القرار القضائي لم يصدر من محكمة المطبوعات (مصطفى جمال الدين)
الترجمة الفعلية لما تريده السلطة السياسية في لبنان اليوم، وما تسعى لتنفيذه مراراً، هو تطبيق سياسة كم الأفواه وتقييد حرية التعبير عن الرأي. في سابقة قضائية، وُجّهت للصحافة والإعلام بشكل مباشر، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت، روزين حجيلي، حكماً قضائياً بسجن الإعلامية ديما صادق لمدة سنة كاملة، نتيجة الدعوى المقدمة ضدها من حزب التيار الوطني الحر، المتمثل برئيسه جبران باسيل، بجرم إثارة النعرات الطائفية والقدح والذم.
تغريدة صادق
بالعودة إلى عام 2020، وفي السابع من شباط تحديداً، نشرت صادق تغريدة وصفت فيها التيار الوطني الحر بالنازي، قائلةً: "صباح حزب لبنان النازي.. اعتداء جديد من قبل التيار النازي على الشاب زكريا المصري من طرابلس في جونية بضربه على رأسه ورميه في المجارير. وقالوا له عون تاج راسك وراس طرابلس".
هذه التغريدة أتت بعدما تعرض الشاب زكريا المصري لاعتداء من مجموعة عناصر تنتمي للتيار الوطني الحر في منطقة جونية. ووفقاً لما ذكرته وكيلة صادق، المحامية ديالا شحادة في حديثها لـ"المدن"، أفادت بأن عناصر تابعة للتيار الوطني الحر اعتدت على شابين في شباط 2020 من منطقة طرابلس وهما زكريا المصري ووليد رعد وذلك خلال مشاركتهما في انتفاضة 17 تشرين.
وإزاء هذه التغريدة، تقدم التيار الوطني الحر بدعوى قضائية ضد صادق بجرم إثارة النعرات الطائفية بين منطقة جونية وطرابلس، وبالقدح والذم، معتبرين أنها اتهمت عناصر تابعة للتيار الوطني الحر بالاعتداء على الشاب، في حين أن التحقيقات وفقاً لما أفاد وكيل باسيل القانوني، المحامي ماجد بويز، "أكدت أن المصري وقع داخل فتحة الصرف الصحي ولم يتم الاعتداء عليه من قبل عناصر التيار الوطني الحر نهائياً".
محضر التحقيق
"المدن" حصلت على محضر التحقيق وتقرير الطبيب الشرعي. وقد ذكر فيه بأن المصري كان مصاباً بخدوش في وجهه وحالته الصحية غير مستقرة، ولكنه ردد واعترف بتعرضه للضرب من قبل مجموعة تابعة للتيار الوطني الحر. وقد جاء في إفادته أنه تعرض للضرب تحت جسر فؤاد شهاب. ووفقاً لأقواله فقد اعتدوا عليه بالضرب القوي فارتطم رأسه بالحائط وقالوا له :"ميشال عون هو ربك ورب طرابلس"، و"ميشال عون هو تاج راسك وراس طرابلس". وقد اتخذ صفة الادعاء الشخصي عليهم بجرم الضرب والتسبب بالإيذاء ومحاولة قتله.
ووفقاً لما ورد في تقرير الطب الشرعي، الدكتور الياس الخوري، فقد شرح في تقريره بأن المُصاب تعرض للصدم وللإيذاء بأجسام صلبة وبحاجة لأسبوع من الراحة.
سجن صادق
بناء على ما عرضناه، وانطلاقاً من الدعوى التي قدمت ضد صادق في تاريخ 11 شباط 2020، فقد أتى القرار القضائي برد الدفع الشكلي الذي تقدمت به صادق سابقاً، وبإدانتها بالجنحة المنصوص عليها والمعاقب عليها في المادتين 582 و584، المعطوفتين على المادة 385 في قانون العقوبات وحبسها عن كل منها شهرين وبتغريمها 200 ألف ليرة، كما أدانتها بالجنحة المنصوص عليها في المادة 317 في قانون العقوبات وحبسها مدة سنة وبتغريمها 800 ألف ليرة، وبتجريدها من بعض حقوقها وبإلزامها بالدفع للمدعي أي للتيار الوطني الحر مبلغاً وقدره 110 مليون ليرة لبنانية تعويضاً عن الضرر الشخصي الذي لحق بالمدعى .
سقط سهواً؟
وبدوره، أوضح الوكيل القانوني لرئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، المحامي ماجد بويز في حديثه لـ"المدن" بأن القضاء كان منصفاً، وأنهم أصحاب الحق قائلاً: "نحن وعدنا صادق". وتابع: "وفقاً للتحقيقات التي ذكرت في محضر الدرك فإن الشاب لم يتعرض لأي اعتداء أو ضرب أو تعذيب إنما وقع داخل فتحة الصرف الصحي فقط".
تداعيات القرار القضائي
في المقابل، أفادت وكيلة صادق، المحامية ديالا شحادة بأن هذا القرار كان مجحفاً، وهو اتهام واضح لموكلتي بالعنصرية، في حين أن مضمون تغريدتها هو انتقاد صريح للعنصرية. وتابعت شحادة بأن هذا الحكم سيكون ضربة غير مسبوقة لكل من يحارب العنصرية والطائفية في لبنان، لذلك نحن في صدد التجهيز لاستئناف هذا القرار، فما حصل في عام 2020 هو تعرض شابين للاعتداء من مجموعات تابعة للتيار الوطني الحر.
وهنا يجب أن نلفت إلى أن القرار القضائي لم يصدر من محكمة المطبوعات لأن التغريدة نشرت على الصفحة الرسمية الخاصة لصادق، وهو الأمر الذي دفع بالتيار الوطني الحر إلى اللجوء للقضاء الجزائي.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تستنزف السلطة السياسية طاقتها لهدم آخر ما تبقى من الحريات، ولتكميم الأفواه وتقييد الصحافة والإعلام، في حين يسلك القضاء منهجاً مماثلاً لهذا المسار، ساعياً في تقييد ما تبقى من هامش للحريات.
(نص الحكم)
تعليقات: