مخيم اللاجئين «009» يتحول عقدةً قضائية وإدارية وأمنية

هل يُفرض الترحيل الطوعي على شاغلي المخيم؟ (لوسي بارسخيان)
هل يُفرض الترحيل الطوعي على شاغلي المخيم؟ (لوسي بارسخيان)


تتخذ التعقيدات حول ملف النزوح السوري أوجهاً مختلفة، تفاقم يومياً من حالة الفوضى التي يتسبب بها، وذلك منذ أن تخلّت السلطة الرسمية عن مسؤولياتها، مخلّفة قرار استضافة النازحين في بداية الأزمة السورية للاندفاعات الشعبية، ومن ثم لاستغلال هذه الاندفاعات من أجل التخنيق عليهم بأماكن تواجدهم، بالتزامن مع تفاقم الأزمة اللبنانية.

إلا أن خطورة هذا التخلّي تتفاقم، مع تسلّل تعقيدات هذا الملف إلى الإدارات العامة، لتتسبب في بعض الأحيان بتضارب بين السلطات الرسمية، سواء على مستوى الصلاحيات أو القرارات، فتكون نتيجته تعطيلاً لكليهما، حتى لو اتخذت بعض القرارات شكل أحكام قضائية.


مخيم زراعي

هذا ما خرج إلى العلن مؤخراً، من خلال قضية أثارها المحامي ميشال ملو، بوكالته عن أصحاب عقارين في منطقة المعلقة، في مدينة زحلة، كانا قد استغلا منذ أكثر من عشر سنوات كمخيم للاجئين، إلى أن حاول وكيل الأرض نسيم مسعودي استردادها. فحينها وقع نزاع قضائي مع شاغلي الأرض، تدخلت فيه منظمة NRC بشكل غير مباشر بصفتها جهة داعمة لهم، ووكّلت محامياً للشاويش الذي يدير المخيم، تيسير الجفال.

كان الجفال يضمن منذ عام 2009 الأراضي الزراعية، إلى أن فرضت الحرب في سوريا إقامة دائمة للعمال السوريين في الأراضي اللبنانية، فبنيت خيمهم على جزء من الأراضي المستثمرة زراعياً، وأصبح تجمعها مع الوقت مخيماً غير شرعي، منحته المنظمات الداعمة رقماً وأمنت له خدمات مختلفة.

009 هو رقم المخيم المتنازع عليه حالياً. وفي زيارة ميدانية له، يظهر تضخم حجمه بعد طول هذه السنوات. إذ أنه عملياً يضم وفقاً لمن يشغلونه نحو أربعين خيمة، إلا أن كل خيمة منها تشغلها ثلاث عائلات على الأقل، بعضها ناجم عن زيجات متعددة، ما يجعل التقديرات الأمنية لعدد المقيمين في المخيم نحو 400 شخص، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.


ملاحقات قانونية

حسب محامي وكيل الأرض ميشال ملو، فإنه لم تكن في نيّة مالكي الأرض منذ البداية تأجيرها كمخيم للاجئين، وإنما جرى تضمينها للشاويش كي يزرعها بالبطاطا. حيث سمح له لاحقاً بأن يقيم خيماً للعاملين في الورش وعائلاتهم، إلى أن توسعت الإقامة في هذه الخيم، وأضحت تجمعاً كبيراً لها حالياً.

هذا الأمر رتّب على وكيل الأرض ملاحقات قضائية من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، التي رفعت شكوى على المخيم لتلويثه النهر بالصرف الصحي الناتج عنه. في وقت أبرز مسعودي خلال جلسات استجوابه طلبات إدارية قدمها للسلطات المعنية من أجل إخلاء المخيم. ولما لم تفض هذه المحاولة إلى أي نتيجة، توجّه إلى القضاء للمطالبة بإسترداد أرضه.

منذ ثلاثة أشهر نجح مسعودي بانتزاع قرار قضائي بإخلاء الأرض من شاغليها، إلا أنه اصطدم بتباطؤ في التنفيذ من قبل الأجهزة الأمنية، على رغم إنقضاء المهلة الأخيرة التي منحت لذلك. والسبب كما تبيّن أن البديل للعائلات التي تشغله لم يتوفر. وهذا ما يضع -وفقاً لمصادر أمنية- محظورات عديدة بوجه تطبيق القرار القضائي بالقوة العامة التي سمح باستخدامها، سواء على المستوى الإنساني والأمني، مع إمكانية استدراجه الإدانات على مستوى الرأي العام اللبناني والعالمي.


لا استعمال للقوة

تعقّد تطبيق القرار القضائي على أبواب القوة العامة إذاً. إذ أرسلت القيادة الأمنية في البقاع الملف إلى المديرية العامة لقوى الأمن، لإعطائها الإذن بإخلاء المخيم، وتأمين المؤازرة من قبل القوى العسكرية إذا لزم الأمر.

من وجهة نظر أمنية، تطبيق القرار من دون أن تؤخذ في الاعتبار التداعيات التي قد تنجم عنه، سيضع الأمن في وجه عائلات تضم كباراً وصغاراً. وخصوصاً إذا لم يعثر على مكان بديل يستضيفهم. وهناك خطورة من أن يتطور الأمر إلى مواجهة مباشرة. وعليه فإن حل هذه المسألة يتطلب الهدوء بالنسبة للأوساط الأمنية. حتى لو كان هناك سابقة في أن تستمهل قوى الأمن تنفيذ قرار قضائي بانتظار توجيهات قيادتها.

ولكن بالنسبة للجهة المدعية كما يشرح ملو، ما يهمها حق الملكية المقدس، والذي حفظه القضاء المستعجل عندما أصدر قراراً بإخلاء الأرض فوراً، رافضاً الذرائع التي قدّمت من قبل الجهة المدعى عليها حول عدم تمكنها من الوصول إلى بديل. علماً أن معلومات ذكرت أن وكيل الجهة المدعى عليها كان قد تعهّد خطياً بإخلاء العقارين في مهلة أقصاها 15 تموز، أي منذ حوالى عشرة أيام تقريباً. وتبين أن هذا التعهد جاء نتيجة لجهود أفضت إلى توقيع عقدي إيجار لقطعتي أرض، واحدة في منطقة الدلهمية والثانية في منطقة برالياس. ولكن المعضلة برزت هذه المرة في تمسّك السلطة الإدارية المتمثلة بمحافظة البقاع برفض استحداث أي مخيم جديد في أي بقعة من المحافظة. وهو قرار اتخذه محافظ البقاع منذ أكثر من خمس سنوات، وكان له الأثر وفقاً لأوساطه في الحد من توسع انتشار المخيمات في هذه المحافظة. وحسب المعلومات، فإن المحافظ لا يزال يتمسك بهذا الإجراء، ولن يسمح باستحداث أي مخيم جديد في المنطقة، ما لم يكن ذلك بقرار صادر عن وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء، الذي أعلن توجه الدولة اللبنانية العام لإعادة النازحين إلى بلادهم.


الفوضى والطمع

إذاً في المبدأ، تتعلق القضية المثارة بملكية خاصة. إلا أن النتائج المترتبة عليها، سواء لجهة تنفيذ القرار القضائي، أو عدم تنفيذه، تحمل عناصر تحوّلها إلى قضية رأي عام، لا يستبعد أن تستدرج المواقف السياسية، وتخلق شرخاً حتى داخل المجتمع اللبناني، أو تتسبب بحزازات بين المجتمعات اللبنانية المضيفة ومخيمات النازحين على أراضيهم.

علماً أن المتضرر من بقاء الحال على ما هو عليه، ليس صاحب الأرض وحده، وإنما 120 عائلة بدأت تلمس جواً عدائياً يثار ضدها من قبل المالكين. وهذا ما جعلها أكثر رغبة بالانتقال، خصوصاً أن قطعتي الأرض اللتين تم العثور عليهما أقل كلفة من الأجرة التي حاول وكيل الأرض فرضها، قبل أن يستفحل خلافه مع الشاويش الذي يدير المخيم.

في لقاء حواري حول ملف النازحين السوريين مع رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب قبل مدة، لفت زغيب إلى الدور الذي لعبه المجتمع اللبناني في تعميم الفوضى بهذا الملف. فالطمع غلب لتأمين استفادة مادية فاقت أرباح المواسم الزراعية من خلال تأجير الأراضي لإقامة المخيمات، من دون أن يحسب البعض حساباً للتداعيات التي يمكن أن يخلفها أدائهم على مجتمعاتهم.

والحال لا يختلف بالنسبة لأصحاب العقارين المتنازع عليهما قضائياً. صحيح أن وكيل الأرض لم يؤجرها في البداية لإقامة المخيمات كما أكد محاميه، ولكنه غض النظر عن الارتفاع الكبير في أعداد الخيم التي نشأت فيها وعدد المقيمين فيها، والذي لا يمكن أن تستوعبه أي ورشة زراعية. علماً أنه تعامى أيضاً عن التطورات اللاحقة التي جعلت المخيم يحصل على رقم، استقطب المقيمون من خلاله دعم الجهات والمنظمات الداعمة للنازحين، وكان هو راضياً عن الإفادة المادية التي حققها، قبل أن يستفحل خلافه مع الشاويش.. ويتحول المخيم إلى سبب لإدانته قضائياً من قبل مصلحة الليطاني.


ولكن إذا كان القرار القضائي بإخلاء مخيم يشكّل سابقة بالنسبة لملف النازحين، فإن السابقة الأخرى التي يمكن أن تسجل هي في تنصل الأطراف المعنية بتطبيق القرار الصادر عن القضاء المستعجل من مسؤوليتها. في وقت تبدو هذه المسؤولية مشتركة، إدارياً وأمنياً وقضائياً، وحتى بالنسبة للمنظمات والهيئات الداعمة، لإجتراح حلول هادئة وإنسانية، تسهم في تدارك التداعيات التي يرتبها تنفيذ القرار القضائي، بدلاً من مفاقمتها، وحتى لو كانت واحدة من هذه الحلول التي يجري التداول بها في الأروقة الداخلية، "الترحيل الطوعي" لشاغلي المخيم.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: