«المشاريع المشتركة» في التعليم المهني: معاهد مهنية مقفلة بميزانيات مفتوحة

«المشاريع المشتركة» في التعليم المهني: معاهد مهنية مقفلة بميزانيات مفتوحة
«المشاريع المشتركة» في التعليم المهني: معاهد مهنية مقفلة بميزانيات مفتوحة


تموّل المديرية العامة للتعليم المهني والتقني 56 مشروعاً مشتركاً محسوبة على مختلف الأطراف السياسية. بعض هذه المعاهد المهنية مقفل وتُرصد له ميزانيات لتغطية أجور موظفين متعاقدين ليس لديهم أيّ عمل، وبعضها الآخر يحلّ محلّ المعاهد الرسمية


عام 2018، بلغت أجور الموظفين المتعاقدين في 48 مشروعاً مشتركاً في التعليم المهني، نحو ثمانية مليارات ونصف مليار ليرة، تضاف إليها عشرات مليارات الليرات تدفعها المديرية العامة للتعليم المهني والتقني لتغطية المصاريف التشغيلية وبعض التجهيزات وأجور الأساتذة المتعاقدين ورواتب أساتذة الملاك الملحقين بها.

المفارقة أن هناك ثمانية «مشاريع مشتركة» لا تُرصد لها ميزانيات من الصندوق الداخلي في المديرية (يهدف إلى تمويل المشاريع المشتركة، وترأسه المديرة العامة للتعليم المهني هنادي بري، ويضم رئيس مصلحة ومدير معهد ومندوباً عن وزارة المال)، بل من صندوقَي المساهمة والتعاضد (يهدفان إلى دعم المدارس المتعثرة وترأسهما بري أيضاً)، علماً أنه انتقل إلى إدارة بعض هذه المشاريع أساتذة في ملاك التعليم المهني الرسمي يتقاضون رواتبهم من الدولة وليس لديهم أي عمل، ويداومون في معاهد لا تستقبل طلاباً.

والمعاهد الثمانية التي تحظى بتمويل من صندوقَي المساهمة والتعاضد، هي: المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية في الدكوانة (مقفل)، معهد الشهيد هاني علوية الفني في العباسية، مركز التدريب المهني التابع لجمعية العرانسة الخيرية في وادي خالد (مقفل)، مركز التدريب على مهنة النجارة (مقفل)، المعهد المهني الوطني - بعبدا، معهد العلم والسعادة الفني في طرابلس، معهد التمريض في عبيه (مقفل) ومعهد الرسالة للتدريب في الضاحية الجنوبية لبيروت (غير مقفل، لكنه لا يعمل).

وهذا يرفع عدد «المشاريع المشتركة» إلى 56 مشروعاً، أي ما يوازي 44% من عدد المهنيات الرسمية (127 معهداً ومدرسة مهنية). إلا أن عدداً لا يستهان به من هذه المعاهد ومراكز التدريب التي كلف تجهيزها مبالغ ضخمة أُهملت وأقفلت، من بينها مثلاً مركز تدريب أنظمة سيسكو الذي يحصل، رغم أنه مقفل، على 50 مليون ليرة سنوياً من الصندوق الداخلي، ومعهد الهرمل الفني النموذجي المقفل أيضاً والذي يكلف الصندوق الداخلي نحو 169 مليون ليرة بدل أجور لـ 10 موظفين متعاقدين! واللافت أن أحد هؤلاء المتعاقدين توفي العام الماضي، إلا أن اسمه ورد مراقباً في الامتحانات الرسمية لهذا العام في المعهد نفسه.


فلسفة المشروع المشترك

«المشروع المشترك» هو عبارة عن معهد - أو مدرسة مهنية - تموّله الدولة، وتديره لجنة تنفيذية مؤلّفة من ممثلين عن المديرية العامة للتعليم المهني، ومؤسسة خاصة أو عامة يفترض أن تكون لها أهداف ومهام تعليمية مهنية وتقنية وتنموية. كما يفترض أن يقدم المشروع اختصاصات في التعليم المهني غير متوافرة في المديرية العامة، وألا يكون هناك معهد مهني رسمي ضمن نطاق المشروع يُقدّم اختصاصات مطابقة لاختصاصاته، وألّا يقلّ عدد الطلاب فيه عن 50 في السنة الأولى، على أن تسهم المؤسسة العامة أو الخاصة التي تعقد الاتفاق مع المديرية العامة بتقديم البناء أو التجهيزات أو الخبرة أو المساهمة المالية.

وتتولى اللجنة التنفيذية التعاقد مع العاملين في «المشروع المشترك» على اختلاف أسلاكهم وفئاتهم، ولا يُعدّ العقد نافذاً إلا بعد موافقة المدير العام عليه. كذلك يمكن إلحاق موظفين من ملاك المديرية بهذه المشاريع، ليحصلوا على التعويضات والمخصّصات نفسها التي ينالها أفراد الهيئة التعليمية في الملاك بحسب الرتبة أو الفئة في سلسلة رتب ورواتب الملاك الإداري العام. وتُجدّد عقود المتعاقدين بموجب تقييم أداء من مدير المعهد يرفعه إلى اللجنة التنفيذية التي تصادق عليه، ومن ثم يصادق عليه المدير العام. ويتم تصنيف فئات المتعاقدين من دون اللجوء إلى أحكام وقوانين مجلس الخدمة المدنية.

ويُموَّل المشروع المشترك من موازنة المديرية العامة ومساهمة الشركاء (القطاع الخاص) والصندوق الداخلي في المديرية العامة بعد موافقة مجلس إدارته، وكذلك من الهبات والتبرّعات.

هذا ما جاء في قرار تنظيم المشاريع المشتركة الرقم 326 بتاريخ 24/12/2005. أما في الواقع، فقد تحوّلت هذه المشاريع إلى باب للتنفيعات السياسية والحزبية والمناطقية، تستفيد منه المؤسسة الخاصة لتوظيف الأقارب والمحاسيب، بعيداً عن أي مباراة شفافة عبر مجلس الخدمة المدنية. وقد تقدم المؤسسة الخاصة البناء، وفي بعض الأحيان التجهيزات، لكن لم يسبق أن قدّمت الخبرة أو المساهمة المالية. كما لم تنشأ هذه المشاريع يوماً لغايات تربوية وبناءً على دراسات جدوى كما ينصّ القرار، بل لأهداف تنفيعية شخصية أو توظيفية للقوى السياسية من دون استثناء، إذ إن لكل طرف حصته في كل منطقة. وتتوزع المشاريع الـ 48 سياسياً كالآتي: حركة أمل (17 معهداً)، تيار المستقبل (8)، تيار العزم برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (7)، الحزب التقدمي الاشتراكي (4)، حزب الله (3)، عبد الرحيم مراد (3)، ميشال معوض (2)، تيار المردة (2)، التيار الوطني الحر (1) والكتائب (1).


مشاريع انتخابية ومخالفات

أما المشاريع التي أُنشئت بعد إقرار سلسة الرتب والرواتب في 21 آب 2017، بتوزيع سياسي ولأهداف انتخابية عشية الانتخابات النيابية عام 2018، فقد بلغ عددها 11 مشروعاً، وجرى التعاقد، خلافاً لقانون السلسلة، مع 56 موظفاً جديداً و«جيش» من المتعاقدين للتدريس بالساعة على نفقة الخزينة، إضافة إلى عدد لا يُستهان به من موظفي الملاك، فيما عُيّن مديرو هذه المشاريع بحسب الانتماء السياسي لكل مشروع، وكذلك بالنسبة إلى الموظفين والأساتذة المتعاقدين، ما يكبّد الخزينة عشرات مليارات الليرات من مصاريف تشغيلية وتجهيزات وأجور متعاقدين ورواتب موظفين.


تحوّلت المشاريع المشتركة باباً للتنفيعات السياسية والحزبية والمناطقية لتوظيف الأقارب والمحاسيب


المفارقة أن بعض المشاريع المشتركة حلت مكان المهنيات الرسمية، في مخالفة صريحة لقرار تنظيم المشاريع. ففي بلدة الخيام (قضاء مرجعيون) مثلاً، أُقفلت المهنية الرسمية وأُنشئ «مشروع مشترك» باسم «معهد شهداء الخيام». الأمر نفسه تكرر في أبي سمرا (طرابلس)، حيث حلّ «معهد السعادة الفني» مكان المهنية الرسمية. وفي تبنين (قضاء بنت جبيل)، يشغل «مشروع مشترك» تديره بلدية تبنين والمديرية العامة للتعليم المهني مبنى متوسطة رسمية تابعة لوزارة التربية. وفي صيدا، مشروع مشترك باسم «مركز التدريب المهني والتقني للشباب» محسوب على النائبة السابقة بهية الحريري (مقفل)، وآخر باسم «مهنية الجوزو» في برجا (إقليم الخروب) تابع لمفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو.

وإلى ذلك، فإن معهد التمريض في بئر حسن (بموازنة مليار و136 مليون ليرة) والمعهد الفني السياحي في الدكوانة (بموازنة نحو 855 مليون ليرة)، ليسا مهنيتين رسميتين، بل مشروعان مشتركان مع القطاع العام، الأول مع وزارة الصحة، والثاني مع وزارة السياحة، وهما يشغلان مبانيَ تابعة للمديرية العامة للتعليم المهني، والتوظيف فيهما من خارج الملاك الإداري الرسمي.


تكليف بري غير قانوني

ثمة تضارب مصالح واضح بين تعاقد المديرة العامة للتعليم المهني والتقني، هنادي بري، مع مشروع مشترك لا تزال تديره هو المعهد الوطني للعناية التمريضية، وتكليفها كمديرة عامة من خارج الملاك وفوق السن القانونية (44 عاماً)، وفئتها الوظيفية (فئة ثالثة)، بينما المدير العام يترقّى من الفئة الثانية إلى الأولى.

وفي التفاصيل أن تأليف اللجنة التنفيذية التي تجدد تعاقد بري في المشروع المشترك، وتعيين رئيسها وتسمية أعضائها من بين الموظفين في المديرية ورئيس اللجنة، يتم بقرار يصدر عن المدير العام (أي بري نفسها)، فيما يُجدد العقد من موظفين مُسمَّين ومُعينين من قبلها لتعود وتصادق على تجديد تعاقدها بنفسها كونها المديرة العامة.

كذلك تصرف بري بنود موازنة المعهد الوطني للعناية التمريضية كمديرة للمعهد وترفع الموازنة إلى مصلحة المحاسبة والتدقيق لدراسته وتقوم بالموافقة والمصادقة عليه، ومن ثم تصادق هي على صحتها، فيما تقوم رئيسة دائرة التدقيق ر. ع. المهيمنة على المشاريع وصندوق التعاضد ومشروع التمريض وملف التعاقد للتدريس بالساعة والمشاركة في كل مراحل أعمال الامتحانات الرسمية، بتدقيق ميزانية المعهد والمشاريع المشتركة كونها رئيسة دائرة التدقيق التي تخضع بدورها لسلطة بري.

ويشرف رئيس مصلحة الإدارة والتنفيذ على أعمال اللجنة التنفيذية التي تجدّد عقد المديرة العامة ويخضع في الوقت نفسه لسلطة بري كون كل القرارات وصرف الأموال والمصادقة على ميزانيات وغيرها هي من صلاحيات المدير العام. فأيّ مسوّغ قانوني يجيز تكليف بري بعد كل هذا التضارب في المصالح؟

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: