في منزلها الكائن في بلدة الخيام (مرجعيون)، تنهمك أم حسين في إعداد الطعام لعدد من نزلاء الشاليهات المنتشرة حديثاً في البلدة. ترسل وجباتها اليومية حسب طلب الزبائن، بالاتفاق مع أصحاب الشاليهات، مقابل بدل مالي لا يقلّ عن مليون ليرة لبنانية عن الوجبة الواحدة.
هذا ما تؤكده المرأة الخمسينية، مشيرةً إلى أنّ «عدداً لافتاً من ربات المنازل المقيمات في البلدة، بتن يعتمدن في إعالة عائلاتهن على ما يتم تحصيله لقاء إعداد الوجبات المختلفة للنزلاء».
قبل نحو سبع سنوات، لم يكن للشاليهات وجود في المنطقة الحدودية، لكنّها اليوم منتشرة بالعشرات. وهذا العام، تضاعفت أعدادها، صغيرة وكبيرة، بشكل لافت، حتى بات في كل بلدة وقرية حدودية عدد وفير من الشاليهات التي منها ما شُيّد حديثاً وأخرى كانت منازل يسكنها أصحابها قبل أن يتم تحديثها وبناء المسابح في حدائقها.
يذهب عباس التنّوخي، صاحب «شاليهات الدردارة»، إلى أنّ «المنطقة كانت تخلو من الشاليهات، ولم يكن يقصدها إلّا أبناؤها، إلى أن قرّر يوماً أحد أبناء البلدة بناء مسبح صغير وتأجير منزله يومياً، فحقّق ربحاً وفيراً، ما شجّع العشرات من أبناء البلدة على تحويل منازلهم إلى شاليهات متواضعة ومن ثم بناء أخرى على الطريقة الحديثة». ويرى التنوخي أنّ «عدد الشاليهات في الخيام ومحيطها زاد على 110، وجميعها نفدت حجوزاتها خلال الشهر الحالي، وكذلك الحال في معظم القرى والبلدات الحدودية الأخرى التي انتشرت فيها الشاليهات بشكل كبير». أجرة الليلة الواحدة تراوح بين 100 و200 دولار أميركي، وقد تصل أحياناً إلى 500 دولار. في هذا السياق.
يقول حسن برجي، صاحب أحد شاليهات مرجعيون، إنّ «العدد المرتفع للزبائن ساهم في ارتفاع الأجرة، حتى بات أصحاب المنازل الكبيرة المجهّزة بالمسابح يخلونها ويؤجرونها بعدما خسروا مدخراتهم في المصارف. فصاحب إحدى الفيلات الكبيرة في برعشيت يؤجّر منزله يومياً بـ 500 دولار أميركي، كما وحوّل أحد الأطباء المقيمين في بيروت منزله في المنطقة إلى شاليه وعرضه للإيجار». ويعتبر برجي أنّ انتشار هذه الظاهرة في المنطقة التي استحالت سياحية ويقصدها الناس من كلّ المناطق، بات يؤمّن فرص عمل كثيرة لعدد من المقيمين، حتى إنّ عدداً لافتاً من أبناء المنطقة النازحين عادوا إليها بعدما تأمّنت لهم فرص عمل».
ويشرح التنوخي أنّ النزلاء يقصدون المحالّ التجارية والمطاعم أيضاً، ما ساهم في تحريك العجلة الاقتصادية. واللافت أنّ النزلاء يتقاسمون في ما بينهم بدل إيجار الشاليهات التي يتسع بعضها لعشرة أشخاص: «بدل الإيجار لا يُعتبر مرتفعاً في هذه الحالة». أحمد مالك عبدالله هو أحد الذين تجرّأوا على مواجهة الأزمة، بعد توقف عمله في السعودية، من خلال العمل في قطاع السياحة على الحدود مع فلسطين. «بنيت شاليهين في إحدى أجمل المناطق اللبنانية التي كانت منسية ومهملة» ويتابع: «دفعت لغاية الآن أكثر من 120 ألف دولار، لكنّني أحقق أرباحاً كبيرة، لأن القادمين من كل المناطق اللبنانية يتنافسون على حجز أدوارهم، منذ بدء فصل الربيع وحتى نهاية شهر آب... لقد وجدوا الأمان والجمال معاً في منطقتنا...».
بعض الشاليهات تقع في مواقع قريبة من المستوطنات الصهيونية، أو تلك الملاصقة للمواقع الإسرائيلية السابقة المحرّرة في عام 2000. قد تكون ظاهرة انتشار هذه الوحدات غير متلائمة مع الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعيشها معظم اللبنانيين، لكن «وجودها في جنوب لبنان وقرب الحدود مع فلسطين، يُعتبر صموداً من نوع آخر»، بحسب رئيس بلدية الخيام عدنان عليان الذي يعتبر أنّ «الاستثمار في السياحة الداخلية ساهم في تعزيز صمود المقيمين وزيادة أعدادهم في المنطقة»...
البناء في المنطقة الحدودية يحمل دلالات... نحن نبني وندفع كل ما نملك هنا لأننا نثق بقدرات المقاومة وبأنّ زمن الهزائم قد ولّى»، تقول مريم عواضة، المشرفة على أحد الشاليهات المطلّة على بلدة إبل السقي الحدودية. وتشير إلى أنّ «ما يزيدنا حماسة هو إحساس أبناء المناطق اللبنانية الأخرى، بهذا الأمان. بدليل إرسال العشرات منهم أطفالهم ونساءهم للاستجمام...».
تعليقات: