تحريض إسرائيلي على نكبة جديدة: تهيئة العالَم لمذبحة مقبلة؟

رئيس المدرسة الدينية للخدمة العسكرية: الوقت حان لتدمير مدينة أو قرية كي يتعلم الفلسطينيون أن العمليات لن تفيدهم
رئيس المدرسة الدينية للخدمة العسكرية: الوقت حان لتدمير مدينة أو قرية كي يتعلم الفلسطينيون أن العمليات لن تفيدهم


صعّدت الصهيونية الدينية ومعها المستوطنون بمختلف مرجعياتهم التنظيمية، سراً وعلانية، الخطاب التحريضي الداعي إلى تنفيذ نكبة جديدة ضد الشعب الفلسطيني على غرار ما فعلته العصابات الصهيونية العام 1948، كوسيلة "حاسمة" لوقف عمليات المقاومة الفلسطينية.


ولم تكن دعوة الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، العلنية قبل أكثر من أربعة أشهر، إلى "محو" بلدة حوارة جنوبي نابلس "من الوجود" مجرد زلة لسان أو سوء فهم، مثلما حاول أن يدّعي زعيم الصهيونية الدينية في أعقاب استنفار عالمي ضد تصريحه. بل هو تعبير أكد ما في داخله ومعتقده المنسجم مع حالة إجماع لدى المعسكر الاستيطاني لشنّ نكبة ثانية، وكأن سموتريتش قصد تحضير العالم نفسياً لجريمة إبادة جديدة، لدرجة أن "محو حوارة" فتح الباب أمام موجة التنظير اليميني للنكبة الجديدة.

يظهر ذلك بوضوح في منشورات يمينية متطرفة في مواقع التواصل، وفي مقالات تغزو الصحف اليمينية، لدرجة الخوض في تفصيل شكل النكبة الجديدة وأهدافها والجهة المُخوّلة بالمهمة! ما استوقف كتاباً يساريين إسرائيليين، من بينهم الكاتب السينمائي كوبي نيف الذي حذر من مغبة هذه الدعوات، في مقال نشره في صحيفة هآرتس، بعنوان "الصهيونية الدينية تجهّز القلوب للنكبة المقبلة والمحسّنة".

وأكد الكاتب الإسرائيلي أن هذه الأصوات تتعالى داخل "الصهيونية الدينية" وملحقاتها من وزراء وحاخامات وطلاب ومدرّسين دينيين، وتطالب إسرائيل بالقيام بنكبة ثانية ضد الفلسطينيين "أشد من سابقتها".


رؤية مفصلة للنكبة

اللافت أنّ هذا التحريض يتخذ شكل رؤية مفصلة لدى التيار الاستيطاني. وعبّر عن ذلك سموتريتش وآخرون بإشارتهم إلى أن النكبة يجب ألا تتم على أيدي المستوطنين، وإنما "الدولة نفسها"، أي جيش الاحتلال، ربما من منطلق أن النكبة المطلوبة مَهمّة لا تستطيع مليشيات المستوطنين، تقنياً وتنظيمياً، أن تنجزها وحدها.

وتقدّم المطالبين بالنكبة، أيضاً، الجنرالُ في احتياط جيش الاحتلال ورئيس المدرسة الدينية للخدمة العسكرية، الحاخام موشيه هاغر، الذي أشار في دعوة وجهها قبل بضعة أسابيع إلى أن "الوقت قد حان لتدمير مدينة أو قرية كي يتعلم الفلسطينيون أن الاستمرار في طريق العمليات لن يفيدهم".

وهنا، تدخل نيف، في ما بدا حواراً بين توجّهين إسرائيليين، ليردّ على دعوة الحاخام إلى النكبة بالقول: "إننا خربنا خلال النكبة السابقة 600 قرية للفلسطينيين، ولم يتعلموا الدرس. فكيف تعتقد أن تدمير قرى أخرى سيفيد هنا؟".


تسويغ المذابح كحقّ!

لم يتوقف الأمر عند الدعوة إلى نكبة ثانية، بل كثفت أقلام يمينية متطرفة الدعاية الهادفة إلى تسويغها لدى الإسرائيلين والعالَم أيضاً، من بينها مقال كتبه المحامي المتخصص في قضايا السطو على أراضي الفلسطينيين، دورون نير تسفي، في جريدة "مكور ريشون"، رأى فيه أن "الانتقام غريزة طبيعية لكنه مقصور على الدولة".

وبموزاة زعم تسفي أن الانتقام مُشرعَن توراتياً، مال إلى الثناء على مجازر إسرائيل ضمن سياق "تمجيد القصاص"،، خصوصاً في خمسينيات القرن الماضي. وبرزت في مقاله مجزرة قبية التي نفذتها وحدة 101 التابعة لجيش الاحتلال، بقيادة أريئيل شارون، عندما فجرت 45 منزلاً فلسطينياً ما أدى لاستشهاد 69 فلسطينياً. وتجلى حقد تسفي وعنصريته بحصره "حق الانتقام كشعور طبيعي وصحي"، بحسب توصيفه، للمستوطنين فقط، مقابل تحريمه على العرب.

وحضرت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في بازار المقالات المحرضة على مجزرة جديدة، عبر مقال كتبه هغار لاو بعنوان "اتركوا القيادة للجيش"، دعا فيه إلى إسناد عمليات الرد والانتقام للجيش، منوهاً بضرورة اللجوء للعقاب الجماعي حينما "تقتضي الضرورة"، مثلما فعل كل من "شمشون وليفي" في نابلس، من دون الخوض في تفاصيل القصة التاريخية التي وردت في كتاب "بريشيت".


مذبحة لـ"تذكير الفلسطينيين"

وباتت الدعوة لنكبة ثانية ضد بلدة أو مدينة فلسطينية محددة تكون بموجبها "عبرة للبقية"، جزءاً من خطاب تحريضي يومي للمستوطنين يتصاعد مع كل عملية فلسطينية جديدة، تماماً كما حصل حينما نفذ فلسطيني من بلدة السموع مؤخراً عملية دهس في تل أبيب، إذ سارع مستوطنون إلى المطالبة بتنفيذ "عملية ثانية" في بلدة السموع، أسوة بالمجزرة التي وقعت في القرية العام 1966، حينما كانت تحت سيطرة الأردن، واستشهد فيها 14 جندياً أردنياً، وهُدم 125 منزلاً في القرية، إضافة إلى المدرسة الثانوية والعيادة الصحية.

وامتد الترهيب بالنكبة ليشمل خطاب أكاديميين متطرفين، أبرزهم البروفيسور أشر كوهين من جامعة "بار إيلان"، الذي اعتبر أنه "سيكون من الجيد للمجتمع العدائي أن يتذكر كيف انتهت حرب الاستقلال، بالنسبة إليه"، في إشارة إلى قتل الفلسطينيين وتدمير بلداتهم وتهجيرهم العام 1948، لإقامة دولة الاحتلال على أرض فلسطين.


يذكر ذلك كله بأن خطاب التحريض الإسرائيلي ليس انفعالياً ولا وليد اللحظة، بل هو منهجي ومُطبق على الأرض، ويقوده حاخامات ومدارس دينية استيطانية، وهو تحريض إرهابي تورطت ازدواجية العالم الغربي بتعزيزه، عبر صمت حياله لعقود طويلة، أو بتحذيرات شكلية يتم تقديمها من باب رفع الحرج، كلما وقعت حادثة اعتداء بحق قرى وبلدات فلسطينية.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: