الأرض تشتعل: درجات حرارة قياسية والآتي أعظم

على البشرية الاستعداد لموجات حرّ أشد في المستقبل (Getty)
على البشرية الاستعداد لموجات حرّ أشد في المستقبل (Getty)


تستمر درجات الحرارة في تسجيل أرقامٍ قياسية حول العالم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، متسببةٍ في وفياتٍ وحرائق غابات وفيضانات وإرباك بمظاهر الحياة اليومية. وقد دفعت خطورة ما يشهده حالياً كوكب الأرض المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري، للقاء رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، للاتفاق مع بكين على ضرورة تسريع خفض انبعاثات الميثان وإزالة الكربون من قطاع الطاقة، لما لذلك من تأثيراتٍ كبيرة على تطرف الطقس.


درجات حرارة قياسية

وعلى صعيد درجات الحرارة القياسية التي تشهدها بعض الدول، سجلت جزيرة صقلية في إيطاليا درجة حرارة مرعبة بلغت 48.8 درجة مئوية، مع وصول درجة الحرارة في إيطاليا واليونان لنحو 46 درجة مئوية. وتوقعت وكالة الأرصاد الجوية الفرنسية أن تشهد فرنسا درجات حرارة تتخطى 40 درجة مئوية في بعض أجزاء البلاد.

وقد ذكرت هيئة الأرصاد الوطنية الأميركية، أن درجات الحرارة في وادي الموت الذي يربط وسط كاليفورنيا بولاية نيفادا، وصلت إلى 53.33 درجة مئوية يوم الأحد الماضي، ما جعله أكثر الأماكن سخونةً على وجه الأرض. فيما تتراوح درجات الحرارة جنوب وغرب الولايات المتحدة الأميركية وشمال المكسيك بين 30 و40 درجة مئوية.

وتضرب موجة الحرّ الكبيرة هذه نصف الكرة الأرضية الشمالي، من الولايات المتحدة إلى دول في شمال أفريقيا، وصولاً إلى دول أوروبية، وتستمر نحو اليابان والصين. إذ تشهد تونس على سبيل المثال درجات حرارة تتراوح بين 38 و47 درجة مئوية. وفي الصين، ارتفعت درجات الحرارة في بلدة "سانباو في" إلى 52.2 درجة مئوية مع توقع استمرار الحرارة القياسية لمدة خمسة أيام أخرى على الأقل. فيما توقعت الأرصاد الجوية اليابانية تجاوز درجات الحرارة المعدل القياسي البالغ 41 درجة مئوية الذي شهدته البلاد عام 2018.


حرائق الغابات

وتسببت موجات الحرّ الشديدة باستعار حرائق الغابات والأحراج حول العالم، ومن أكثر الدول المتضررة في أوروبا هي اليونان التي يكافح رجال الإطفاء فيها لإخماد أكثر من 80 حريقاً على مساحة البلاد ككل، بما في ذلك أربعة حرائق كبيرة. وفي هذا الصدد، أعلنت فرنسا وإيطاليا عن إرسال طائرات إلى اليونان للمساعدة في مواجهة حرائق الغابات.

وفي سويسرا، يعمل الجيش السويسري على تجنيد بعض مروحياته للمساعدة في مكافحة الحرائق التي استعرت في غابةٍ وسط منطقة فاليه الجنوبية منذ ظهر يوم الاثنين الماضي. بينما تواجه جزيرة سردينيا الإيطالية حريقاً هائلاً كل ساعتين في المتوسط، أثرت حتى الآن على مساحة إجمالية قدرها 60 ألف متر مربع.

أما في كندا، فقد كشف مات راو، قائد فريق إدارة الحوادث في المنطقة الجنوبية الغربية، عن حجم الكارثة التي سببتها حرائق الغابات، قائلاً أن إجمالي مساحة الغابات المحترقة في كندا قد حطمت بالفعل رقم 10 ملايين هكتار (ما يقرب من 25 مليون فدان)، وهي مساحة تقارب مساحة ولاية أوهايو الأميركية، مشيراً إلى أن الحرائق ما زالت مستمرة ولا سقف زمنياً محدداً للسيطرة عليها.


تحذيرات صحية

ومع درجات الحرارة المسجلة، حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن البشر قد يعانون من المزيد من النوبات القلبية والوفيات المبكرة بسبب موجات الحرّ الحديثة. مؤكدةً أن الوفيات المرتبطة بالحرارة آخذة في الارتفاع بالفعل، حيث وجدت دراسة حديثة أن أكثر من 61 ألف شخص قضوا خلال موجات الحرّ الصيف الماضي في أوروبا.

من جهته، علقّ البروفيسور إيلان كيلمان، أستاذ الكوارث والصحة في "يونيفرسيتي كوليدج لندن"، على بيان المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالقول "إذا لم يبرد الجو في الليل، فإن أجسادنا لن تتعافى من حرارة النهار. وبالتالي، سترتفع معدلات الوفيات".

أضاف "عندما نشعر بالحرارة الشديدة، تعاني أعضائنا من مشاكل في الأداء، لذلك نموت. الجفاف قاتلٌ كبير، ومن دون السوائل الكافية لا تستطيع أعضاؤنا العمل بشكلٍ صحيح مرة أخرى. لذا، أنصحكم بشرب الكثير من السوائل، ويفضل الماء، لا الكحول ولا القهوة. ابقوا في غرفٍ باردة بالداخل خلال أشدٍ فترات الحرارة. لا تعتمدوا على تكييف الهواء، لأن الاستخدام الواسع له قد يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي".

إضافةً إلى ذلك، تؤكد البحوث المقدمة في المؤتمر السنوي لجمعية البيولوجيا التجريبية في اسكتلندا أن درجات الحرارة في نطاق 40 و 50 درجة مئوية، تؤثر على التنفس وترفع معدلات ضربات القلب لدينا. وبمجرد أن يصبح جسم الشخص غير قادر على التخلص من الحرارة الزائدة، وهي حالة تُعرف باسم "الإجهاد الحراري"، ترتفع درجة الحرارة الأساسية، ما قد يؤدي إلى الارتباك أو الغثيان أو الدوار أو الصداع أو الإغماء.

بدورها، تعتقد البروفيسورة إليزابيث روبنسون، مديرة معهد "غرانثام" لبحوث تغير المناخ والبيئة التابع لكلية "لندن للاقتصاد"، أنه لا توجد حماية كافية للصحة والسلامة للتعامل مع الحرارة. مستطردةً بالشرح "لا يزال هناك فهم غير كافٍ لكيفية تضرر صحة العمال، ومدى قدرتهم على التكيف مع واقع زيادة تواتر شدة الحرارة، ومدى اتخاذ أرباب العمل الإجراءات اللازمة لحماية صحتهم".


موجات حرّ أشد

وربطاً بما تشهده المعمورة من ظواهرٍ مرعبة، قالت الدكتورة ميليسا لازنبي، كبيرة المحاضرين في تغير المناخ بجامعة "ساسكس" البريطانية، إنّ العالم يتحول بعيداً عن أنماط الطقس المعتادة التي عشناها طوال حياتنا. منوهةً بأن ما يجري حالياً سيزداد حدةً من دون إجراءاتٍ ملموسة، وسيؤدي إلى انهيار البنى التحتية، وازدياد نسبة الوفيات، فضلاً عن الجفاف ونقص المياه.

توازياً، طلب عالم المناخ البريطاني سايمون لويس، من البشرية، الاستعداد لموجات حرّ أشد في المستقبل. قائلاً إنّ المجتمعات يجب أن تتكيف مع درجات الحرارة القصوى. مضيفاً "هذه مجرد بداية. هذا ما يمكن أن يفعله النظام المناخي عند ارتفاع درجة الحرارة 1.2 درجة مئوية وحسب. السياسات الحالية على مستوى العالم تجعلنا نصل إلى درجة حرارة 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100. وهذا أمرٌ مرعبٌ حقاً".

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: