أقاربهم ومطالبتهم بدفع فدية. وفقًا لشهادات ومعلومات تلقاها ACHR يتعرض اللاجئون الذين يتم احتجازهم وحرمانهم من حريتهم لأعمال عنف بشعة ووحشية. تشمل هذه الأعمال العنف الجسدي القاسي والاعتداءات الجنسية، بما في ذلك اغتصاب النساء، كما تعرض بعض الضحايا للقتل أو الاختفاء في حالة عدم قدرتهم على دفع الفدية المطلوبة. تتسم المعاملة التي يتعرض لها الضحايا بالقسوة واللاإنسانية، حيث يتم تعذيبهم لتشديد المحنة وإرغام أقربائهم على سرعة دفع الفدية لإطلاق سراحهم.


عصابات التهريب

وقد تابعت "المدن" في تقاريرها السّابقة عن حملات التّرحيل، واقع شبكات التهريب عبر الحدود والتّي نشطت مؤخرًا، خصوصًا بنزوع عدد من اللاجئين المرحلين للدخول إلى الجانب اللبناني مجدّدًا عبر المعابر البريّة غير النظاميّة الممتدة على مقلبي الحدود اللبنانيّة - السّورية من منطقة وادي خالد المتاخمة لمدينة حمص، وصولاً لمنطقة القصير المتداخلة بين البقاع الشمالي اللبناني والداخل السوري، وغيرها من المعابر الترابية التّي تصل بين البلدين.

ونشطت شبكات جديدة للمهربين من الجنسيتين وبين البلدين. ولما كانت تكلفة التهريب سابقًا محددة ومحدودة التفاوت، فإن المهربين للاجئين المرحلين استفادوا من هذه الأوضاع الاستثنائية، لتتضاعف تكلفة التهريب وخطورته، خصوصاً أنه يشتمل على رحلات من المناطق التّي استقر فيها المرحلون مؤقتًا وصولاً للحدود. وفيما كانت تتراوح سابقًا كلفة التهريب من سوريا إلى لبنان بين 100 و400 دولار أميركي للشخص الواحد، باتت اليوم وللمُرحلين تحديدًا تفوق 300 دولار على أقلّ تقدير، وتتجاوز في بعض الحالات مبلغ 800 دولار أميركي.

هذا فيما لا يزال الجانبين اللبناني والسّوري متورطين في اهمالهما لملف المعابر غير الشرعية (ما يُناهز 120 معبرًا بريًا بين سوريا ولبنان)، وذلك إذعانًا منهما للنفوذ السّياسيّ والأمنيّ المُستفيد من هذا التفلت. فناهيك عن تهريب البضائع والسّلع وتحول الاقتصاد السّوري لاقتصاد قائم على التجارة غير الشرعيّة والتهريب، فإن هذا الواقع فتح باب الاتجار بالبشر على مصراعيه، دون أن تقوم السّلطتين بوضع حدّ له. وفي هذا السّياق يُشير المدير التنفيذي لـACHR في حديثه مع "المدن" قائلاً: "التقرير الذي أعدناه هو بمثابة دعوة للسلطات اللبنانية لتوجيه أنظارها نحو الحدود مع سوريا والبحث الجديّ في ملاحقة هذه الشبكات ومن يقف وراء دعمها، وأن القرارات الحكومية التعسفية وتجعل اللاجئين موضع خطر وعرضة للاستغلال المباشر، بسبب تملّص السلطات من مسؤولياتها تجاه حماية اللاجئين تحت سقف القانون اللبناني. كما ندعو المسؤولين الحكوميين لإيقاف بث خطابات الكراهية بوجه اللاجئين الهاربين من أبشع ظروف الأمنية في سوريا، وإيهام اللبنانيين بأن ما جرى في لبنان سببه اللاجئين".

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: