الحقيقة المخيفة عن المياه بلبنان: غارقون بالصرف الصحي والنفايات

خطة وزير البيئة: الحوكمة الرشيدة والتمويل المستمر والاستثمار الجديد بالبنية التحتية (علي علوش)
خطة وزير البيئة: الحوكمة الرشيدة والتمويل المستمر والاستثمار الجديد بالبنية التحتية (علي علوش)


اليوم أكثر من أي وقت مضى، بات المواطن اللبناني عرضةً للأمراض المميتة بسبب المياه الملوثة. بل وأكثر، الحقيقة التي تتجاهلها الدولة اللبنانية أن المياه التي يشربها المواطن لم تعد صالحة للشرب منذ سنوات طويلة، والخضار التي يأكلها، مروية بمياه الصرف الصحي.


أزمة مستمرة وأمراض مميتة

في الواقع، يواجه قطاع الصرف الصحي في لبنان مشاكل كثيرة، ويؤدي إلى نتائج مخيفة. فهو بالحد الأدنى يفتقر للإدارة الرشيدة، وبحاجة لتمويل مستمر، ولتيار كهربائي دائم.

والمشكلة الكبرى اليوم، أن محطات تكرير المياه المتوزعة في لبنان والتي يصل عددها إلى 72 محطة، ما هي إلا محطات معطلة، ولا تعمل بسبب حاجتها للصيانة، سيما أن هناك حوالى 18 محطة فقط لا تزال قيد التشغيل.

وانطلاقاً من ضرورة تسليط الضوء على واقع المياه في لبنان، نظمت الحركة البيئية بحضور وزير البيئة، ناصر ياسين، مؤتمراً حول التحديات البيئية وآفاق حلولها، صباح اليوم الثلاثاء، 27 حزيران بيروت، حيث جرى مناقشة واقع المياه والصرف الصحي وتأثيره على المساحات الخضراء والزرقاء (البحر)، إضافة إلى عرض واقع النفايات الصلبة في ظل الأزمات في لبنان، بحضور مجموعة من الباحثين في مجال البيئة المائية.

في الحقيقة، يبلغ عدد أنهار لبنان الأساسية حوالى 40 نهراً، واللافت أن التلوث يطالها كلها، إذ تبين للخبراء بأن حوالى 65 بالمئة من المياه المبتذلة تصب في هذه الأنهار. والمشكلة الأكبر، أنها تستخدم لري المزروعات، مما يعني أنها ستؤدي بلا شك إلى انتشار الأمراض المميتة.

كما وتبين أيضاً، أن المزارعين يستخدمون المبيدات التي من المفترض أنها ممنوعة في لبنان. ومن هنا، لفت الخبراء إلى أن مجاري الأنهار تحولت إلى بقع من النفايات، ثم أن الينابيع أيضاً لم تعد صالحة للشرب، ناهيك عن أن الأسمدة الزراعية التي تستعمل، باتت تسبب الأمراض السرطانية.


الأموال "الضائعة"

إذن، أمام هذه المعطيات، يجب أن يعلم المواطن أن المياه التي يشربها مليئة بالجراثيم. ومن المؤكد أنها ستسبب الأمراض الجلدية والسرطانية المميتة. ومياه الصرف الصحي، صارت ممزوجة بمياه الشرب وبتلك التي تستعمل لري المزروعات. وهنا سيطرح السؤال البديهي: من هو المسؤول الأول عن هذا الأمر؟

وسيأتي الجواب سريعاً: الدولة اللبنانية هي المسؤولة، ووفقاً للتقارير التي عرضت خلال المؤتمر، فإن الدولة اللبنانية تلقت هبات مالية في عام 2016 أكثر من 45 مليون يورو، وأكثر من 70 مليون دينار كويتي كي يتم تنظيف الأنهار، والحد من تلوثها، ولكن اللافت أن الأنهار بقيت على حالها، والأموال تبخرت.

وهنا، يحق للمواطن اللبناني أن يسأل دولته، التي تفتقد للمصداقية، أين صرفت هذه الأموال؟ ومن هو المسؤول عن فقدانها؟

ويجب أن نعلم، أن هذه المبالغ هي عينة من الهبات الدولية التي تصل إلى لبنان ولا يُعرف عنها أي شيء آخر، فما من أحد قادر على مساءلة الوزارات أو محاسبة كل مسؤول متورط في ملفات الفساد.

في واقع الأمر، الحلول بسيطة، ورغم بساطتها فمن الصعب على الدولة اللبنانية تطبيقها. إذ نحن بحاجة لإدارة رشيدة لقطاع الصرف الصحي، وبحاجة لمعالجة مشاكل محطات تكرير المياه ولإعادة تشغيلها، والأهم في هذه الحلول هي تمكين كل باحث في الوصول إلى البيانات البيئية التي يطلبها. إذ يصعب على الباحثين الوصول إليها بسبب عدم تعديلها سنوياً.

ولا تنحصر المشاكل البيئية بأزمة المياه فقط، بل تمتد كي تصل إلى مشاكل انتشار النفايات العشوائي.


الخطة البيئية

لذا، فقد عرض وزير البيئة ناصر ياسين، خطة بيئية تهدف لإدارة النفايات الصلبة، وهي عبارة عن خريطة طريق الأولويات للأعوام 2023-2026، والتي بدأت بها وزارة البيئة.

باختصار، الوضع الحالي للنفايات اليوم هو: أن معدل انتاج النفايات حالياً يُقارب 5600 طن يومياً، والقدرة المتوفرة لمعامل معالجة النفايات هي 6440 طن يومياً، بينما المعامل التي تعمل تتمكن من تغطية 440 طن يومياً فقط. سيما أن 8 مطامر في لبنان تستقبل النفايات الصلبة بكميات فاقت قدرتها الاستعابية، و40% من النفايات ترمى بشكل عشوائي وتحرق مما يؤثر بشكل سلبي على صحة المواطن.

علماً أن هذه الخريطة ستهدف إلى إعادة تطوير نظام متكامل لإدارة النفايات الصلبة، عن طريق التركيز على إدارة هذه النفايات الصلبة المنزلية، وعن طريق استحداث نظام حديث لإدارة النفايات قائم على اللامركزية والتعاون المحلي، إضافة إلى إعطاء الأولوية لتحسين كفاءة النظام في سلسلة إدارة النفايات، وأخيراً وضع نظام عملي لاسترداد التكلفة.

في النتيجة، هذه الخطة بحاجة إلى حوكمة هذا القطاع، وإعادة فرز النفايات بالطرق الصحيحة، أي تنظيم فرز النفايات التجارية وإدارتها، إلى جانب تأمين تكاليف التشغيل والاستثمارات والتجهيزات.

ومن البديهي القول أن المسؤولية تُرمى على وزارة واحدة فقط، بينما يجب أن تطال جميع الوزارات من دون استثناء، خصوصاً أن هذه الأزمة ليست وليدة هذا العام، بل تعود لعقود سابقة وخصوصاً منذ عام 1990.


إدارة النفايات

وفي حديث "المدن" مع وزير البيئة، ناصر ياسين، أوضح أن هذه الأزمة هي نتيجة تراكم المشاكل البيئية خلال العقود الماضية، التي تهدد اليوم الثروة المائية وتساهم في انتشار الأمراض. وأفاد ياسين بأن المسؤولية مشتركة، ويجب ملاحقة المصانع التي ساهمت في تلوث المياه قضائياً، خصوصاً في ظل الحاجة الملحة للنيابات العامة البيئية المستقلة، والتي يجب أن تفرض الأحكام القاسية على كل مخالف. ولفت إلى أن المسؤولية تمتد إلى الإدارات المحلية التي يفترض منها تطبيق القانون، وعلى جميع الوزارات.

وفيما خصّ الخطة البيئية، شرح ياسين لـ"المدن" أهميتها حيث أنها ستساهم في انشاء إدارة متكاملة جديدة، عن طريق الفرز من المصدر، والحوكمة الرشيدة والتمويل المستمر والاستثمار الجديد بالبنية التحتية. مؤكداً أن وزارة البيئة عملت خلال الفترة الماضية على تقسيم مناطق لبنان، لمعرفة حاجة كل منطقة. وتمكنت من تأمين التمويل لمختلف المناطق، ووضع الخطط المحلية المناسبة لها، والتي سيعلن عن تفاصيلها في منتصف تموز المقبل.

في المقابل، أشار المهندس المائي والبيئي، الدكتور فريد كرم، ممثل رئيس اللجنة البيئية النيابية النائب غياث يزبك، في حديثه لـ"المدن"، إلى أن المشكلة التي تعاني منها الدولة اللبنانية اليوم هي أن القوانين متوفرة ولكنها بحاجة إلى مزيد منها، إذ نفتقر للثقافة البيئية لدى الشعب اللبناني. من جهة أخرى، أوضح كرم أنه يتوجب على المواطن أن يدرك أهمية فرض بعض الضرائب المباشرة عليه كي تتمكن الدولة اللبنانية من فرز النفايات وعدم حرقها، لافتاً إلى أن معالجة أزمة النفايات تبدأ عبر الضرائب. فالدولة اللبنانية عاجزة عن حل هذه الأزمة، وما تقوم به هو السماح للبلديات بحرق النفايات بطرق عشوائية أو عبر إنشاء مطامر بحرية.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: